وصية الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه

بقلم الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، كتبها ليلة الأحد 25 ذي الحجة 1422
 
 مرمى وصيتي هذه وغايتها أن يقف عليها مومن وتقف عليها مومنة يسمعانها بصوتي مسجلة أو يقرآنها مسطورة فيترحمان على ثاوٍ في قبره أسير لذنبه راج عفو ربه. تلك أولى المقاصد. رحم الله عبداً لله وأمة دعا الله بقلب خاشع لمن انقطع عمله إلا من الثلاث المرجوة. عسى الله أن يلحقنا فضل دعائكم جزاكم الله خيرا.

والقصد الثاني أن يتذكر متذكر خلاصة ما إليه دعونا لما كنا من سكان أرض الدنيا عابرين إلى دار البقاء. وصية ليتذكر متذكر ويدعوَ داع فتلتئم أواصر الصلة ويتحقق التزاور في الله والتحاب في الله عبر الزمان. لا تحبس الصلة برازخ الموت.

أخرج الأئمة البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" .

ألا وإن لي أشياء أوصي بها من يسمع ويعقل، صدىً وترجيعا يبلغه الله عز وجل آذانا واعية وقلوبا صاغية. إن شاء ربنا الولي الحميد.

صدى ترجعه إن شاء الله أجيال العدل و الإحسان إلى يوم الدين، لتشهد يوم يقوم الأشهاد أن عبد السلام ياسين عبد مفتقر إلى عفو ربه مُقر بذنبه يشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد و لم يكن له كفؤا أحد. وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله دعوة صادعة وحجة على الخلق بالغة وخلافة على منهاج النبوة بعدُ يانعة رائعة.

ويشهد أن ملائكة الله خلق من خلق الله المطهرون، وأن ما أنزل الله من كتاب حق وصدق بلغنا منزها عن التحريف جزى الله عنا خير الجزاء صحابة رسول الله الذين حفظوا بحفظ الله وبلغوا بأمانة الله حتى وصلنا ما بين دفتي المصحف الشريف من كلام ربنا عز وجل.

ويشهد أن رسل الله عليهم الصلاة والسلام بلغوا رسالات ربهم حتى أتاهم اليقين، إمامهم وخاتمهم حبيب الله نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم شفيعنا عند الله يوم الفزع الأكبر يوم يقوم الناس لرب العالمين.

ويشهد أن القدر حق، لا تتحرك ذرة في الوجود إلا بإذن الحكيم الخبير سبحانه.

ويشهد أن البعث بعد الموت حق وأن الحشر حق وأن الميزان حق وأن الصراط حق وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها.

ثم أوصي من وقف على كلماتي هذه قراءة أو استماعا بما أوصى الله عز وجل الإنسان، وصى الله عز وجل خالق الإنسان بوالديه حسنا بما حملت الأم وأرضعت الأم وحنت الأم وبما كفلت وكفل الأب جنينا لا حول له ولا قوة ثم وليدا في المهد ودارجا في مراحل الحياة.

وصى الله عز وجل بالوالدين إحسانا وحسنا لاسيما عند الكبر في سن الضعف والحاجة والافتقار إلى اليد الحانية والقلب العاطف والمعاملة الجميلة الوفية المتحببة.

وأوصي بما أوصى الله عز وجل به عباده الصالحين رسلَه عليهم السلام نوحا ومحمدا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام من إقامة الدين والاجتماع على الدين كما نقرأ في سورة الشورى. والشورى في الأمر الخاص والعام والحكم دين من الدين. وما وصى الله به عز وجل رسله أحبابه وأصفياءه وصية لأممهم، نحن أمةَ الإسلام أحق أن نأتمر به بما نحن الأمةُ الوارثة الشاهدة على الناس.

وأوصي بما وصى الله به عباده المومنين من وصايا سورة الأنعام ليتميّز المومنون من المشركين وليعلم الله من ينصره ورسله ومن يخذل، وليجزي من أطاع ويخزي من كفر وعصى.

أربع وصايا لعلنا نعقل ونكون من المومنين الصالحين المصلحين الموحدين: أن لا نشرك بالله فلا نعبد أصنام الحس والخيال، وأن نحسن للوالدين، وأن لا نقتل أولادنا من إملاق، ومن القتل بل من أقساه أن نترك عوامل التضليل والفساد تغتالهم من بين أيدينا، وأن لا نقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فإننا إن اقتربنا طوعا وميلا أو استقلنا بين يدي طاغوت التهجين الثقافي والتدمير الأخلاقي فقد وقعنا في حمأة الفواحش، وأن لا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. وفي قتل إنسانية الإنسان وإقناعه أنه مجرد حيوان متطور لا معنى لوجوده ولا لحياته إلا الرّتْع واللهو والعبث أشدَّ صور قتل النفس التي حرم الله فتكا بالإنسان ونفس الإنسان وحقوق الإنسان.

وأوصي بالوصايا الأربع التالية من سورة الأنعام مذكّرا بما ذكر الله عز وجل به من يريد أن يتذكر ويشكر: أن لا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وأن نوفي الكيل والميزان بالقسط، وأن نعدل ولا نحابي في الحق، وأن نفي بعهد الله. كل ذلك مفهوما في إطلاقه في الخُلق الفردي والتدين الخاص، مفهوما في تقيُّده بضوابط العمل الجماعي السياسي.

وأوصي بأم الوصايا الإلهية في سورة الأنعام، تلك التي وردت في آية منفردة موجهة لنا معشر المومنين لعلنا نكون من المتقين. وتلك هي اتباع الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض الذي إليه تصير الأمور ونصير بعد الموت. تُحذّرنا الوصية الأم من اتباع السبل التي تبعدنا عن الجادة وتفرقنا وتتفرق بنا عن سبيل الله.

وأوصي بما أوصى أبونا إبراهيم عليه السلام الذي أُمِرنا أن نتبع ملته: أوصى بنيه أن لا يحيدوا عن الدين الذي اصطفاه الله عز وجل لهم وأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون، وبمثل وصية الجد الرسول أوصى الحفيد يعقوب عليهما السلام وعلى نبينا وعلى جميع أنبياء الله والصالحين من عباد الله أزكى السلام. وتلك الحنفية السمحة مجددة مبيَّنَةً معطرةً مكمَّلة برسالة سيد ولد آدم مولانا محمد بن عبد الله عليه صلاة الله وسلام الله.

فأوصي بما أوصى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع آخر عهده بهذه الدنيا الفانية عاهدا إلى صحابته الكرام وأهل بيته العظام وأمته من بعده إلى يوم الدين أن لا نرجع بعده كفارا يضرب بعضنا رقاب بعض، وأن نحذر المسيح الدجال، وأن نمسك عن دماء المسلمين وأموالهم إذ هي علينا حرام، وأن نصون أعراض المسلمين. وصى بذلك بأبي هو وأمي وأشهَدَ على وصيته الله عز وجل والسامعين. ونحن بُلِّغنا الوصية وأُنْذِرنا ووُعظنا، فما منا إلا سامع، أطاع عبد أو عصى، سمعتْ مسلمة أو لم تسمع.

وأوصي بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت: الصلاة وما ملكت أيماننا. الصلاة الصلاة، وما تملك أيماننا لا نتعدى فيه شرع الله ووصية رسوله. مِلك اليمين كان نظاما يوم كان الشرك يقابله الإيمان بعتاد متكافئ، مع أهل الإيمان رسالة الله يبلغونها بالدعوة تُدافعُ عن حوزتها القوة. في زماننا وما بعده يبقى حمل الدعوة وتبليغها للعالم رسالة مطوقة بها أعناقُنا. ولكل زمان نظام في الحرب والسلم. نجاهد عن ديننا ونملك القوة ليكون ليميننا معنى في الوجود، وقيام بالموجود.

وأوصي بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سياق الموت آخر عهده بالدنيا. وصى بالنساء خيرا وأمرنا أن نستوصي بهم خيرا. لاسيما الأزواج والبنات. أكَّد في وصيته الأخيرة ما كان علَّمه من أن خيارنا خيرُنا لأهله. ضاربا لنا المثل بإحسانه لأهله سيداتنا أمهات المومنين رضي الله عنهن.

وأوصي بالصلاة، إقامتها في المسجد والجماعة مع التحري الجميل في الطهارة اتباعا منتبها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحركات والسّكنات والمواقيت والكيفيات.

الصلاة! الصلاة! الصلاة! عمود الدين وعماده.

فسطاط الدين وأوتاده.

إقامة الصلاة دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام لنفسه ولذريَّته: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا، وتقبل دعاء .

وأوصي من يسمع ويعقل بالإنصات والتحفز والتوفز لطاعة الأمر العلي كلما صدح داعي الله وصدع: يا أيها الذين آمنوا، طاعةَ فعل واصطبار، أو كف وازدجار.

وأوصي كل ذي همة يقظة أن لا يكون له من دون وجه الله مطلب يحجبه عن الله. طلب الثواب والأجر والجنة شرع من الشرع. وإرادة وجه الله، والسعي إلى مرضاة الله بما يرضي الله ويقربنا من الله مرمى الهمم العالية. بشرط العمل الدائب والنية المتجددة.

وأوصي أن العدل قرين الإحسان في كتاب ربنا وفي اسم جماعتنا، فلا يُلهنا الجهاد المتواصل لإقامة دولة العدل في أمتنا عن الجهاد الحثيث لِبلوغ مراتب الإحسان. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراهُ، ولا مدخل لك في هذا المضمار إلا بصحبة تفتح أمامك المغالق وتحدو بركبك إلى عالم النور والرقائق.

لذا أوصي بالصحبة والجماعة، بالصحبة في الجماعة. كان من قبلنَا يتفرد منهم الطالب الراغب السائر تأخذ بيده يدُ فرد نوَّر الله قلبه. ولمستقبل دعوتنا نرجو من الله نور السماوات والأرض أن ُيفيض رحمته على أفراد أوليائه وأن يلهمهم التعاون على البر والتقوى، برِّ هداية الخلق بصحبة تُؤلف القلوب، لا يضيرها أن كان حُبُّ زيد لعمرو أرجح من حبه لخالد. الرجاء من الملك الوهاب أن تكون الصحبة والجماعة متلازمتين تلازم العدل والإحسان، لا تطغ جذبة سابح في النور على شريعة واتمروا بينكم بالمعروف .

أوصي أن يدعوَ أحبابي إخواني ربنا عز وجل أن يمسك وحدة الصحبة والجماعة كما يمسك السماوات والأرض أن تزولا.

وأوصي بذكر الله في الملإ والخلاء. وأوصي بالذكر كما هي مفصلة آحاده في خصلة "الذكر".

وأوصي بالصدق مع الصادقين صبرا ومصابرة وحملا وتحملا. فما الكينونة الصابرة مع الصادقين بالأمر الهين. طاش ما عاش من زعم أنه صادق ثم عثَر أول ما برز أمامه نتوءات العقبة.

أوصي بما أوصى الله عز وجل وجل به الإنسان من اقتحام العقبة. وإلا فالسهول الواطئة مرتَعٌ لغيرنا.

أوصي بالبذل والصدقة والحرص الدقيق على أداء الزكاة وتصريف الزكاة وتوظيف الزكاة في مستحقات الزكاة. فريضةً من الله تعالى على كل فرض له من المال والمتاع نصاب، نظاما لسد ثغرات الفاقة والحاجة في دولة العدل.

أوصي بطلب العلم، العلم الضامنَ سَعادَة آخرةِ كل فرد فرد، والعلوم الكونية الضامنة قوة الأمة، تبنيها قبل السواعد القوية والأموال الرشيدة عقول منّظِمةٌ صانعة مخترعة.

أوصي بالعمل الصالح، انطلاقا من صلاح المومن والمومنة في عبادتهما وتقربهما إلى الله زلفى بالفرض والنفل، وتوجها بالجُهد العامل البعيد النظر الصابر على مشاق الطريق لجمع شتات الأمة وبناء وحدتها لَبِنة لبنةً حتى يرتفع صرح الخلافة على منهاج النبوة التي بِهَا وَعَدَنا من لا ينطق عن الهوى مبشرا بغَد الإسلام الذي لا ريب فيه كما هي الساعة والبعث والنشر والحشر والجنة والنار حقائق لا ريب فيها.

أوصي بسمت الإسلام، السمت الجميل في خُلق المومن والمومنة ومظهرهما ومخبرهما. نتميز شامة بين الناس عن ضوضاء الناس وتشعث أخلاق الناس وأفكار الناس، وحديث الناس وإعلام الناس ولهو الناس وعبث الناس. نعوذ بالله من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

وأوصي بالتؤدة رائدا حكيما، وبالاقتصاد توجها سليما، وبالجهاد في سبيل الله جهاد القوي الذي لا يعنُف، الرفيق الذي لا يضعُف.

وأوصي بالتؤدة والاقتصاد والجهاد في عالم يمور بأصناف البلاء الإلهي، بلاءٍ يمحص الله عز وجل به الأمة أفرادا ًوجماعة. ويُحق الله الحق متى شاء كيف شاء، وينصر من شاء كيف شاء متى شاء.

وتحت ميزاب القدر نتوسد الصبر كما يعبر المولى عبد القادر الجيلاني قدس الله سره.

هنا آخر ما يسر الله من وصية كُتِبت ليلة الأحد 25 ذي الحجة 1422 الساعة الثالثة والنصف تقريبا من ساعة الفضل والإجابة ساعة الثلث الخير من الليل حين يتجلى ربنا عز وجل بالعطاء السمح الجزيل. فإلى دعاء الرابطة وهدية الرابطة. أوصي بدعاء الرابطة لا يُبَطِّئْنا عنه مبطئ ولا يشغلنا عنه شاغل. ولا تنسونا من دعائكم أحسن الله إليكم واستودع الله إيمانكم وخواتم أعمالكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل على سيدنا محمد النبيء وأزواجه أمهات المومنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم أشغف قلوبنا حبك وحب رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وحبَّ أصفيائك من رسلك وأنبيائك وخاصة أوليائك وعامتهم لا سيما الصحابة الكرم الذين جاهدوا وصبروا وهاجروا ونصروا. لاسيما آل البيت المطهرين صفوة خلق الله في الآخرين. والحمد لله رب العالمين.

يلي هذا وصية منظومة رتبتها هذه الأيام يُخاطب نظمها من جانِبٍ نفسيٍّ لا تنفذ إليه الكلمات المنثورة.

نصحتك حِبي أخي في حياتي
وهذي الوصية من مرمسي
بُنيّة روحيَ أخت الجهاد
إليكِ كساء من السندس
إليكم عُصارةَ عُمر مضى
تصرم في النُّجح والمبأس
إليكم وصيةَ من قد ثوى
دجى القبر شخص له ونُسي
ويبقى إله الورى شاهدا
رقيبا على من عَرِي أو كُسي
ألا هل أتاكم صِحابي، ألاَ
أمن ذاكر منكمُ ونَسي؟
حديثُ السباق إلى مقعدٍ
قريب من الله في القُدُس
فإنك إن لم تَجد مَرْفِقا
وخلا قريبا من المقْبِس
تعُد مُهجٌ حائراتٌ
ببعض المِراءِ وبالأبْخَس
تُفضِّلُ يا صاحبي لَفحةً
من الهجر أو نفحة المؤنِس؟
وأينَ تَباب إذا حشرجت
ولما تنل حضرة الأُنس!
ولما تفُزْ بمقام الرجال
ومُت وقلبك في حِنْدِس
وجيءَ بزيد إلى القبر وعمرو ودعْدٍ
وسائر من مرّ من أجْنُس
وجئت إلى القبر في ظُلمة
إلى ظلمة الضّيق والمحبِسِ
وفي ساحة الحشر يا حسرتا
على صفقةٍ صَفقَةِ المفلس!
وقيل هلموا كتابكم
إلى السعد أنتم أو المتعس
مضى العُمر في غفلة، ما زكت
نُفيسة زيد ولم تأتَس
شَرى الغِرُّ لهو الحياة الشهيّة
بالثمن الأنفس
وتلك الغريرةُ ما قدّمت
من الزهو في حُلل الملبَس
وما أنفقت في حليِّ الفخار
وفي جوهر الدُّمْلُج الألمسي
شباب مضى بغضارته
وذا خَشبُ الشَّيب في يَبس
كأن غصونَكِ ما أينعت
وماءُ شبابك لَم يبْجُس
فلِلبان حيّتْه ريح الصبا
تمايُل من بات في عُرُسِ
وبانُك يا زهرة ذبُلت
كأنْ غصنه قطُّ لم يَمِسِ
بلون الرماد اكتتسى خدّ من
بلون الوُريدة كان كُسي
وللأعين النُّجل يوما مضى
بريق حكى ومْضة النرجِس
وها هي ذي في مساءِ الحياة
تَكَدَّرُ تقتُم في غلس
تشمط شعرك يا جدتي
فأبديه إن شئت أو فادسُسي
فبالأمس كانت ظفائركم
تخضَّب من ظلمة الحِنْدِسِ
علاها ذَرورُ المشيب فأمْست
ثُغاماً على بَسْبَس
فيا أُخت لا تفزعي أن أتَى
نذير الرحيلِ من المحبِسِ
إلى جنة الخُلد فاسعي كما
سعى المومنات ولا تُبْلِسِي
ألاَ فامتطي همة الصالحات
طموحا إلى المقعد الأقدس
ألاَ فاشْمخي في الذُّرى العاليات
ولا تستكيني ولا تخنسي
وأنتَ، أخي يا سَليل الأباة
إلى النور فابْرُز من العسعس
وقم فادع لله لا ينثني
بك العزْمُ نِكسا من النُّكَّس
تطهَّر، أُخَيَّ، فمالك من
ثَواءٍ مع الرُّجَّس النُّجَّس
وأقْبل على الله في معشر
لِباسهُم الطّهرُ لم يَدنَس
مع المحسنين اتخذ صحبةً
وأحسِن برفقتهم، ولا تُسِي
فهم، إن تقفّيت خطوهمُ
دليلُك للمطلب الأقدس
إلى الله تسعى رِكابهمُ
فحِبَّهمُ تَنْجُ لا تُبْلسِ
تفُز معهم برضاء الإله
ومن نور قلبهم تقْبِسِ
من الذكر زادك في مجلس
بصفْو شرابهِمُ تحتسي
وتنعم في وارف من ظلال
الملائك حفّتك في المجلس
إذا ضجَّ قوم بشتى الفِجاج
وغذاهم هَوَسُ المُهْوس
فَخِفَّ إلى حيث تنفح من
طمأنينة النفَس الأنْفس
عبير المصلين والذاكرين
وطيبُ المساجد والأحْلُسِ
مع الباذلين تمد يد
العون للبائس الأباس
مع العالمين تثير اجتهادا
وأنتِ مع العالمين ادرسي
مع العاملين تشمر جهدك
لاتبتَئِسْ قطُّ لا تيأس
مع العاملات تكونين
قدوة خير بِك الجَفْلَى تأتسي
وسمتَك طَهِّر من القِرْديَّات
ومن عبث الماجن المفلس
ويا أختُ إن حجاب الحياء
ألبسك الله لا تَبْأسِي
ولا تغوينّكِ زينة من
غدتْ مضغة في لُها الأضْرُس
فإن الأفاعي ذات السموم
مزركشة رطبة الملمس
مع الصابرين اتئدْ واتَّزِن
ولا تَكُ مِروحة النُّعَّس
فحلم المجاهد إن لم يكن
مع الحزم في قرَن يُبْخس
تيمَّم سبيلَ النبي وجدِّدْ
صُوَى الأَرْسُم الدُّرُسِ
وبالصحب والسلف الصالحين
اقتدِهْ دائما وقِسِ
فهو قُدوتي في الحياة وهم
لي نصير وهو تُرُسي
وكن في الجهاد الرفيقَ الحكيمَ
تلطَّف رحيما ولا تعكسِ
مع المسلمين رحيما فكن
وصِلْ بالوَرى ليّنَ الأَمرُس
وقولَ الحقائق فاصدع به
وبالمنطق الكيِّس الأسلس
وكالليث كم إن بغاك العِدا
خنُوع منكّسة الأرؤُس
جهاد متنًى شديد المِراسِ
كما للفتى القُدْمُس
وآخر تدعو به الناس مِن
جهالة جَهل ردٍ مُطمَسِ
إلى النور تدعو وتهدي
الأناستتي من سُدَف العسعس
تقرب إلى الله في فرضه
وبالنفل أقبِل ولا تيأسِ
إلى الخُلد أبْرِزتَ من عدم
لتبلى بدار دُنى الهوس
فلا تك في مرية من لقا
إلهك في نُزُلٍ مؤنِس
تأهب ليومك في معرضٍ
به تُجتلى كتُب الأَنفُس
فهذي عروس تُزَف إلى
جنان الخلود وهذي تُسِي
فتحشَر في قَرن واحد
مع الجاحدين، مع النُّجَس
وتلك ارتقت عقبات الكمال
تميس هناك مع المُيَّس
وفي مقعد الصدق ذاك ارتقى
وفَى بالأمانة لم يخِسِ
صلاتك ربِّ على المصطفى
من الجوهر الأبرك الأنفس
على الآل والصحب أُسد الحمى
سلام جماعتنا الأحمسي