نقاشات حادة بين المكونات السياسية و النقابية بالبرلمان اثر مناقشة مشروع مالية 2014

أثار مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2014، الذي قدمه وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، أمام البرلمان، أخيرًا، نقاشات حادة بين كل المكونات السياسية والنقابية وحتى داخل الأغلبية، بسبب تضمنه مجموعة من الإجراءات الضريبية، إلى جانب افتقاده القوة السياسية القادرة على إخراج الاقتصاد من أزمته.
مشروع بسياسة مهلهلة
جاء الإعداد لمشروع قانون المالية لسنة 2014 في ظرفية صعبة مرت بها الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، إثر انسحاب حزب الاستقلال (محافظ) من الأغلبية ودخول عبد الإله بنكيران في مفاوضات ماراطونية قدم خلالها تنازلات كبيرة لإخراج الحكومة في نسختها الثانية من أزمتها.
ويبدو أن هذا “الارتباك” الذي عرفه المشهد السياسي، بالإضافة إلى تفجر نقاش صاخب حول دستورية تنصيب النسخة الثانية من حكومة عبد الاله بنكيران، دون التقدم للحصول على الثقة البرلمانية، باعتبار أن النسخة الثانية تختلف من حيث مكوناتها السياسية وهيكلتها ووزرائها عن النسخة الأولى، أثر على الإعداد على المشروع، الذي كرس “عجز” الحكومة على “إطلاق أوراش إصلاح النظام الضريبي، وأنظمة التقاعد، والمقاصة”، حسب الأحزاب المعارضة.
تداعيات ترميم الحكومة
يقول المحلّل السياسي عبد الفتاح الفاتحي إن “هشاشة ترميم حكومة عبد الإله بنكيران كان من الطبيعي جداً أن تنعكس على مشروع قانون المالية، الذي يأتي في لحظة ارتباك أغلبية رئيس الحكومة، وتزايد بواعث التفكك من خلال اختلاف المكونات الأغلبية حول نجاعة مشروع المالية، ونقصد بذلك موقف حزب التقدم والاشتراكية قبل الأحزاب المعارضة”.
وأبرز الفانحي أن “مشروع المالية الجديد ينطلق بأغلبية مهلهلة تعوزها القدرة السياسية للدفاع عنه، بعدما لم يتسنَ تنصيبها دستوريًا عبر حصولها على ثقة البرلمان، فضلاً عن المصادقة البرلمانية على برنامجها الحكومي المعدل، بعد تعديل أنقذ به رئيس الحكومة أغلبيته حين عوض حزبًا -(حزب الاستقلال)- بآخر -(حزب التجمع الوطني للأحرار)-، فإنه يزيد من أزمة الثقة في مشروعية الأداء الحكومي”.
وذكر عبد الفتاح الفاتحي في تصريح لـ “إيلاف”، أن مشروع المالية جاء بمضامين تقشفية، وهو ما يضع الحكومة أمام امتحان عسير يُهدد استمراريتها بضغط الشارع والقوى المعارضة، وكذلك بتزايد الشرخ في موقف مكوناتها لأنه في النهاية لا أحد بإمكانه التضحية بمستقبله السياسي إلى أن يكمل بنكيران ولايته الانتخابية، وقد بدأت طبول الحرب قوية بالاتفاق المرجعي الذي وقع بين حزبي الاستقلال والاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية على أرضية معارضة مؤثرة للمشاريع الحكومية.
الاستقرار الاجتماعي
أوضح المحلل السياسي الفاتحي أن مشروع المالية الجديد يضحي بالاستقرار الاجتماعي حينما يبني رؤيته للتدبير بناء على الأزمة الاقتصادية والمالية وارتفاع المواد الطاقية، مما يقلص من حجم الاستثمارات العمومية، في حين يتم إغراق ميزانية الدولة بكلفة ارتفاع المديونية الخارجية، لاسيما حين يقر مشروع قانون المالية لسنة 2014 اعتزام الحكومة اقتراض ما يزيد عن 64 مليار درهم، 40 مليار درهم من السوق الداخلي و24 مليار درهم من الخارج، وهو ما سيجعل المديونية العمومية للبلاد تقفز إلى مستويات خطيرة.
انتقادات من داخل التحالف
لم تقتصر الانتقادات الموجهة لمشروع قانون المالية لسنة 2014 على الأحزاب المعارضة، بل ارتفعت أصوات من داخل الأغلبية تؤكد عدم موافقتها على بعض المضامين الواردة في المشروع.
فعضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية (أحد أحزاب الأغلبية) محمد كرين، قال خلال ندوة نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل الثلاثاء الماضي في الرباط، إن مشروع قانون المالية لسنة 2014 “يتضمن أشياء لا يجب أن تمر”، مؤكدًا تضافر الجهود “للحيلولة دون مرور بعض مضامين المشروع، لكونها تمس بالاستقرار الاجتماعي”.
واتصلت “إيلاف” برشيد روكبان، رئيس فريق التقدم الديموقراطي وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، الذي ضرب لنا موعدًا في مناسبتين، غير أنه قرر في ما بعد عدم الرد على اتصالاتنا.
مشروع موازنة تقليدي
من جهته، أكد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن المشروع المعروض حاليًا على أنظار البرلمان المغربي يفتقد إلى القوة السياسية والنظرة المستقبلية للخروج من الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أنه “ما زال يعتمد على نموذج الموازنة التقليدية المتجاوز منذ سنوات من قبل معظم الدول الغربية”.
وأضاف علي لطفي، في تصريح لـ”إيلاف” أنّ “المشروع يفتقر لنظرة حول ما هو المشروع المجتمعي الذي نريده من خلال تنفيذ المقتضيات المتعلقة بالقانون المالي لسنة 2014″، مؤكداً أنّ “الرؤية والتصور الملموس والأولويات الاجتماعية التي تؤدي بنا لهدف العدالة الاجتماعية وتوزيع ثمرات النمو، تغيب عنه”.
وقال القيادي النقابي: “قانون المالية لسنة 2014 سيدبر أزمة العجز الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من خلال الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة، والتي ستهم مجموعة من المواد الواسعة الاستهلاك من 10 إلى 20 في المئة. كما أن القرار الخطير جدًا هو عدم الزيادة في الأجور، وتوقيف العمل بالترقية الداخلية”.
مشروع بطموحات متعددة
يتوخى مشروع قانون المالية لسنة 2014 تقليص عجز الميزانية إلى 4.9 في المئة من الناتج الداخلي الخام، إلى جانب تحسين المداخيل وشروط توازن الميزانية، كما يركز هذا المشروع على التوازنات الخارجية خاصة من خلال الرفع من حجم الصادرات، والتحكم في تدفق الواردات، وتعبئة احتياطي العملة وتحفيز النمو ودعم الاستثمار وغيرها.
ويرى المدافعون عن المشروع أنه يمثل إطاراً طموحاً وواقعيًا وإراديًا من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية المرتبطة بالمحيط الخارجي، والاجتماعية في ظرفية اقتصادية خارجية صعبة.
تقوية الإقتصاد
وقال محمد اليوحي، أستاذ الاقتصاد في جامعة بن زهر في أكادير، إن قانون المالية لسنة 2014 يعد استمرارية للسياسة التي جاء بها البرنامج الحكومي وميثاق الأغلبية الذي ترتبت عنه الحكومة في نسختها الأولى، مشيراً إلى أنه يركز على الاستمرار في تقوية البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية التي يسهر عليها شخصيًا الملك محمد السادس.
وذكر محمد اليوحي أن المشروع يأتي من أجل الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية التي بدأت تعرف بعض العجز في السنوات الأخيرة، خصوصًا العجز في الميزان التجاري والميزانية، الذي يرتبط بشكل واضح بصندوق المقاصة، الذي أتت الحكومة الآن من أجل إدخال نظام المقايسة قصد تخفيف الضغط عليه، مبرزًا أنه يلتزم بالعمل على مواصلة المجهودات في المجال الاجتماعي في الشق المتعلق بالصحة والسكن والتشغيل، رغم أن الميزانية المرصودة للتشغيل هذه السنة ربما ليست كافية، لكنّ هناك رهاناً على تحسين مناخ الاستثمار والدفع بالتشغيل في القطاع الخاص.
وفي ما يخص تقليص مناصب الشغل في قانون المالية، فأكد محمد اليوحي، في تصريح لـ”إيلاف”، أن الأمر طبيعي لأن الكتلة الأجرية أصبحت تمثل نسبة مهمة من نفقات الدولة”.
وأوضح أنّ “الحكومة تحاول أن تخفف هذا العبء الكبير على ميزانية الدولة، وتحاول أن تتدارك هذا العجز عن طريق فرص الشغل المتاحة عن طريق تحفيز القطاع الخاص. وبالتالي، فإن الحكومة تراهن على خلق ظروف ملائمة للاستثمار بالنسبة للمستثمرين المغاربة والأجانب من أجل خلق فرص للشغل، لكن هذه الإجراءات الخطابية يجب أن ترافقها إجراءات إدارية وسياسية، كإعطاء الفرصة مثلاً للمنافسة والحد والريع والحد من ما يمكن أن يشكل نفورًا للمستثمرين كالرشوة، والبيروقراطية، واستغلال النفوذ، وتبسيط المساطر الإدارية، وإصلاح جذري للعدل والقضاء”.
أما بالنسبة إلى رفع قيمة الضريبة، خصوصاً الضرائب غير المباشرة على بعض المنتوجات الأساسية، فإنني أرى، يضيف المحلل الاقتصادي، أن “هذا إجراء يجب أن تراجع فيه الحكومة النظر لأنه يمس طبقات شعبية، هي أصلاً تعاني من ضعف قدرتها الشرائية. على الحكومة أن تتجه نحو الكماليات، ونحو القطاعات التي يكون فيها الربح سهلاً، والقطاعات التي تستفيد من الريع الاقتصادي، وتتجنب فرض ضرائب إضافية على الطبقات الفقيرة والمتوسطة”.
يشار إلى أن المشروع يتسم بتقليص نفقات التسيير ومناصب الشغل، وتراجع في مخصصات صندوق المقاصة، وارتفاع تكاليف الدين العام، مع الزيادة في الضرائب.