السعودية تنافس روسيا على لقب “العدو الأول” لأمريكا

رفض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الموعد النهائي الذي حدده الكونغرس للاعتراف بمسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. فهل تبدأ إجراءات عزل الرئيس الأمريكي؟

ترى هل هي ملاحظتي وحدي أن تقوم المملكة العربية السعودية يوميا بطعن الشعب الأمريكي في ظهره؟ هذا هو الانطباع الذي تتركه لدي قراءة الصحف الأمريكية والبريطانية في الأشهر الأخيرة، والتي تنشر يوميا بوتيرة متسارعة تفاصيل مخيفة حول “مؤامرات” و”خيانات” السعودية لأمريكا.

الأخوة السعوديون، دعوني أشارككم خبرتنا الروسية! فحينما تصبح “عدوا لأمريكا”، فإن كل من يدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية أو يأتمر بأمرها يبدؤون في تكرار تصرفات واشنطن، فينقضون جميعا على عدو أمريكا، في محاولة للحصول على رضا السيد. فحينما “تدخّلت” موسكو في الانتخابات الأمريكية، فإن دولا مختلفة، من فرنسا إلى أستراليا، وجدت فجأة “أيادي موسكو” تلعب في صناديق اقتراعهم، وبدأت صحف أمريكية وأوروبية، وحتى خليجية (حتى لا ننسى) في الكتابة عن الإجراءات الشريرة للكرملين.

الآن يحدث نفس الشيء للمملكة العربية السعودية، لتصبح المملكة فجأة عدوا للتقدم البشري، تضمر الشر وتتحيّن الظروف كي تهاجم الطيبين في جميع أنحاء العالم. فترى السعودية تساعد خلسة في هروب مواطنين سعوديين من الأراضي الأمريكية، تورطوا في جرائم قتل واغتصاب ضد مواطنين أمريكيين. وتجد أغنى رجل في العالم، جيف بيزوس، الذي نشرت الصحف الأمريكية صورا تبتزه، يظن هو الآخر أن السعودية ضالعة في عملية ابتزازه، أما قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فحدث ولا حرج، حيث تتابع الصحافة الأمريكية التلذذ بنشر تفاصيلها يوميا، وذلك بالتوازي مع تحقيقات الكونغرس الأمريكي بهذا الشأن.

كذلك نشرت وكالة سي إن إن تقريرا يستند إلى “تحقيق صحفي”، وجهت فيه أصابع الاتهام إلى الرياض لتسريبها أسلحة أمريكية إلى أيادي تنظيم القاعدة في اليمن، متجاهلة عمليات تهريب الأسلحة من دول حلف الناتو إلى سوريا من خلال المملكة العربية السعودية، وبدأت تحقيقات رسمية بهذا الشأن. ومنذ أيام أعلنت سي إن إن عن تحقيق جديد، يبحث في تلقّي ترامب تبرّعات غير قانونية من السعودية والإمارات وقطر، إلى جانب أمور أخرى.

إن تفسير كل هذا بسيط للغاية، فبعد فشل تحقيقات “رشاغيت” لسنوات في إثبات وجود أي تدخل لموسكو في الانتخابات الأمريكية أو أي مؤامرة مع ترامب، لم يعد هناك سبب مقنع لبدء إجراءات عزل الرئيس الأمريكي. فاتصالات الرئيس ومعظم السياسيين الأمريكيين بدول العالم واسعة، ولكن ليس بروسيا. فهناك علاقات مع إسرائيل، ومع بريطانيا، أو حتى مع أوكرانيا.. أو مع المملكة العربية السعودية. لكن كل هذا لا يمثّل سببا وجيها للعزل، حيث أن كل تلك الدول حليفة أو خاضعة، ولاتهام ترامب، لابد وأن تكون للرئيس اتصالات بالعدو.

وبعد فشل “رشاغيت”، يبدو أن الاختيار قد وقع للأسف على الرياض لتلعب هذا الدور، وليست الحملة الإعلامية التي نشاهدها سوى محاولة لإيجاد سبب وجيه وأساسي للشروع في إجراءات عزل الرئيس ترامب، الذي يضع الآن رأسه تحت المقصلة بمواجهته للكونغرس دفاعا عن السعودية في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وفي هذا الإطار لا تقوم التحقيقات الموجهة ضد السعودية بإعداد الرأي العام فحسب لإجراءات عزل الرئيس، وإنما توفر أيضا قاعدة قانونية لذلك.

أظن أن المملكة العربية السعودية قد حكمت على نفسها بالإعدام مرتين، المرة الأولى حينما وقعت مع دونالد ترامب عقود أسلحة بأكثر من 100 مليار دولار، لتصبح بذلك أحد رموز نجاح ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، والمرة الثانية حينما سمحت لنفسها بجرأة تبني سياسات مستقلة في قطاع النفط، حينما لعبت دورا هاما في اتفاقية أوبك+.

هناك أمر واحد لم يتضح لي بعد: هل يكون ضمّ الرياض إلى “محور الشر” بصفة دائمة إلى جانب روسيا وإيران (يا لسخرية القدر!) وكوريا الشمالية والصين وفنزويلا، أم ستكون الحملة الأمريكية موجّهة إلى محمد بن سلمان بشكل شخصي، لتعود العلاقات الدافئة بين أمريكا والسعودية إلى مجاريها بعد عزل الرئيس، دونالد ترامب، وبعد دفع الرياض تعويضات مناسبة للولايات المتحدة؟

أصدقكم القول أنني لم أكن لأصدق تطوّر الأحداث على هذا النحو منذ عامين فقط، فالسعودية حليف مخلص للولايات المتحدة الأمريكية، على أقل تقدير، ولكن بالنظر إلى الكيفية التي صنعت بها النخب الأمريكية من روسيا عدوا مشابها، وكيف كانت تلك النخب متأهبة لجميع الاحتمالات بهذا الصدد، حتى لو وصل الأمر لوضع العالم على حافة مواجهة بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم، لم تعد تلك السهولة في استعداد واشنطن للتضحية بعلاقاتها مع الرياض تدهشني. خاصة وأنني أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلئ ثقة بأنه من الممكن توجيه الضربات الموجعة للرياض طويلا، وسوف تعود الأمور لما كانت عليه بمجرد أن تصالحها بمعسول القول. أو أنها قادرة على تغيير القيادة في السعودية، ذلك أن ملك السعودية “لن يبقى في السلطة أسبوعين دون الدعم العسكري للولايات المتحدة”، على حد تعبير الرئيس الأمريكي.

على أية حال، فإنني أرحب بالأشقاء السعوديين في الانضمام رسميا إلى نادي أعداء الولايات المتحدة الأمريكية!

وكالات

عن موقع: فاس نيوز ميديا