ليس بزمن الانخراط، في حزب شباط

مهما خبَّأت النعامة رأسها في الرمال فطالعة به بعد حين لما تتيقن أن ما تبقى من جسدها في العراء لا زال على طبيعته لم يكترث بازدراده أحد ، والحرباء لابد ولها لون خُلِقت لتتمسك به منطلقا لإفراز ألوان تظن أنها تتستر به عن مطارديها الأقوى منها ذكاء ودهاء ،والأسد مهما شبع لا يُؤْتمن عن شر شراسته إلى أن يشيخ فيصبح مسخرة جنسه ينأى عن عرينه مكسور الجانب وحال لسانه يردد بألم وأسى : ليتني ما “َتَأسْتَدْتُ” يوما ، وحميد شباط مهما اختبأَ في داره وانزوى لمحاسبة ذاته ، بل واعتكف في محراب خلوته الإبداعية الخاصة والخاصة جدا بعيدا عما ساقوه ليكون ما كان حتى قرار الانسحاب الشهير ، فخارج يوما ليتفرج مباشرة والألسن تلقي عليه طوب ما تفوه به من العيار الثقيل ، فيتبدد حلم حسبه مستمرا فإذا الواقع ناقوس يوقظ البعض فجأة يعيدهم مكرهين لنفس الكوخ وقد ازداد ثقب سقف ماضيه لينهار بما سيتجلى على ساكنه وسبحان مبدل الأحوال ، ما سيبقى المعيار الأكيد والموعظة الخالدة .
لكل مسلك مخرجا إن احتُرمَت التصاميم السياسية في بناء ما قد نسميه مستقبل تقدمنا لملامسة نور العدالة الاجتماعية والتمتع بالحقوق المدنية في جغرافية دولة الحق والقانون الموحدة بعرق وتضحيات المغاربة من قديم وليس اعتبارا من بضع عقود ، الثوابت مؤتمنة بقيت حتى لا يزيغ أحد عن مبدأ انطلق مع تأسيس الدولة على ركنين وفوقهما الخالق الباري سبحانه وتعالى الحي القيوم ذو الجلال والإكرام ، تشبثت به المغاربة جيلا بعد جيل إلى كتابة هذه السطور التي ستظل عاكسة نفس الهدف أن لا أحد فوق القانون مهما اتخذ في التهرب منه شكل الحلزون ، ومتى صمم مَنْ ذهبت بهم الظنون أن الأغلبية بحر ميت ، لا خطر على زورقهم من الإبحار وسطه ، سوف يُفَاجَأُون بعظمة هذا الشعب حينما يعلن كلمته في حقهم بلا تردد ولا هم يحزنون .  حميد شباط أعرفه جيدا ، ربما أكون من الصحفيين القلائل الذين عايشوا مسيرته العملية بشقيها النقابي والحزبي ، مدونا الأحداث وهو وسطها لسنين طويلة ، ليس بالكتابة وحسب وإنما بالصور، أجملها تلك المجسمة لبداية تعيسة عاشها ولا أعتقد أنه حاول تجاهلها في يوم من الأيام . وأنا في فاس وغيرها المترفع كنت ولا أزال عن خدمات أسداها للكثير ممن عرفوه لأنني كنت صادقا مع نفسي محترما لها لا أبغي غير إرضاء ضميري لأستمر واثقا من الواجب الذي أؤديه عن جدارة واستحقاق ، لذا ما أحدث به الرأي العام عن هذه الشخصية العمومية قائم انطلاقا من حقائق ومعلومات موثوق بها صادرة عن قلم أكد حضوره بالموضوع وسواه ذا قيمة تاريخية على الساحة الإعلامية بالعاصمة العلمية للمملكة خاصة التي عرفت أولى خطوات المعني على طريق عُبِّدَ خصيصا لشباط من طرف مخططين محترفين سعوا وفق برنامج زمني الدفع بمستجد بشري مُختار بعناية فائقة يُستعان به لخلق وضعية مبتكرة تمهد صراحة لملء مرحلة قادمة مؤهلة عن دراسة معمقة لا تُبقي شيئا ،مهما صَغُرَ للصدفة، لتكون نفسها جزءا من إستراتيجية يتحكم في تحريك مكوناتها وتنفيذ أجزائها مكانا وزمانا وملاحقة أثارها لتصويب ما اعتراه انجراف غير مقصود لاعتبارات طارئة أتى بها ظرف من ظروف خارجة عن الحذر ألاستباقي المُقَيَّد به المشروع قبل أن يُرَسَّخـ إستراتيجية من صنف المذكورة في هذا السياق ، فريق لا قدرة لسلطات معينة على معرفته شكلا ومضمونا ورتبة ، يُحَسُ عمله لمن دقق في الأحداث المتلاحقة المرتبطة بالموضوع في العمق ، لكن الاختصاص وتحت أي بند معتمد أصحابه في الوظيفة العمومية يشوبه ما يشوب أسرارا غير قابلة للحصر تصب في خانة استمرارية الدولة كما تريد القمة وبالكيفية التي تراها مثالية محافظة على مقومات لا يمكن التفريط ولو في جزء مهما كان بسيطا من تركيباتها المتلاحمة بعضها ببعض كسلسلة حلقاتها مُكَونة من معدن ممزوج فيه الأصل وفروع فرضها التوسع الزمني ومقتضيات ما مَرَّ وما سيأتي .
انطلاقا مما ذُكِر لا شيء في هذا البلد متروك لغير تقويم إن كان مؤثرا في الوسط فتحت له جدادة تروي للمختصين بالتوقيت المنظم والأمكنة المحددة قصة بداية الحدث بالمحدث الفاعل وترعرع نشاطاته إن كانت موازية لما يفرض السماح لغاية حصول مستجد يعاكس الإبقاء على فتح ذات المجال . وحتى غير المؤثر يدخل في زاوية التابعين وتابعي التابعين عن بعد مقصود، يُرَاجَعُ في مناسبات خاصة تقيمها محطات ديمقراطية على شاكلة الديمقراطية الدولية ، لكنها مغربية لا يُفهم كنهها إلا المغاربة .
… ذات يوم تحملتُ مسؤولية المنسق الجهوي لنقابة وطنية تابعة لحزب محمود عرشان ، وقبل فاتح ماي وجه لنا والي فاس وكان ساعتها الدكتور الظريف دعوة الحضور لإجماع يرأسه يضم مسؤولي النقابات المعتمدين لدى الولاية ، وكان حميد شباط من بيننا أحْضَرَهُ رئيسه المرحوم “العَلْوِي” ، وتعجبتُ من الأسلوب الذي كان يخاطب به الوالي الظريف ممثلي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في فاس قياسا للخطاب الموجه لي الرامي لمعرفة الخطوط العريضة للخطاب الذي سألقيه باسم النقابة التي أمثل قمتها في جهة فاس / بولمان ، فتحول الاندهاش للوالي نفسه ، حينما خاطبته بالحرف الواحد :” ستتمكن من معرفة فحوى خطابي حينما أُلقيه غدا في الهواء الطلق وليس قبل هذا التوقيت إطلاقا” وحتى لا يتطور هذا الاجتماع لما يعكر الجو الاحتفالي الطبيعي الهادئ التي كانت الولاية المذكورة تسعى إليه رُفِعَت الجلسة ، ونحن نغادر القاعة رأيت الوالي يعانق حميد شباط عناقا فَهِمتُ منها لحظتها ما فَهِمت . في اليوم التالي وأنا اقود الاستعراض المنظم من نقابتي وفي مكان يقابل شرفة مكتب الوالي أخذت المكروفون وألقيت كلمتي التي فعلا تتبعها الوالي بالمباشر واستوجبت إسراع القوات الأمنية لتطوقنا وقد لاحظت أن المواطنين من غير النقابيين ينظمون إلينا بشكل مثير مرددين نفس الشعارات الموجهة نقدا لاذعا للوالي نفسه بسبب الوضعية المزرية التي كانت تعيشها فاس والنواحي ، ولو دقق الوالي المذكور في العبارات الواردة في خطابي وتدخل ببرنامج استعجالي إصلاحي بتنسيق مع رؤسائه في الداخلية لما وقعت الأحداث الرهيبة التي كادت فاس لتتحول لنار تلتهم الأخضر واليابس تلقي بشظاياها المحرقة لتصل مدنا أخرى منها تطوان والقصر الكبير، لكن تدخل الجيش بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني أنهى الفتنة ، ودخل السجن العشرات ،
… بعد مرور ثلاثة أيام على خطابي الشهير ذاك استدعاني محمود عرشان للقاء به في مكتب فريق الحزب بالبرلمان ، وهناك قال لي بالحرف الواحد : لقد اشتكى لي منك وزير الداخلية إدريس البصري ، ابلغه بما فهت به والي فاس ، أجل طلب مني وزير الداخلية إدريس البصري وهو بالمناسبة يعرفك جيدا، أن تخفف من لهجتك ، ونحن لا نريد الدخول في صراع مع “الداخلية” بسببك . فلم أجد، وبتلقائية مطلقة، إلا أن أَجَبْتُ محمود عرشان قائلا: حسبتك زعيما لحزب يدافع عن أطره القيادية، لكن تصرفك هذا يجعلني أقرر عدم الاستمرار في حزبك، فاعتبرني مستقيلا منه منذ هذه اللحظة، وإذا أرادني إدريس البصري فهو أدري بمكاني.
… عدت لفأس سائلا عن حميد شباط ومن لحظتها وأنا كصحفي مهتم بكل نشاطاته ، قادني منها لأتعرف على حقائق تلقي بظلالها على شخصية الرجل وخيوطا منها أظهرت لي كيف يُحْتَضن مواطن معين من طرف قوة خفية لها الجاه والنفوذ توجه متى شاءت وتتدخل حينما تريد لغرض أتضح لي بإبعاده الحقيقية مع مرور الزمن ولأعوام ليست بالقصيرة .
شعرت بالمرارة تصاحب حديث رئيس مصلحة الشرطة القضائية  سابق بفاس وهو يصارحني عن حميد شباط وما يجعله في منأى من مضامين محاضر منجزة في حقه كان من المفروض الامتثال بها أمام مسؤول معني ، واستغرب مقابلتي كلامه بضحكات أعبر بها أصدق تعبير عما يخالجني من سرور ليقيني أن ذاك الضابط الأمني المحترم لم يدرك أن الرجل يتهيأ لمواقف من مرحلة آتية حط رجليه على أول الطريق الكامنة في آخره باب ستفتح له ليلج عالما ينقله لمزيد من القوة والقيمة التمثيلية والثراء بلا حدود ، لم أبادل وذاك الموظف الأمني أية تكهنات في الموضوع ، بل فضلت الانسحاب وأنا واثق ممَّا تبادر لذهني ارتكازا على وقائع ملموسة تصادفني أحيانا كلما خططت مقالا لأحتفظ به ليوم أنشره ودوما عن حسن نية ، وكم من مناسبة أردتها أن تمر دون الإفصاح عما  توصلت إليه من معلومات تلقي الضوء على مظاهر تترك المعني بالأمر حيال اختيارات مُقامَة لأناس ، يٌريدُ مَنْ يُرِيدُ، أن تصل ليوم موعود، تتبوأ فيه الواجهة ، أكانت سياسية أو ثقافية . الأمر ما كان مقصورا على مدينة فاس ، بل تكرر الفاعل في مختلف المدن المغربية ، مثال ذلك رشيد ألطالبي العلمي في تطوان ، الذي بكثرة ما وقفت على مسيرته ضمن طموح أخبرني بأجزاء منه ، علمت أنه نسخة طبق الأصل لحميد شباط وإن اختلفا معا في أمور يرجع لخصوصيات كل مدينة على حدة ، بالإضافة لشخص آخر في مدينة القصر الكبير وافدا عليها من إقليم آخر أرادته جهة (أعرفها الآن جيدا)  أن تجعل منه بطلا يمحي تاريخ وأمجاد حفدة معركة وادي المخازن المجيدة وأعراف مدينة عريقة عُرِِفََت بالعلم والنقاء الإيماني والتصوف والتضحية المثالية من أجل رفع راية الإسلام عاليا والإخلاص للوطن والتشبث بالثوابت على مر الأزمان . هناك أمثلة كافية تجعل حميد شباط وسط قافلة ما كان للملاحظين المتتبعين عن كثب إلا اكتشاف ركوضها نحو هدف معين حالما يُرتَكب أحد أفرادها  خطأ جسيما كما ارتكبه حميد شباط يوم دفعه للحصول على قرار الانسحاب من حكومة دستور 2011 ، وقبله فعلها رشيد الطالبي العلمي ووسطهما ذاك الفارس المُسْتَبْدَلُ فرسه بحمار في أول ظهور علني فيه لسانه تعثر ليصبح رغم الثراء والنفوذ ، من طرف الذين يعرفونه جد منبوذ ، وتلك حالة خاصة سأعود لتفاصيلها بكل دقة في وقت أكون للاهتمام به أحق .
… المسألة وما فيها أن حميد شباط أراد استغلال ضحكة الدهر لطلعته السياسية الجد بهية كما تخيلها، مقرا بالنجاح في غمارها لأبعد حدود، مخططا لنفسه منهجا مستقلا قائما على التجارة وابتياع المستجدات الضامنة له التقدم أكثر فأكثر  بأي ثمن ، في ظروف هو وسطها  رغم جداويل أعمالها المختارة مواضيعها بعناية قصوى ، تائه بين اجتماعات رسمية  ساقته أحيانا لجلب غضب مسؤولين في حجم الوالي عرفة ، والي جهة فاس / بولمان  السابق، الذي أطلعني في إحدى لقاءاتي به ، وتحديدا يوم اعتصام تجار فاس الجديد – بو الخصيصات ، وفاس المدينة القديمة – الرصيف ، داخل مقر الولاية ، منددين ومستنكرين الحالة الأمنية المتدهورة في المكانين المذكورين ، تمخضت باستبدال والي الأمن بآخر . الولي عرفة رجل جدي تعرفت عليه حينما كان عاملا على إقليم الراشدية ، ولا زال له في ذاكرتي الوقع الحسن ، ومع ذلك لم تشفع له استقامته في وقف حميد شباط عند حده ، ليس لكونه نقابي معروف ولكن لما يحظي به من عناية مركزة لا أحد يعرف كنهها ولا راعيها . كم من مرة التقيت به ولم أبح له بأية ارتسامات قد تجر انتباهه لشيء ربما يجهله تمام الجهل ، في إحدى تلك اللقاءات التي ضرب لي فيها موعدا داخل فندق قريب من إدارة الجمارك الإقليمية بفاس ، كان السبب كتابا يتهيأ مؤلفه لطبعه ونشره وتوزيعه ، موضوعه يظهر العداء لشباط ويطلع الرأي العام بالوثائق على تجاوزات هذا المسؤول على رئاسة بلدية زواغة ، وحتى انهي المقابلة وانصرافي لما هو أهم اكدت له أن فكرة إصدار نفس الكتاب عُرِضت بالفعل علي ، ورغم الوثائق التي مدني بها المعني بالأمر وهو أحد أصدقاء شباط نفسه خلال مرحلة اقتسام المصالح وانفراد كل اسم بما حظي من غنيمة لا داعي للخوض في تفاصيلها الآن على الأقل ، ورغم المبلغ المالي المقدم لشخصي كأتعاب ، رفضت رفضا قاطعا ، لان العملية برمتها تتنافى وأخلاقياتي في الكتابة والتأليف ، وقلمي لا يُباع في سوق ولا خلف الستائر في منتجع .
قاطعني بأدب جم مجيبا:
– لا أشك كنت في أخلاقك وأنت تمارس هذه المهنة الصحفية ، الآن ازددتُ احتراما لك ، بالفعل وصلني ما سمعته الآونة منك بواسطة صديق مشترك لنا عضو في مجلس جماعة زواغة ، لكنني أريدك أن تكتب عن لقاء تم بين ممول الكتاب وكاتب يقال أنه من أصول صحراوية . لم يمهلني لأعلن موقفي من ذلك  بل مدني  بصورة يظهر فيها المؤلف المرتقب للكتاب ومن سماه شباط بالممول وبينهما ظهر الوسيط . وقال لي ألتُقطت هذه الصورة بايعاز مني دون انتباه أصحابها ، هذه نسخة منها أضعها بين يديك إن شئت إعداد مقال في الشأن ، رفضت ثانية اعتمادا على مبدئي الراسخ الذي طوقت به عنقي واجتهدت حتى ألتزم به شرفا مضافا لشيم العاملين في هذا الميدان الإعلامي النبيل ، صافحت حميد شباط بانطباع أنني لن أنفذ رغبته لأسباب أقربها لمبادئي كما قلت، أنني لا أكتب ما يُمْلى علي، بل ما تمليه علي نفسي ويقره ضميري. لا زلت أحتفظ بالصورة، لم انشر أي سطر عن الحادث. صدر الكتاب وقدم لي زميلي الأستاذ حميد العوني نسخة منه أودعتها مكتبتي الخاصة .
… كما لكل نهاية ما قبلها بقليل ، لها أيضا ما بعدها من مخلفات كالذكر حسنا كان أو العكس ، والأرضية صلبة تكون أم هشة ، والواقع بنِعْمَ موصوف أو بِئْسَ . مقارنة مع وضعية حميد شباط لن يكون ثمة تعقيد ، نحن الآن في شهر البركات والغفران رمضان  وبعد العيد السعيد ، قد تفاجؤه سلسلة من الإجراءات أصغرها من حيث الأهمية ما يشير أن انسحاب وزراء محسوبين على حزبه لم ولن يكون مؤثرا ، بل حدثا بدل العادي عابرا ، حتى الكلمات التي ارادها معاني ذات حضور وقيمة تاريخية أُفرغت لتعود غير ذلك تماما ، فالإستقالة ليست اسحابا ، الأخير مقرون بموقف مبدئي سياسي ظرفي أو قار ،أما الأولى فتدبير إداري له شروطه التي نرغب في تقليصها لتفسيرين اثنين ، الطرد الدبلوماسي المؤدب لحساسية المنصب ، أو عدم القدرة على تحمل المسؤولية ما نتج عنه الفشل .
وهكذا نرى ما استخلصناه، أن الاشتغال بالنقابة ليس نفسه العمل في الحقل السياسي ، النقابي لا يرتاح عادة للسياسي بالأحرى أن يثق به ، النقابي نضاله مباشر صريح ، أما السياسي محبذ لكل جو مريح ، يتهافت على الظهور لإلقاء أي تصريح ، به يُفْرِحُ في المواسم المعلومة حسب ظنه كل كادح ، والحقيقة در للرماد في عيون صاحبها بالوعود الفارغة جريح ..
… أن ترأس كلا المجالين ، وتتحكم بالمطلق في الأسلوبين المتناقضين ، لا يمكن أن يحصل إلا وطرف ثالث يهدف لدمج رؤى يحبذ هيمنتها على أخرى موجودة ، وهو نجاح منقطع النظير لكن يبقى مؤقتا يتم من خلاله التوغل في أدق جزئيات بقصد مزج البرامج النضالية المبينة الواضحة المعتمدة، بأخرى وليدة ظروف معينة . إلى هنا وكل وارد قابل للتفاوض مع المجال السياسي الحزبي المقيد بقانون تنظيمي وآخر فرعي داخلي ، خطوة ثالثة إلى الأمام فخط أحمر قياسا على حجم حميد شباط المكتوي الآن بخطإ الخروج عن المرسوم، ولا أحد في هذا البلد يحلو له الخروج عن النص . رتابة طلوع درجات السلم مطلوبة ، للتفكير بتريث وبطء ، إذ كلما اعتلى إنسان قمة جبل تعرض لضيق في الصدر وعسر في التنفس ، كصعوده من طابق مسموح له فيه التجوال كما شاء ، إلى آخر غير مطابق لمواصفاته ، فيشعر أن أيادي ممسكة جسده لتقذفه صوب الهاوية . هذا هو المغرب ، إن رضي عليك (لاعتبارات ليس المقام مقام توسع لاجترارها الواحدة تلو الأخرى شرحا وتفصيلا) مدك بجناحين تطير بهما حيث رغبت في فضاء مرسوم على مؤهلاتك ، أما إن غضب عليك لاحتكار دهائك في الوصول لما كان وسيكون ما عشت أكبر منك ، ستذوب اجتماعيا  بتلقائية غريبة أنت المسؤول عليها ، وعلى مراحل لتشعر بالأسى يسري في أحشائك ، والإحباط يدب في كل ما تحب ، فتغيب رويدا وبتؤدة عجيبة هادئة تماما نائيا عن الأنباء السارة قريبا مما يجلب لك العداء والحيرة ، وكان الله في عونك ساعتئذ ، وإن لله وإن إليه راجعون .

مصطفى منيغ