إذا كان الإيطالي كريستوفر كولومبوس اكتشف أميركا، فلماذا لم يُسمى “العالم الجديد” باسمه؟

اشتهر المكتشف الإيطالي” كريستوفر كولومبوس” برحلاته الاستكشافية التي كان أبرزها وصولها إلى قارة أميركا الشمالية في العام 1492. لكن لماذا لم يتم تسمية ما عُرف حينها بـ «العالم الجديد» تيمناً به؟ يقول الأستاذ مساعد في التاريخ بجامعة كينت في أوهايو الأميركية مات كراوفورد لموقع Live Science، إن «الإجابة لها علاقة بسمعة كولومبوس آنذاك، بل بالوقت الذي قام فيه الأوروبيون بتسمية القارات الجديدة، فضلاً عن الحملة الدعائية الناجحة التي قادها المستكشف الإيطالي أمريكو فسبوتشي». ليس هذا فحسب، بل ساهم إصرار كولومبوس حتى وفاته على أن الأرض التي اكتشفها كانت في الواقع آسيا، في عدم إطلاق اسمه على القارة الجديدة. في المقابل، كان فسبوتشي أول مستكشف يعلن أن «العالم الجديد» هو كيان جديد تماماً (على الأقل بالنسبة للأوروبيين).
كولومبوس حاول الالتفاف على السد العثماني

انتقل المكتشف الإيطالي “كريستوفر كولومبوس “المولود في جنوى في العام 1451، إلى البرتغال في 1476 ليبدأ عمله في رسم الخرائط. في ذلك الوقت، وفي الفترة التي أطلق عليها اسم «عصر الاستكشاف»، كانت البرتغال رائدة هذا المجال، خاصة بعد اكتشافها لجزر ماديرا وجزر الأزور في المحيط الأطلسي. بل ووصل بحارتها إلى جزء من سواحل أفريقيا الغربية. مع ذلك، كل ما أراده الأوروبيون حقاً كان العثور على طريق للوصول إلى الهند، بعدما منعت الإمبراطورية العثمانية الأوروبيين من العبور عبر مدينة القسطنطينية (اسطنبول حالياً)، وإلى شمال أفريقيا والبحر الأحمر. أراد كولومبوس المشاركة في هذه المغامرات الاستكشافية، واقترح الوصول إلى آسيا عن طريق الإبحار غرباً. في ذلك الوقت، كان الناس يعرفون أن الأرض كروية الشكل. أما الفكرة المضللة القائلة أن الناس كانوا يعتقدون أن الأرض مسطحة فقد طرحها الكاتب الأميركي واشنطن إيرفينغ الذي اشتهر بكتابيه Rip Van Winkle وThe Legend of Sleepy Hollow، وهو الذي روج لفكرة أن الأرض مسطحة في كتابه he Life and Voyages of Christopher Columbus الذي نشر في العام 1828.
إسبانيا قبلت تمويل رحلة كولومبوس

وبعد أن رفضت البرتغال فكرة المكتشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس، نظراً لأنه لم تكن لديه علاقاتٌ قوية ولأنهم اعتقدوا (محقين) أنه أخطأ في تحديد المسافة الصحيحة بين أوروبا والهند، حمل الرحالة الإيطالي خطته وسافر إلى إسبانيا. ليس واضحاً مدى اعتقاد الإسبان بإمكانية نجاح كولومبوس في هذه المهمة، وهو الأمر الذي قد يفسر سبب موافقتهم على منحه الكثير من المال إذا وجد فعلاً طريقاً إلى الهند. وفي هذا الشأن، قال كراوفورد، «وُعد بالكثير مقابل العثور على طريق للوصول إلى الهند؛ من بينها الحصول على جزء كبير من التجارة والثروة المتأتية من العلاقات المباشرة والجديدة مع آسيا. لقد وعدوه بالحصول على ألقاب كبيرة على غرار «أمير المحيط» و»نائب الملك في الجزر الهندية». ما حدث لاحقاً كان سبباً في صناعة التاريخ، فقد أبحر كولومبوس مباشرة إلى جزيرة باهاماس في جوانهاني. وخلال الرحلات الأربعة التي حاول فيها الوصول إلى العالم الجديد، وصل كولومبوس إلى جزر، مثل كوبا، وهيسبانيولا وسواحل أميركا الوسطى والجنوبية. لكن الرحالة الإيطالي أصر بشدة على أنه اكتشف آسيا، وربما قام بذلك ليضمن الحصول على الثروة والألقاب التي وعدته بها إسبانيا، حسبما قال كراوفورد. أوضح كراوفورد أن هذا الموقف جعل معاصري كولومبوس ينظرون إليه على أنه شخص مخادع وغير موثوق. في تلك الأثناء، وتحديداً من العام 1497 إلى العام 1499، سافر المستكشف البرتغالي فاسكو دا غاما من البرتغال إلى الهند وعاد مرة أخرى عن طريق الإبحار حول رأس الرجاء الصالح الواقعة في منطقة أفريقيا الجنوبية، ما يعني أن البرتغال قد هزمت إسبانيا في سباق الوصول إلى الهند. وبين كراوفورد قائلاً: «على ما يبدو استاءت العائلة الملكية الإسبانية من فشل كولومبوس في الوصول إلى آسيا، بالإضافة إلى تلطخ سمعته بسبب ازدواجيته، وهو ما دفع الملك لإرسال أحد الضباط إلى منطقة الكاريبي لاعتقال كولومبوس وإعادته إلى إسبانيا، وتم تجريده لاحقاً من كل الألقاب التي حصل عليها».
شعبية فسبوتشي تفوق كولومبوس

في العام 1493، كتب كولومبوس رسالة إلى أحد مؤيديه، لويس دي سانتانغيل، يتحدث فيها عن اكتشافه. وفي وقت لاحق، تمت إعادة طباعة هذه الرسالة وقراءتها من قبل العديد من الناس. لكن رسائل الإيطالي أمريكو فسبوتشي (1459-1512)، كانت أكثر شعبية بكثير من رسالة كولومبوس. فسبوتشي الذي أبحر تحت راية العلم البرتغالي، قام بأولى رحلاته إلى العالم الجديد في العام 1499. وقد أدرك فسبوتشي أن الأراضي التي وصل إليها لم تكن قارة آسيا، بل قارات جديدة. ووفقاً لدراسة نشرت في العام 2006 في مجلة Past and Present، فإنه يصعب تمييز هذه الثورات المعرفية في رسائل فسبوتشي، لذا من الممكن أن البعض رأوا الرسالة تفاصيل أكثر مما قصد كاتبها. فعلى سبيل المثال، يدعو فسبوتشي كتل اليابسة «بالقارة»، لكن العلماء أوضحوا أنه قد يعني «البر الرئيسي أو اليابسة». وبغض النظر عما كان يعنيه فسبوتشي، أصبحت رسائله حول العالم الجديد إلى سيده لورينزو دي ميديشي الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء أوروبا. وفي هذا الصدد، قال كروفورد، «لن يكون من غير المنطقي القول إن رسائله ساعدت الناس على التعرف على هذا العالم الجديد أكثر من رسالة المكتشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس». وأفادت كريستين جونسون، الأستاذة المشاركة في التاريخ بجامعة واشنطن في سانت لويس، في دراسة نشرت في العام 2006، «قدم فسبوتشي في هذه الرسائل نظرة حول العديد من الجوانب المثيرة للانتباه عن العادات الجنسية والغذائية للسكان هناك وعن حداثة ملاحظاته العلمية».
جزيرة برازيلية وراء التسمية!

ألهمت هذه الرسائل رسام خرائط مشهور، حيث أعدّ رسام الخرائط الألماني مارتن فالدسيمولر، أول خريطة تحتوي على اسم أميركا في العام 1507، إلا أنه اعتمد هذا الاسم في رقعة جغرافية قريبة من البرازيل. وفي هذا الصدد، قال كروفورد، «لم يطلق فالدسيمولر على المنطقة بأسرها اسم أميركا». أما فيما يتعلق بإطلاق اسم «أميركا» على الأرض الجديدة عوضاً عن «أميريكو»، فذكر رسام الخرائط الألماني، في مقدمة كتيب تضمن ملاحظاته حول خريطته أنه «بما أن قارتي أوروبا وآسيا مُنحتا أسماء أنثوية، فلا أرى مانعاً من تسمية هذه الرقعة الجغرافية بـ (أرض أميريكو) أو (أميركا)، نسبة إلى مكتشفها أميريكو، وهو رجل ذو قدرات عظيمة». في الواقع، أطلقت البرتغال على البرازيل اسم Island of the True Cross (جزيرة الصليب الصالح)، لكن كروفورد أوضح أنه «من المرجح أن والدسيلمر لم يكن يعلم ذلك آنذاك». في خرائطه اللاحقة في عامي 1513 و1516، توقف فالدسيمولر عن استخدام اسم أميركا، واعتمد بدلاً من ذلك أسماء Terra Incognita (الأرض المجهولة) وTerra Nova (الأرض الجديدة). وأشار كروفورد إلى أنه «ربما يعود ذلك لأن رسام الخرائط الألماني أدرك أن الفضل في اكتشاف العالم الجديد يعود للمكتشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس وليس لفسبوتشي. إلا أن تغيير اسم القارة أتى متأخراً، إذ أن العديد من رسامي الخرائط كانوا قد نقلوا خرائطه واعتمدوا اسم أميركا، مما ساهم في انتشاره على نطاق واسع، وهو ما جعل هذا الاسم سائداً بقوة بحلول نهاية القرن السادس عشر». لا تعد تسمية الأوروبيين لتلك الأماكن سوى لفتة رمزية، إذ أنها لم تخضع لسيطرتهم لفترة طويلة في واقع الأمر. وفي هذا السياق، قال كروفورد إن «مشروع رسم الخرائط وتخصيص أسماء لأماكن ليس لدى الأوروبيين شأن في تسميتها هو جزء من جهودهم للاستيلاء عليها، هذه هي أيديولوجيا الاستعمار. وكأنهم يقولون إننا نمتلك هذه الرقع الجغرافية، لذلك قمنا بتسميتها بأسمائنا».

عن موقع: فاس نيوز ميديا