إنهيار ثمن الزيتون ببني زروال/ إقليم تاونات وأثره على الفلاحين الفقراء

من مراسلاتكم : إنهيار ثمن الزيتون ببني زروال و أثره على الفلاحين الفقراء، وجه آخر من أوجه فشل مخطط المغرب الأخضر.

مراسلة الأستاذ : شفيق العبودي.

تعيش منطقة بني زروال بشكل خاص و كل مناطق جبالة بشكل عام بإقليم تاونات هذه الأيام على إيقاع موسم جني الزيتون، الموسم الذي يشكل مناسبة خاصة لأبناء المنطقة إن على المستوى الاقتصادي قبل أن تغزوها نبتة القنب الهندي (الكيف) بكل ما لها و ما عليها، أو على المستوى الثقافي من خلال تشكيل هوية جبالة و علاقتهم بشجرة الزيتون و الطقوس المصاحبة لذلك. بحيث أن موسم جني الزيتون كان يشكل محطة أساسية بالنسبة لفلاحي المنطقة ــ خاصة الفقراء منهم ــ مناسبة للتخلص من الضيق الاقتصادي الملازم لهم طيلة السنة، إذ يتحول الموسم إلى مناسبة لتسديد الديون أو شراء ما لم يتمكن الفلاح من شرائه طيلة الموسم، و حتى الصغار يصبح بإمكانهم حيازة بعض المال و لما لا الدخول في مغامرة استثمارية على مستوى كسب بعض الماشية (معز أو غنم) و كم من زريبة كبيرة للأغنام أو المعز كان سببها طفل صغير، الذي أدخر ما جمعه و حصله من منتوج الزيتون. و هكذا كان الفلاحون يستبشرون خيرا بقدوم هذا الموسم الذي كان يتوج في مناطق جبالة/الزيتون بالاحتفال برأس السنة الفلاحية/الامازيغية يوم 13 يناير عبر طقوس الحاكوز المصاحبة (abayno أباينو) أي الطلب و الترجي، و موضوع الطلب هنا هو الزيتون عادة و منذ القدم. لكن تغير الحال و تبدله جعل الفلاح يعيش بهذه المنطقة ظروف أقل ما يمكن وصفها به هو المأساوية، بحيث أن تدني ثمن هذا المنتوج جعل كل تلك الآمال المعلقة على موسم جني الزيتون مجرد أضغاث أحلام. فهل كانت الإجراءات المتخذة من طرف الدولة خاصة من خلال برنامج مخطط المغرب الأخضر قد ساهم في خروج الفلاح الفقير بهذه المنطقة من وضعه المذقع ؟ أم أنه عمل على تكريس هذا الوضع و بالتالي زاده بؤسا؟ و من المسؤول عن تراجع ثمن هذا المنتوج بالمنطقة؟ و ما هي إنعكاسات ذلك على الفلاح الفقير و على المنطقة؟
في الحقيقة لست من هواة الأرقام، لكن أجدني مظطرا هنا للإدلاء ببعضها خاصة و أن الأمر يتعلق بمنتوج يشكل أهم الموارد الطبيعية و الإقتصادية لأهل المنطقة إلى جوار تربية المواشي و زراعة القنب الهندي و بنسبة أقل زراعة بعض الحبوب، و مصدر هذه الأرقام هو المندوبية السامية للتخطيط التي حددت عدد سكان إقليم تاونات حسب إحصاء 2014 في 668232 نسمة موزعة على مجموعة من الحواضر و 1600 دوار بالإقليم بكثافة سكانية تقدر ب 119 نسمة في الكلومتر المربع، و المناطق التي تنتمي ترابيا إلى قبائل جبالة تظم 305779 نسمة، أما فيما يخص أشجار الزيتون فتقدر بحوالي 15 مليون شجرة بالإقليم موزعة على 174 ألف هكتار 99 %منها بورية و1 % سقوية. أما بخصوص الصنف فحوالي 87% من نوع البشولين المغربي و 6% من نوع الحوزية و 6% من نوع المنارة و النسبة الباقية موزعة على الأنواع الأخرى، و بإنتاج يصل 180 ألف طن سنويا و تعتبر السنة الحالية قياسية على مستوى الإنتاج الذي يتوقع أن يفوق 200000 أف طن، أما فيما يخص عمر الأشجار فتعد إلى حد ما شابة نسبيا بحيث أن 39% من مجموع الأشجار لا يتعدى عمرها 15 سنة، بينما 39% عمرها محصور ما بين 16 سنة و 50 سنة في حين 22% من عدد الأشجار يتجاوز عمرها 50 سنة.
و هكذا فإن شجرة الزيتون تعد قيمة مضافة لأبناء المنطقة التي من المفروض أن تسهم في تثمين الأرض و تحسين سبل العيش… لو تغيرت طرق إنتاج و تحويل و تسويق هذا المنتوج الأخضر( البترول الأخضر) لتغيير الواقع السوسيوإقتصادي لهذه المنطقة التي لازالت محكومة بالإنتماء إلى المغرب الغير النافع، مع العلم أن إقليم تاونات يتوفر على 5 سدود كبرى ناهيك عن السدود التلية و بعض الأحواض المائية، و رغم المخططات المتتالية التي سعت الدولة إلى تنفيذها أما بشكل مباشر أو عبر الإدارات الترابية المتعاقبة و المجالس الإقليمية و المحلية و الغرف الفلاحية و مندوبية المياة و الغابات..و التي كان الغرض منها هو زيادة الإنتاج و تأهيل المنتوج الذي من المفروض أن ينعكس على فلاحي المنطقة و هذه المخططات المتعاقبة هي:
ـ برنامج الحد من انجراف التربة التعاقدي 1963ــ 1965.
ــ مشروع الديرو 1967 ـ 1971.
ــ صندوق التنمية الفلاحية 1993 ــ 2008.
ــ الشراكة مع وكالة تنمية الأقاليم الشمالية 1997 ــ 2007.
ــ المخطط الوطني للزيتون 1998 ــ 2008.
ــ مشروع ميدا للتنمية القروية المندمجة 2001 ــ 2008.
ــ برنامج تحدي الألفية الأمريكي 2009 ــ 2013.
ــ برنامج التنمية المندمجة لقطاع الأشجار المثمرة 2010 ــ 2014.
ــ مشروع صندوق التنمية الفلاحية.
ــ برنامج إستبدال زراعة الحبوب بأشجار الزيتون.
ــ مخطط المغرب الأخضر الذي انطلق 2008.
سأحاول التركيز هنا على هذا المخطط الأخير ( مخطط المغرب الأخضر) الذي راهنت عليه العديد من الجهات معتبرة إياه مخططا فلاحيا شاملا كفيلا بالإجابة على كل الإكراهات التي يعاني منها القطاع و معه الملايين من الفلاحين خاصة الفقراء منهم. لكن شتانا بين الحلم و الواقع، فهل كانت الوعود عند مستوى التطلعات؟ دعنا نلقي نظرة على هذا المخطط وطنيا بشكل عام و على مستوى تاونات بشكل خاص، و بالضبط على مستوى التدخل في مسالة انتاج و تحويل و تسويق مادة الزيتون و مشتقاته. فمخطط المغرب الأخضر الذي تم الإعلان عنه خلال شهر أبريل من سنة 2008 غداة افتتاح المعرض الدولي للفلاحة بمدينة مكناس، و الذي رصدت له حوالي 150 مليار درهم و يرتكز على دعامتين رئيسيتين، الأولى تهم كبار الفلاحين خصص لها حوالي 80 مليار درهم، و الدعامة الثانية مخصصة لصغار الفلاحين حسب نص المخطط بحوالي 70 مليار درهم، و يهدف هذا المخطط حسب الوعود المقدمة إلى ضمان الأمن الغذائي، رفع الدخل من الأجور، خلق فرص الشغل، تنمية الصادرات، محاربة الفقر و أخيرا الرفع من الناتج الداخلي الخام. فهل فعلا تحققت هذه الأماني و نحن نعيش السنة العاشرة بعد إطلاق هذا المخطط؟

إن القراءة السريعة في أرقام المندوبية السامية للتخطيط تجعلنا نستفيق مذعورين من سبات الأهداف التي خذرنا بها مروجو المخطط، إذ تقول المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب فقد 150 ألف منصب شغل ما بين 2008 و 2017 في الوقت الذي كان المخطط يعد بخلق مليون و نصف مليون منصب شغل إضافية ما بين 2008 و 2020، أما قضية الاكتفاء الذاتي ( الأمن الغذائي ) فبالرغم من أن السنة الفلاحية تكون جيدة إن لم نقل ممتازة فالمقدار المستورد من الحبوب بالنسيبة للمغرب يظل ثابتا.
أما بالنسبة لإقليم تاونات فقد قام وزير الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغاباة في شهر شتنبر 2017 بزيارة لمجموعة من المشاريع خاصة المتعلقة بأشجار الزيتون و ما يرتبط بها من عمليات أخرى، خاصة زيارة مدار سهلة في إطار الشراكة بين القطاعين العام و الخاص بقيمة إجمالية تصل إلى 44 مليون درهم، و إعطاء انطلاقة عملية غرس و تجهيز بقعة مساحتها حوالي 1072 هكتار من التين و الزيتون و نباتات أخرى، إضافة إلى إطلاع الوزير على حالة تقدم مشروع سبو الأوسط و إيناون السفلى (الشطر الثاني) من هذا المشروع، و أشغال الربط بسد إدريس الأول، هذا المشروع الذي يغطي مساحة 4600 هكتار بالمدار السقوي و 12400 هكتار بالأراضي البورية و باستثمار يصل إلى 865 مليون درهم، أما بخصوص الزيتون فقد وعد مخطط المغرب الأخضر في أفق 2020 بتوسيع المساحة المزروعة بشجرة الزيتون و تأهيل و صيانة الأغراس القائمة إلى جانب تثمين الإنتاج، إضافة إلى غرس محيطات للتشجير بأغراس الزيتون أما على مستوى تقوية تنظيم قطاع الزيتون و تقوية قدراته التنافسية من خلال خلق ثلاث مجموعات ذات النفع الإقتصادي مكونة من عدد من التنظيمات المهنية العاملة بالقطاع و ذلك بتزويد و بدعم من قبل ” كطاليست فوند” بوحدات عصرية لاستخلاص زيت الزيتون تتوفر فيها جميع المعايير التقنية و البيئية لإنتاج زيت الزيتون بجودة عالية و بكمية وافرة. و هذه المجموعات هي: 1) مجموعة ذات النفع الإقتصادي الوحدة مكونة من التنظيمات المهنية التابعة لدائرة غفساي بكلاز. 2) مجموعة ذات النفع الإقتصادي عين عائشة مكونة من التنظيمات المهنية التابعة لدائرة تيسة. 3) مجموعة ذات النفع الإقتصادي ببني وليد مكونة من التنظيمات المهنية بالجماعة و محيطها. عموما تبقى المبالغ المرصودة لدعم قطاع الزيتون شحيحة بالمقارنة مع غيرها بالقطاعات الأخرى حيث رصد المخطط لسلسلة إنتاج التين 180900 درهم بسيدي المخفي و 27.6 مليون درهم لفائدة إنشاء وحدتين لتقطير الأعشاب الطبية و العطرية بالساهلة و غفساي و 53.46 مليون درهم في إطار مشروع تنمية سلسلة الحليب بحوض الساهلة ناهيك عن 13.515 مليون درهم لتثمين سلسلة انتاج الحليب على صعيد الإقليم، أما بخصوص مشروع تنمية سلسلة أجبان الماعز بجماعة فناتسة باب الحيط فقد رصد له مبلغ يناهز 2.150 مليون درهم، أما مشروع تنمية سلسلة العسل بحوض الساهلة و جماعة فناتسة باب الحيط، فقد رصدت له مبلغ 3.1 مليون درهم. لكن يبدو أن الملايين المرصودة للإقليم من أجل الإقلاع لا تجد طريقها إلى المعني بالأمر أو بالأحرى هي موجهة لدعم من لا يحتاج أصلا للدعم. فعلى مستوى قطاع الزيتون فإن المتدخلين فيه تلتقي مصالحهم و تتقاطع كثيرا، و يمكن حصر هؤلاء في التجار و أرباب الوحدات العصرية و التعاونيات و الجمعيات المشتغلة في هذا القطاع، حيث أن عدد التعاونيات ذات النفع الإقتصادي تصل إلى 32 تعاونية أكثر من ثلثي هذه التعاونيات ظهرت بعد الإعلان عن مخطط المغرب الأخضر أي بعد 2008، و يرتكز اهتمام 22 تعاونية من أصل 32 على إنتاج الزيتون، بينما توجد تعاونية واحدة تهتم بتنمية قطاع الزيتون، أي أنها تهتم بالزيتون إنتاجا و تحويلا و تسويقا، في حين تشتغل تعاونيتان في إنتاج و تسويق الزيتون، و هو ما يجعل من أغلب التعاونيات مركزة إهتمامها على حلقة الإنتاج دون الإهتمام بتثمين المنتوج على مستوى التحويل و التسويق، كما أن الفلاحين غير متحمسين لهذه التنظيمات، نظرا لغياب الثقة بين الأفراد و انتشار الأمية في صفوفهم، لكن هذا لا يبرر بتاتا انهيار سعره الذي عوض أن يرتفع بارتفاع مستوى المعيشة نجده يسير بشكل معاكس. إذن ما هي الأسباب التي تقف خلف هذا الانهيار المريع لثمن الزيتون بالمنطقة؟ أولا دعنا نلقي نظرة على عدد المعاصر بالإقليم و التي ساهم مخطط المغرب الأخضر في دعم أصحابها و ازدياد عددها الذي وصل 64 معصرة منها 44 وحدة عصرية و 24 شبه عصرية مع وجود 3 آلاف معصرة تقليدية صارت في حكم المعطلة إن لم نقل في طريقها إلى الزوال. و مع ذلك نلحظ تهريب كبير لهذه الثروة خارج الإقليم من طرف تجار الزيتون و السماسرة و المستثمرين الكبار في القطاع رغم وجود هذا الكم من المعاصر مع إضافة أخرى بجودة عالية و صديقة للبيئة إضافة إلى ضرورة إنشاء معامل تصبير زيتون المائدة خاصة و الزيتون بكل أنواعه عامة،الشيء الذي يجعل عمليات بيع الزيتون بالمنطقة الان تتم بشكل غير معبأ، مما يجعل الأثمنة متقلبة و متذبذة حسب السنوات و حسب قانون السوق الأعمى ــ العرض و الطلب ــ و غياب القدرة على تعبئة الفلاحين في إطار لوبي مدافع عن ثروته، من قبل الممثلين لهم في المؤسسات المحلية أو الإقليمية أو الغرف الفلاحية و الجهوية و حتى الوطنية، فعوض أن يدافعوا عن المعني بالأمر/الفلاح الفقير تجدهم يدافعون عن القيم الاستغلالية للرأسمال المالي الذي يعمل على سرقة عرق جبين الفلاحين الفقراء عبر التغني بقانون العرض و الطلب. و بالمقابل يجب أن ندافع عن مفهوم السعر من خلال جعل قيمة العمل هي تلك الكمية من العمل الاجتماعي اللازمة لإنتاج و إعادة إنتاج السلعة/ الزيتون، أو بعبارة أخرى كلفة معيشة الفلاح، على اعتبار أن مفهوم الحد الأدنى لأجور المعيشة أو متوسط الأجور يجسد الحاجات التي تتغير مع التقدم في إنتاجية العمل. و بهذا فسعر الزيتون من المفروض أن يضمن العيش الكريم لهذا الفلاح المثابر و المرابط بهذه المنطقة عوض أن يخضع لتدخل السماسرة و المهربين، فكيف يعقل أن مستوى المعيشة ارتفع أضعافا مضاعفة حسب الإحصائيات الرسمي خلال العشر سنوات الأخيرة بينما سعر المنتوج الأساسي لمنطقة جبالة/الزيتون ينخفض بنسبة تصل إلى 50% إن لم نقل أكثر.
و هكذا يكون مخطط المغرب الأخضر في دعامة الفلاحة التضامنية و الرفع من الدخل و محاربة الفقر و الأمن الغذائي/الاكتفاء الذاتي وغيرها قد فشل فشلا ذريعا، بحيث لم يغير شيئا من وضعية الفلاحين الفقراء، لكون الجزء الأكبر من الدعم و الاستثمارات موجها بالأساس إلى كبار الفلاحين الذين ينشطون في مجال التصدير، في الوقت الذي ظل الفلاح الصغير/الفقير في معزل عن مخططات المغرب الأخضر ، حيث تعوزه الإمكانيات المادية و اللوجيستيكية للرفع من إنتاجيته و هامش ربحه ليتحول إلى الإستثمار و التصدير، إذ لا يمكنه الولوج إلى السوق المالي للحصول على قروض كبيرة لتطوير منتوجاته، فضلا على انه لا يتوفر على الدعم المادي ليقوم بدراسات للتعرف على أي نوع من الفلاحات تصلح لها أرضه. أما بخصوص التسويق فالسوق لازال يعرف تدخل الوسطاء في المضاربة بأسعار المنتوجات، بحيث لا توجد هياكل تضمن تسويقا معينا، في ظل تقاعس الجهات المسؤولة هناك بصمتها الذي يشبه المشاركة .


عن موقع : فاس نيوز ميديا