السيسي، بين جري الخوف وعاهات الطمع !

بغض النظر، فيما إذا قام به الفريق أول وزير الدفاع “عبد الفتاح السيسي” في الثالث من يوليو – كما يقول- انحيازاً للسواد الأعظم من الشعب المصرى، الذي يتوق إلى تصحيح مسار الدولة المصرية ومحو آثار الإخوان المسلمين من سجلاّت الحكم، أو فيما إذا كان انقلاباً كما وسمته العديد من الحركات والأحزاب المصرية وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، فإن هناك دلالات دامغة، أفادت في كل مناسبة، بأن ما قام به الفريق “السيسي” هو إجراء كان مخطط له من قِبل جهات محلية وعربية وأمريكية. بدأ التعرّف على ملامحه، منذ الإعلان عن الجولات المكوكية التي كان يقوم بها القيادي في (جبهة الإنقاذ) الدكتور “محمد البرادعي” لدول أوروبا والولايات المتحدة بالذات، للتداول معها بشأن الخطوات التالية والمتاحة لتنفيذ ذلك الاجراء المنوي اتخاذه ضد الرئاسة المصرية، وبصورة أدق ضد حكم الإخوان.
كانت الولايات المتحدة بالفعل مسرورة للغاية بما سيقوم به الجيش ضد الدولة المصرية، ولكنها كما كل حادثةٍ من هذا النوع المثير للجدل، كانت لا تخفي خوفها الشديد من تبعات إجراءات الجيش فيما أذا نفّذ نواياه، وذلك بالنسبة لردود الفعل الداخلية والدولية. ولكن وبما أنها محكومة لطبيعتها التي تحثها على مواصلة الأخطاء، فقد فضّلت السير جنباً إلى جنب مع الجيش في السير قدماً، حتى تمّ له ذلك ومن ثمّ اعتمدت الولايات المتحدة سياسة (معلّقة) معروفة ضمن إطار مصالحها، وإن كانت تميل في بعض الأحيان أكثر إلى أن ما حدث هو ليس انقلاباً.
المدير السابق لوحدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) “مايكل شيور” أعلن في وقتٍ سابق بأن الإطاحة بالرئيس “محمد بمرسي” كانت ضرورية، بسبب أن حكومات الغرب تخشى نجاح تجربة الإسلام السياسي، ومن السخيف أن تتوقع ظهور حكومة في مصر لا يهيمن عليها طابع الإسلام. على أن الولايات المتحدة تعتمد في سياساتها على تكريس الاستبداد والمحافظة عليه وهي تأتي ضمن أولوياتها واستراتيجيتها على المدى الطويل. وهي تحرص على رؤية ما يحوز على رضاها فقط لتسهيل الحصول على مصالحها بأقل الجهود والتكلفة، وهذه لا تتأتى إلاّ من خلال دول استبدادية.

بمساعدة الولايات المتحدة قام الفريق “السيسي” بالانحياز إلى جانب الشعب، وكان يبدو قوياً بادئ الأمر، لا سيما حين رأى حوله ما يكفي من الشخوص المبتسمة لذلك الفعل، حيث نما طموحه سريعاً كأنما سُقي بحامض النمليك، حينما وردت معلومات تفيد بنيّته الترشح لمنصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المبكرة، المنوي إجرائها في مصر، لكن نتيجة الانتقادات الحادة في حينها من المناهضين له وحتى المؤيدين، سارع إلى نفي نيّته التقدم لها على أيّة حال. وقد أكّد فيما بعد لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بأنه لا يطمح إلى السلطة. ومن جانبٍ آخر، حث الولايات المتحدة التي كانت محل اتهامه، بعدم دعم مصر بشكل مناسب رغم المخاطر من اندلاع حرب أهلية. على استخدام نفوذها لدى جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المعزول “مرسي” لإنهاء الأزمة السياسية نظراً للأحداث الصعبة والتداعيات المؤلمة التي لم يتوقعها، حيث أدّت إلى مقتل العشرات منذ بداية الأحداث، وأنه أبلغ الولايات المتحدة خلال مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع الأمريكي “تشاك هاغيل” الذي يتصل به غالبًا بشكل يومي، إلى أن القيادة المصرية الجديدة تعمل من أجل تحقيق مصالحة سياسية، وأنها ملتزمة بخارطة الطريق السياسية التي ستقود إلى إجراء انتخابات ووضع دستور جديد. ومن جانبٍ آخر فهو لا يستبعد فكرة إقدام الولايات المتحدة التخلي عنه في وقتٍ ما كما تخلّت عن الرئيس السابق “حسني مبارك” وقد كانت أكّدت منذ البداية، أنها لا تتطلع إلى أشخاص وإنما إلى عملية سياسية.
وبالرغم من كل ما تقدم، وبالرغم من التلكؤ الأمريكي في الاعتراف علانيةً بالنظام الجديد في مصر، حيث أنه لا يزال بجانب الهاتف في انتظار محادثة من الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”.  فإن الفريق “السيسي” لا يبدو متساهلاً في فكرة الغياب عن المشهد السياسي، وذلك بعد تجديد نيّته للترشح للرئاسة، حين ذكر أنه ﻻ يستبعد إمكانية حدوث ذلك، وكانت كشفت صحيفة “الواشنطن بوست” اﻷمريكية في حوارها معه، عن هذا الطرح. على الرغم -على حد زعمه- من إعلانه بأنه ﻻ يطمح في السلطة.
وكانت كشفت مصادر مقربة من الاستخبارات الإسرائيلية، عن معلومات مهمة تم تسريبها مؤخراً، تدعو إلى التأكيد على عزم الفريق “السيسي” ترشيح نفسه للرئاسة، ويُعدّ بشكلٍ متسارع نحو إطلاق حملته الانتخابية، ابتداءً من منتصف أغسطس الجاري، وقد قام بالفعل إلى تعيين مديراً للحملة التي ستسعي إلى جمع 30 مليون توقيع.
تأتي هذه التطورات بعد بيان الفريق “السيسي” من أنه غير مهتم بالانتقادات المحلية والعالمية، التي قد نوجّه له، ويخطط بالتوافق مع الولايات المتحدة الآن ومستقبلاً، ﻹعادة الجيش إلى المشهد السياسي ووضع العملية السياسية تحت سيطرة الجيش ومراقبته، كما عهدت مصر في الماضي، وما عهدته إبان حكم الرئيس “حسني مبارك” عندما كان الجيش هو الذي يحدد مَن يكون الرئيس. مع مراعاة مهمة الضغط على اﻹخوان، بهدف جرّهم إلى مزاولة النشاط السياسي بحدود يتم تحديدها مسبقًا، في ظلِّ إجراءات مقيدة ومشددة، حيث سيكون مقبولاً ذلك الشكل من الحكم لدى الغرب والولايات المتحدة.
ونظراً إلى نمو الطموحات لدى الفريق نحو الرئاسة، فإن اهتمامه سيكون منصباً، على أمرين رئيسين وهما، فض اعتصامات (الشرعية) عن طريق مبادرة سياسية تبدأ من اليوم التالي ليوم الثالث من يوليو، أو لجوئه إلى استخدام القوة في إنهائها وإن كان هناك المزيد من الضحايا، بمبرر تهديد الأمن القوني المصري، وأسوةً بما فعلت جنوب أفريقيا عندما أقدم جنودها على قتل عمال مضربين بالرصاص الحي، بسبب سوء أوضاعهم المعيشية أواخر العام الفائت. والأمر الثاني، وهو المضي قدمًا نحو حملته الانتخابية.
وفي ضوء ما تقدم، فإن الخطوات التي يقوم بها الفريق “السيسي” تبرر على الأقل اتهامات الحركات والأحزاب الوطنية والإسلامية المعارضة لإجراءاته، بأن كشف عن وجهه الحقيقي ونواياه الحثيثة نحو حكم مصر، كما تبرز صحة تشكيك محللين وخبراء في إمكانية تحرك القوى السياسية باستقلالية عن سيطرة العسكر، خاصة في ظل الجدول الزمني وخارطة الطريق التي وضعها العسكر، والتي تضمن سيطرتهم على الحكم على أي حال، لكن وقائع الميدان تجعل من العسير تمرير أيّة خطوة من قِيل الفريق أمام الأعين المنتبهة لقوى التحالف الشعبي لتأييد الشرعية، التي ستظل الهاجس الأكبر رهباً ورعباً أمام طموحاته المنطلقة من عير حساب.

د. عادل محمد عايش الأسطل