الوطن في خطر…تبقى رسالة محمد رضى درقاوي مؤشر حمى ساخن على جبين البلاد وللحمى مضاعفات قد تكون مميتة

نشرت إحدى المواقع الالكترونية رسالة للطالب محمد رضى الدرقاوي، المعتقل تحت رقم 83591 بالسجن المحلي عين قادوس بمدينة فاس، عبارة عن شهادة حول ممارسات التعذيب التي تعرض لها منذ لحظة اعتقاله إلى حين عرضه على الوكيل العام لمحكمة الاستئناف ثم قاضي التحقيق وذلك من مختلف الأشخاص العاملين في ولاية أمن فاس… 
 
يصعب عدم تصديق ما جاء في الرسالة، ويصعب أكثر تخيل كل ذلك العنف والألم الذي تعرض له الطالب محمد رضى الدرقاوي، فقط لأنه عبر عن رأي، في الدولة بملكها وحكومتها وأجهزتها، قد نختلف فيه معه أو نتفق في الكثير مما يؤمن به… 
 
ظروف التراجع الكبير الذي يعرفه المشهد السياسي المغربي، وهذا الاختناق المحسوس في ممارسات الحريات بشتى تجلياتها، الفردية وحرية التعبير وحرية الرأي بالإضافة إلى الاحتقان الاجتماعي المحسوس على كل الواجهات، الاقتصادية بالخصوص، كل هذا يجعل من الرسالة عنواناً خطيرا للمرحلة وناقوس خطر يجب الانتباه إليه… وربما يجب أن يستحضر كثيراً من الهمم التي استسلمت لخديعة ووهم المغرب الديمقراطي والحداثي… 
 
ما كان على محمد رضى الدرقاوي أن يكتب هذه الرسالة في مغرب ما بعد هيأة الإنصاف والمصالحة، وتقريرها الذي يتضمن توصيات جبر الضرر وعدم التكرار ثم أخيرا مغرب دستور يوليوز 2011 الذي يتضمن دسترة هذه التوصيات الوجيهة، وينص على تجريم التعذيب.. 
.
كتابتها بتلك الفظاعة إدانة لتبذير كل هذا الزمن السياسي الذي ابتدأ بالعفو على المعتقلين وعودة المغتربين في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، على عهد الحسن الثاني والذي كان من المفروض أن ينتهي   في منتصف العقد الأول من القرن الحالي باعتماد تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة المقدم من المرحوم ادريس بنزكري إلى ملك البلاد، محمد السادس… 
 
كل ما تم صرفه في هذا الورش الكبير يتم تقويضه بهذه الرسالة وسط صمت الذين بنوا هذا الورش أولا، وأعني بهم المناضلون اليساريون الذين آمنوا، أو انخدعوا فالأمر يبدو سيان الآن، بأنه يمكن إصلاح الدولة من داخلها، ووضع عجلاتها على سكة الديمقراطية والحداثة، ووسط صمت المؤسسة التي تكرس يوماً عن يوم، شكلها المزين للواجهة اتجاه العالم الخارجي، ونعني بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان… 
 
هناك شيئ مخيف يزحف على كل هذا الأمل الذي بني من وهم الحقيقة، شيء يستدعي الكثير من الانتباه، وربما الكثير من الصراخ أيضا كي يعي هؤلاء الذين بدؤوا يطلون برؤوسهم من جحور كانوا قد اختبئوا فيها، حين قرر الفرقاء  في لحظة تاريخية ، وعن خطأ، عدم محاسبتهم… ليعيدوا جذب البلد نحو الخلف، نحو تحكم سياسي يرعى استبدادهم واستغلالهم وقمعهم لكل الذين يختلفون معهم… 
 
في وعد وزير العدل والحريات بفتح تحقيق في مضمون رسالة المناضل والمعتقل القاعدي محمد رضى الدرقاوي، بعض الأمل في أن نعيد، كبلداء دائما، تصديق هذا الوطن الذي حلمنا به…  على أن ننتظر رد فعل تلك الجثة التي الرابطة على رابية حي المحيط بالرباط، والتي تطل على مقبرة الشهداء بهذه المدينة… أعني بذلك المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي كان من المفروض فيه التدخل في هذه الحالة، لأنها تعني إحدى التوصيات التي يسهر على تطبيقها، ونعني بذلك عدم تكرار ما جرى، قبل أن تكون مسؤولية سياسية وجنائية للدولة، عبر مؤسسة الحكومة، المفروض فيها السهر على حماية وصون حقوق المواطنين، بما فيها الحق في السلامة الجسدية وتجريم التعذيب… 
 
دون ذلك، تبقى رسالة محمد رضى درقاوي، مؤشر حمى ساخن على جبين البلاد… وللحمى مضاعفات قد تكون مميتة….
عبد العزيز العبدي