مناقشة موضوع “ملاءمة التكوين بسوق الشغل” مدخل أساسي لتعميق عملية طحن التعليم العمومي (مقالة رأي)

بقلم : محمد القاضي
خصص الصحفي في القناة الثانية “جامع كولحسن” في برنامجه ” مباشرة معكم” في حلقة ما بعد منتصف ليلة 07-06 شتنبر الجاري حول موضوع ” ملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل” والذي استضاف إليه كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي ورئيس جامعة القاضي عياض وممثل الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب وبعض الضيوف الآخرين.
موضوع هذه الحلقة أثار فضولي واسترعى انتباهي لكون أن التعليم مسألة سيادية وقطاعا حساسا يهم مستقبل أبناء وطننا، ولأجل ذلك تسمرت في مكاني لتتبع النقاشات التي أثيرت في هذا البرنامج حول ملاءمة التكوين مع سوق الشغل..
لم يتجرأ أي ضيف من ضيوف البرنامج على قول الحقيقة أو وضع أصبعه على الجرح الذي ينخر جسد التعليم، ولكنهم كلهم وجهوا بوصلة نقاشاتهم في اتجاه إقناع الرأي العام بأن إشكالية التعليم وأزمة البطالة نابعة أساسا من عدم ملاءمة التكوين بسوق الشغل، في محاولة منهم لتمويه الحقيقة وتعويم النقاش نحو بحر الفضفاضية وتحميل مسؤولية البطالة وأزمة التعليم إلى غول وهمي اسمه عدم ” ملاءمة التكوين بسوق الشغل”.
حقيقة أنني استغربت كل الاستغراب من الكيفية التي قورب بها موضوع الحلقة وطريقة تنشيطه من طرف الصحفي جامع كولحسن،إذ أن المتأمل في ثنايا النقاشات التي أثيرت سيخرج بخلاصة مفادها أن الدولة -أو لنقل المؤسسات المالية الدولية- تريد إتمام عملية سحق تعليمنا العمومي بأي ثمن وتحت أي ذريعة، خصوصا وأن هذه النقاشات غيبت البعد الثقافي والبعد العلمي والمعرفي والبعد الأكاديمي وبعد تكوين الشخصية العلمية القوية واختزلت التعليم كله في الجوانب التقنية الصالحة لأباطرة الرأسمالية المتوحشة.
موضوع حلقة اليوم يندرج إذن ضمن مسلسل الاستهداف والتآمر على قطاع التعليم ومسلسل التكليخ والتجهيل في أفق أن تكون القدرات العلمية والمعرفية للأجيال الصاعدة والمقبلة لا تتجاوز ثقافة ” معرفة البريوات” و”البغرير” على مقاس مسلسل ” الزين إللي فيك”.
والآن من حقنا أن نتساءل ونسائل ضيوف الحلقة ومنشطها: لنفترض جدلا أن نقاشاتكم كانت صائبة وتحليلاتكم وضعت الاصبع على الجرح، ولنفترض أن جميع شعب التعليم أصبحت ملائمة لسوق الشغل: أين ستشغلونهم ؟ وماذا أعددتم لهم ؟ وماذا تقصدون بسوق الشغل ؟ مؤسسات الدولة كلها تاجرتهم فيها وقمتم ببيعها ؟ وما بقي من هذا السوق اغتصبته عصابات مندسة داخل منظمات نقابية لمرتزقتها وأبناء مرتزقتها، والحصة الباقية تستأثر بها عصابات أخرى مندسة داخل بوتيكات سياسية للابناء والاصهار والخليلات والحترافة ديالهم (7atrafa).
تساؤلات أخرى مشروعة موجهة لضيوف الحلقة : إذا كان “ملاءمة التكوين لسوق الشغل” هو من ينقص تعليمنا، فمن المسؤول إذن عن توظيف خريجي العلوم الفزيائية والكيمياء والبيولوجيا في مكاتب الحالة المدنية في الوقت الذي يتم إقصاء من لهم تكوين مناسب لهذه المهام الوظيفية؟
ومن المسؤول عن تعيين خريجي الآداب والجغرافيا والتاريخ بالمصالح الاقتصادية والمحاسباتية والمالية في الوقت الذي يتم فيه طحن خريجي الاقتصاد ومعاهد التدبير والاقتصاد؟ وأمثلة أخرى لا تعد ولا تحصى.
ماذا تقصدون وماذا تعنون بسوق الشغل؟ هل تعنون به ” زبالة شو” أم ” الشطيح” وإبراز السراويل الممزقة ؟ وهل تركتم أصلا أثرا لهذا السوق.
إنكم بهذا النقاش الفارغ تساهمون عن قصد أو غير قصد في التآمر على وطنكم وتحويله إلى سوق كبير لتجارة الرقيق والهلوسة وفضاء خصبا لانتعاش سوق الجريمة وقتل الاحساس بالانتماء للوطن لدى الجيل الصاعد.
يتبع..

عن موقع : فاس نيوز ميديا