الحقيقة تظهر مع زلات اللسان

 عادة  ما يقال ” لكل مقام مقال” و مناسبة مقالي كثرة زلات اللسان التي صدرت في الاونة الاخيرة والمرتبطة بالمغرب و بالمغاربة : أولى هذه الزلات زلة لسان مصدرها وزيرة مسؤولة في حكومة السيد عبد الاله بنكيران ، وهي على أي الوزيرة الوحيدة في حكومته، يتعلق الأمر بالسيدة بسيمة الحقاوي التي وصفت الباحث ” سعيد بلكحل” بغير المتدين ، وهو الأمر الذي يوحي بان السيدة الوزيرة العضو في الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية لها مقياس ربما لا يملكه  إلا المتدينون و الراسخون في التدين، زلة الوزيرة تلتها زلة أخرى مصدرها هذه المرة مسؤول آخر ، إنه البرلماني عبد اللطيف وهبي ـ رئيس الفريق البرلماني لحزب الاصالة و المعاصرة ـ الذي و صف المواطن المغربي البسيط ب “الشلح مول الزريعة”   وهو ما اعتبر إهانة للمواطن و للوطن، بعد هذه الزلة اللسانية تأتي زلة أخرى عمقت  لدى المغاربة الإحساس بالغبن و هي تلك التي صدرت عن الفنانة  الكويتية “أحلام” التي تفوهت بلفظ “أكره المغرب” في أغنيتها بمهرجان موازين  لتتدارك بعد ذلك القول بعبارة جوفاء لم يعد لها نفس الرنين و هي “أعشق المغرب” مع ارتباكة خجولة في أحاسيسها، علما أن تنظيم المهرجان يتبعه لغط كبير في كل مرة  ينظم فيها من قبل “جمعية مغرب الثقافات”  ، بعد ذلك تاتي كبرى الزلات التي لازال طنينها في الأذان ألا وهي زلة المعلق التلفزيوني الشهير مصطفى العلوي الذي خانه سجع العبارة خلال مراسيم آداء البيعة لملك البلاد فوصف “حفل الولاء” ب “حفل البلاء” مع ما للكلمة من حمولة سياسية إذا ما وظف هذا الوصف في ظرفية اشتد فيها الجدال حول جدوى هذا الحفل الذي يكثر فيه الركوع بما يبعث على المذلة و المهانة و يسيئ لمغرب القرن الواحد و العشرين كما يسئ لكرامة المغاربة الذين يطمحون لان يوصفوا ب”المواطنين”عوض “الرعايا”…
و بالنظر الى ان سلسلة الزلات المرتبطة باللسان حصرها يبقى امرا مستبعدا، فلنجر إطلالة بسيطة على مختلف دلالتها وفق مرجعية  مؤسس مدرسة التحليل النفسي و الذي اهتم بكل ما هو مهمل في الفكر  كالاحلام و زلات اللسان .
يبني فرويد الكثير من تحاليله النفسية ونظرياته على “العقل الباطن”، وفي هذه الحالة فهو يقول أن زلات اللسان تكون أكثر عفوية وبالتالي تكون تعبيراً عن “الحقيقة” لأنها تصدر عن  هذا “العقل الباطن” و الذي يسمى ايضا ب” اللاوعي”، فالزلة تعني قول الشيء بدون التفكير فيه، مما يعني أنه لا يوجد مجال للكذب أو الخداع.
ويصف سيغموند فرويد في كتابه “علم أمراض النفس في الحياة العادية” الصادر عام 1901،  زلات اللسان بأنّها “خلل إجرائي”، ويعتبرها بمثابة “مرآة تكشف أفكاراً أو دوافع أو أمنيات دفينة في اللاوعي”. وقد كتب فرويد، موضحاً أن “هذا العنصر المقلق هو عبارة عن فكرة واحدة في اللاوعي تخرج إلى النور عبر خطأ لغوي”. ويشير فرويد إلى أن “ما تعكسه “زلة اللسان” هو الأكثر تعبيراً عن دواخل الشخص مما يعكسه سلوكه الواعي”. وهذا ما جعل العلماء يستحضرون زلة اللسان “الفرويدية” لشرح سلوكيات غريبة ومحرجة، مثل حالة السيدة التي التقت الصديقة السابقة لزوجها، فابتسمت لها وقالت: “كم يسعدني قتلك” بدلاً من “كم يسعدني لقاؤك”، أو الضيف الذي يشكر مضيفه على هذا “العداء” بدلاً من “العشاء”. وبحسب تحليل فرويد النفسي، الذي يعتبر أن زلات اللسان تعكس ما يجول في اللاوعي، فإن زلة اللسان التي ارتكبتها المرأة عكست رغبة دفينة عندها تجاه من كانت صديقة زوجها، والأمر نفسه ينطبق على الضيف الذي عبّر عن شعور دفين عبر استبدال حرف “الشين” بحرف “الدال” لينطق بكلمة “عداء” بدل “عشاء”. ومن تم أمكن استخلاص فكرة أن ماصدر من زلات اللسان الآنفة الذكر  مرتبط على مستوى التشخيص بما يروج من حقائق على مستوى بنية العقل الباطن اللاواعي.

رشيد عويدة