بين الهاتف والإنسان أيهما المحول ؟؟

بين الهاتف والإنسان أيهما المحول
في غمرة الخصوصية والاحتكار،حضرت ذات يوم عرضا ممتعا لأحد الدعاة الوطنيين الكبار،استعمل فيه حاسوبه المحمول وعرض فيه شرائح تفاعلية قيمة،ونظرا لأهمية العرض رغب العديدون من الحاضرين في تحميله ونسخه إلى مفاتيحهم الخاصة( USB)،فما كان من السيد المحاضر إلا أن ترك للجميع حاسوبه ينسخ من  ملفاته ما يريد مما عرض ومما لم يعرض؟؟.أتساءل اليوم والشيء بالشيء يذكر،كم منا يستطيع أن يترك هاتفه المحمول في يد غيره من الأقرباء أو الغرباء؟؟،أكيد إلا القليل ممن رحم ربك،والسبب هو الخصوصية التي نتحرج من أن يطلع عليها الآخرون،على عكس محاضرنا الذي لم يضع في حاسوبه الخاص شيئا يتحرج منه إذا نسخه الآخرون،فلم يخشى عليه لا منهم ولا حتى مما قد يعطبه من “فيروسات” مفاتيحهم غير المفحوصة؟؟.
فعلا،لقد كان الهاتف ثابتا وأصبح اليوم محمولا،وفي ذلك تطوير له فريد لم يحظى به عبر الدهر إلا القليل من أمثاله كالساعة والحاسوب،وكذلك كان الإنسان ثابتا وأصبح اليوم وكأنه محمول،وفي ذلك تدهور له فظيع لم يحظى بمثله عبر التاريخ مخلوق؟؟،الإنسان المحمول هو الخفيف الوزن المهزوز السلوك،خاصة فيما يتعلق بتعامله الفوضوي واستهلاكه العشوائي لنعمة الهاتف إلى درجة قد تنقلب عنده نقمة ومرارة؟؟.نعم،هناك اختلالات متعددة في تعاملنا مع الهاتف وخاصة منه النقال: لماذا نشتريه أصلا؟،متى نشتريه و من أين؟،لما نحرص فيه على الباهض؟،فيما نستعمله؟،كيف نستعمله وبأية مرجعية فكرية وسلوكية؟،كم ننفق عليه من الأوقات والأعصاب قبل التعبئات والفاتورات؟،كم أغراضا علمية أو تعليمية و إدارية أو تجارية،وتواصلية أو ترفيهية يكون فيها ضروريا لقضائها؟؟،وكم أضرارا دينية أو اجتماعية و تجسسية تعليماتية أوصحية ومالية يكون هو السبب فيها؟؟،فمتى ستتحقق رغبتنا في  التغيير والإصلاح ونحن نرغب في تغيير كل العالم ولكن  لا نستطيع حتى تغيير سلوكنا في التعامل السلبي مع هذا الهاتف الذي اكتسح ولا يزال كل المجتمعات وأثر ولا يزال على كل الفئات؟؟.
وقد يتصور أحد منا  كل شيء عن نعمة الهاتف وتطور استعماله،حتى استعماله المفرط بعض الشيء  مثلا،وقد يتصور أيضا الكثير عن السلبيات المرتبطة باستعماله والتي أصبحت تطفو على السطح بشكل فظيع،ولكن لا أظنه سيتصور يوما أن يكون استعمال الهاتف بيننا مثل ما هو عليه اليوم عند العديدين من مختلف الفئات والطبقات،مجرد استهلاك عبثي جنوني لا معنى له ولا مبنى ولا أس ولا أساس،لن أتحدث عن الاستعمال الشيطاني وما يعرفه من المغامرات الإجرامية والاستدراجات الإباحية والدعايات المتطرفة الإرهابية خاصة بعدما تم ربطه بالصبيب الكوني المرتفع والسريع للأنترنيت،وبعدما  وضع له من الشاشات الملمسية العريضة والبرمجيات الخدماتية المجانية،ما سمي به هاتفا ذكيا وهو في بعض الأحيان وفي أيدي بعض بني الإنسان أغبى الأغبياء؟؟.طبعا ليس أحد منا هو الصانع فيحتج،وليس أحد منا للفاتورة هو الدافع فيمتنع،وليست كل أوجه السلبيات في هذا الهاتف تغطي أو تستطيع يوما أوجه الإيجابيات؟؟،ولكن بربكم فقط هل تستسيغون مثل هذا الذي نراه اليوم بأم أعيننا في حالات وحالات كل حالة تنسينا أختها،ولن أتحدث عن كل سلبيات ومطبات الهاتف التي ينبغي علاجها وإصلاحها ولكن سأكتفي اليوم ببعض الحالات المزعجة من حالات الإطالة المجانية والاستهلاكية المفرطة في المكالمات وما ورائها من عقليات مهينة في اعتقادي لأصحابها وهم الذين يظنون بممارستها ربما عكس ذلك:
1- حالة شاب سافر معنا على مثن حافلة عمومية من مدينة نائية إلى العاصمة،وقد تجاهل جاره في الحافلة وكل الركاب طول الطريق لا لشيء إلا بسبب هاتفه المحمول الذي كان يتحدث فيه طوال السفر،وعلى أزيد من 10 ساعات متواصلة دون انقطاع، حتى في محطات الاستراحة حيث ينشغل الناس بالأكل والشرب على عجل،فأكله وشربه كان في الهاتف وبه ومعه؟؟،لا أدري هل كان لديه اشتراك أو تعبئته أضعاف مضاعفة،ولكن يبدو أن لاشيء من هذا يهم أكثر من الحديث والحديث فقط؟؟؟.
2- وحالة ثانية لامرأة بيضت ليلتها وليلتنا مع أحد البرامج الإذاعية الليلية لتتحدث وعلى أزيد من 5 ساعات في مكبوتات القاع المجتمعي من الخيانة الزوجية والدعارة “الراقية” والسمسرة في الموضوع  خاصة ما يكون منها في بعض صالونات التجميل وبعض الإقامات المخملية المفروشة،وغير ذلك من الأشياء التي قد يسميها البعض إيجابية التنفيس عن أحاسيس الحب والعشق والهيام وعبرها،ولكن قد تكون مجرد الأنس بأحلام الليل والبحث عن الميل والمال ولو بين السمار من العشاق والضحايا مكنها إدمان الهاتف من ذلك؟؟.
3- و حالة أخرى لكاتبة في شركة خاصة مكلفة بالإدارة،ولكنها لا تفارق سماعة الهاتف أذنيها في كل حين قائمة أو قاعدة،وكأنها في مركز استماع نشيط مستمعاته لا ينزعن عنهن الخودات والسماعات،وكذلك تفعل كاتبتنا حتى وقت استقبال الزبناء والعاملين،بل إن من هؤلاء من تردهم بسبب مكالماتها الخاصة و تختلق لهم مبرر غياب أو اجتماع أو شيئا ما أي شيء، لا لشيء إلا ليخلو لها الجو مع هاتف الشركة الذي تستعمله دون شفقة ولا رحمة وإلى جهات وجهات أغلبها زملات وعائلات و لو على حساب القضايا والملفات الخاصة بالشركة المشغلة؟؟،
4- وأغرب الحالات التي أخبرت بها  بل وكنت ضحيتها بما حرمتني من الاتصال غير ما مرة، حالة تلميذات تحلن واجباتهن المنزلية في المواد المدرسية كلها بواسطة الهاتف المجاني”فوني”ليس مع زميلاتهن  في الفصل فقط بل مع زملائهن وأساتذتهن في الدعم والساعات الإضافية،ضاربات بذلك عرض الحائط  أولا بكل من حاول أو يحاول الاتصال بأسرهن عبر هواتف أسرهن المأسورة  وفي أسر مفتوح لا أحد غير شيطانهن يدرون متى سيتم الإفراج عن هذه الآلات الهاتفية من الآلات الكلامية؟؟.
وبهذا التصرف الاستهلاكي المفرط مثلا يستحيل على كل مذكرات المنع  للساعات الإضافية أن تمنع أحدا،وعلى كل  قوانين الزجر أن تزجر أحدا كذلك؟؟.وقد يقول قائل أن الأمر في كل الموضوع لا يعدو أن يكون مجرد  حرية الأشخاص وممارسة حقهم كما يتصورونه ويريدونه وهو شأن يخصهم ولا يخص غيرهم أبدا،وهنا من حقنا أن نتساءل نحن أيضا وأين مسؤليتهم هم اتجاه مجتمع يجمعهم بغيرهم في إطار ضوابط أخلاقية يأبى استهلاكهم المفرط مثل هذا إلا خرقها؟؟. فمتى سنكف عن العقلية والسلوك الاستهلاكي والاستهلاكي المفرط ،قبل أن يطلق بعض الأزواج ربما من منازلهم الزوجات،ويطرد بعض المدراء من مكاتبهم الكاتبات،ويفسخ بعض الآباء مع البريد بشأن هواتهم الماسورة العقد و الاشتراكات؟؟. وكيف لا يقدم الآباء على كذا خطوة وقد استباح العبث الهاتفي عقر الديار،فسرق الأبناء واجتاح الزوجات،وفرخ بين الجميع الشك في الخصوصيات وشبكة العلاقات وقطع بين الجميع أو يكاد فضيلة التواصل الأسري والتعاون والانتماء؟؟.
و يبقى السؤال في كل الموضوع: هل إلى هذا الحد كان الإنسان العربي مخنوقا مكتوم الأنفاس مهمشا و مقصيا بالأساس،واليوم قد تحرر بواسطة الهاتف وأصبح يمارس به وعبره حريته في التعبير ومشاركته في التغيير وديمقراطيته ومواطنته الخاصة ولو  عبر الأنانية والسفسطة والفضفضة والاستهلاك الجنوني..،والذي كثيرا ما تفلت من أي مرجعية سلوكية ومنظومة أخلاقية سليمة تضمن التعامل السليم والصحيح مع الهاتف وعلى رأسها:الداعي الحقيقي للاستعمال//التفكير والتخطيط القبلي للاتصال//التحية الطيبة عند الاتصال//الاختصار في المكالمة//الوقت المناسب للاتصال//الصوت المناسب للحديث دون صراخ//احترام المخاطب ومشاعره//احترام المشاهدين والمستمعين…؟؟،وكذلك من جهة أخرى ينبغي الابتعاد عن العبث والجنون//عن الغيبة والنميمة//عن التجسس والتباهي//عن التدخل فيما لا يعني//عن لغو الرسائل الممسوجة//عن النكت السخيفة القمئة//عن تصوير الفتيات في مخل الأوضاع//تتبع العورات//عن الغواية وفيديوهات الخلاعة والإباحية// العنف والتطرف والإرهاب// رنات غنائية لا زالت ترن عند بعض المصلين الذين كانوا يمعنون في لوحات التنبه على إطفاء الهواتف في المساجد،وحتى عند الإمام وهو الذي ما فتىء قبل الصلاة يقول:”استووا واعتدلوا وأطفؤوا هواتفكم يرحمكم الله”،لعن الله النسيان،فاستووا واعتدلوا واضبطوا هواتفكم يرحمكم الله، وليتذكَّر كل منا أنه عند استخدامنا للهاتف،فإن العقل الذي يفكر ويصوغ،والقلب الذي يشعر ويستسيغ،واللسان الذي ينطق ويتكلم،والأذن التي تُنصت وتسمع،واليد التي تكتب وتُرسل وتبرمج وتنجز،والعين التي تشاهد وتبصر: كلها مسؤولة عن ذلك مُستنطَقة وشاهدة لنا أو علينا، ولنتذكَّر دائمًا قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ النور/ 24، وقوله تعالى::﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ الإسراء/36؟؟.
الحبيب عكي

عن موقع : فاس نيوز ميديا