حديقة الحيوانات بالرباط والسياحة الداخلية

 

كثيرا ما يوجه اللوم للمغاربة واتهامهم بعدم الإقبال على المنتوج المغربي  ، وكثيرا ما وضعت الدولة  المغربية السياحة الداخلية  خارج أهدافها.. لكن زيارة حديقة الحيوانات بالرباط  خلال عطلة نهاية الطور الدراسي الأول جعلتني أعيد النظر في  هكذا أحكام مسبقة ، فعلى الرغم من كون  الزيارة كانت يوم الاثنين الذي هو يوم عمل ويوم بداية الأسبوع فإن زوار هذه الحديقة كانوا بالآلاف  من مختلف مناطق المغرب منهم الأفراد والعائلات و الرحلات الدراسية مع غياب تام للأجانب لدرجة أن شبابيك  تذاكر الدخول عرفت ازدحاما يذكرنا بذلك الذي نشهده على شبابيك مباريات كرة القدم ، ولدرجة أن المطاعم داخل الحديقة – رغم غلائها- عجزت عن تلبية طلب أغلب الزائرين إذ نفذ ما كان لديها من مؤن بعد  منصف النهار مباشرة . مما يؤكد أن الرهان الذي ينبغي أن تعول عليه الدولة هو رهان السياحة الداخلية التي لا تتأثر بمزاج التقلبات العالمية والارتهان بالآخر الذي يكفي أن تنفجر قنبلة في مشارق الأرض ليعزف عن زيارة مغاربها ويترك فنادقها مهجورة .. وأن المغاربة وإن كان مدخولهم ضعيفا فإنهم قادرون على جعل السياحة الداخلية قاطرة تنموية في إطار تضامن وطني إذا وجدوا الفضاءات التي تستقبلهم وتصون كرامتهم 

ما أن يقترب الزائر من فضاء الحديقة حتى يشعر بخصوصية المكان : إنجاز فيه إبداع و مجهود كبيرين وتصميم فيه فكر خلاق     و رؤية استراتيجية  : أمام الحديقة يقف تمثال ضخم لأسد  الأطلس ولا يمكن لأي زائر ولوج الحديقة دون إلقاء نظرة على هذا الأسد  الواقف في شموخ والتأمل في ذلك الحيوان الذي اتخذه المغاربة رمزا لهم والوقوف احتراما لعبقرية الأنامل التي نحثثه  مما جعله  أول  محجّ  يقصده الزوار كبارا وصغارا لأخذ صور للذكرى … ويبقى أسد الأطلس  يحضى بنفس الاهتمام حتى داخل الحديقة  فهو ملك حديقة الحيوان الذي يحظى  بإعجاب معظم الزوار دون منازع . فما أن تطأ قدماك فضاء الحديقة حتى تلتقط آذانك استفسار وتساؤل عدد من الزوار عن مكان وجود الأسد ، وما أن تقترب من فضاء الأسد  حتى تجد تجمهرا كبيرا وإقبالا على التقاط الصور في جو تكسوه عبارات السخرية والتهكم من أولئك الذين شوهوا سمعة هذا الرمز في الأدغال الإفريقية…

تتضمن الحديقة فضاءات جديدة لم تكن في الحديقة القديمة كالمطاعم والمقاهي  والممرات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة  وأماكن الاستراحة ومواقف السيارات ، والاستغلال جيد  للخشب سواء في الممرات و الحواجز اليافطات وعلامات التشوير وأماكن الاستراحة للزوار … 

وبهدف  خلق فضاء شبيه  بالفضاء الطبيعي الذي تعيش فيه الحيوانات  تم بناء كهوف و مغاور بطريقة هندسية رائعة  تجعل الزائر يرى الحيوانات بعيدة عن الأقفاص  ومخالفة للطريقة التي كانت تعرض بها في  الحديقة القديمة مع  توفير بطاقة تقنية عن كل حيوان تحدد اسمه وأماكن تواجده ومتوسط عمره ووزنه .. إلا أن الحديقة الجديدة لا زالت عارية من الأشجار مما يجعل الزوار يضجرون من أشعة الشمس اللافحة في شهر فبراير. والسؤال هو أين يحتمي الزوار والحيوانات  في فصل الصيف  عندما تصل الحرارة أقصاها ويكون على الزائر قضاء وقت طويل لاستكشاف معالم الحديقة ؟ مع العلم  أن الشجيرات الصغيرة المغروسة ونظام السقي بالتنقيط  (goutte a goutte ) سيتطلب سنوات لتصبح الممرات ظليلة  وفي انتظار ذلك فما على الزوار إلا تحمل أشعة الشمس …

وعلى الرغم من كون الحديقة تمتد على مساحة خمس هكتارات وتقدم  ما يربو ألف حيوان من مائة نوع من الحيوانات  موزعة على خمس فضاءات هي: 

فضاء جبال الأطلس 

 فضاء الصحراء 

 فضاء الغابة الاستوائية (السافانا)

  وفضاء المناطق الرطبة 

وفضاء المستنقعات 

 بالإضافة قرية الزوار  وفضاء الضيعة التعليمة .. فإن الزائر يتساءل أين ذهب ذلك  الكم الهائل من الحيوانات التي كانت في الحديقة القديمة التي كانت تتضمن عدة أنواع من القرود والفهود والببغاوات والكنغر والأفاعي .والثور الأمريكي الأبيض وفرس النهر .. وغيرها من الحيوانات التي لا أثر لها في الحديقة الجديدة ، إضافة إلى الاقتصار على عرض حيوان وحيد أو اثنين من كل نوع ، وأحيانا كثيرة يجد  الزائر صعوبة في رؤية الحيوان المعروض إذا كان ومختبئا فكثير من زوار ذلك اليوم لم يروا الفهد وأفعى الكوبرا  والتمساح وغيرهما من الحيوانات التي كانت مختبئة عن الأنظار     ،مما يخيب أفق انظار الزائر الذي كان يتطلع لرؤية أكبر قدر ممكن من أنواع الحيوانات… لذلك يبدو أسئلة  مثل ما مصير حيوانات الحديقة القديمة ؟؟  ولماذا تم إقصاء حيوانات أماكن أخرى كأمريكا وكندا وأوروبا واستراليا وغيرها من الأماكن التي تزخر بحيوانات يحبذ الزائر المغربي رؤيتها  ؟؟؟ أسئلة شرعية  فباستثناء اللاما  يسجل غيابا تاما لحيوانات هذه القارات والمناطق 

وعلى العموم تبقى حديقة الحيوانات بالرباط  متنفسا جديدا يضاف إلى بنية المغربية السياحية والقادرة على جلب آلاف الزوار من داخل المغرب وخارجه  وبالتالي المساهمة إيجابا في الاقتصاد الوطني  وتنمية الذوق والثقافة والإحساس بالبيئة لدى الناشئة خاصة  وأنها موجودة قرب المركب الرياضي لمدينة الرباط   وضمن الحزام الأخضر للمدينة  مما جعلها تساهم في تأثيث الفضاء الإيكولوجي للعاصمة 

ذ. الكبير الداديسي