تقدم اللجنة البرلمانية الاستطلاعية أخيرا تقريرها أمام البرلمان الثلاثاء 15 ماي، وتكشف فيه معطيات مثيرة حول الكيفية التي تغتني بها شركات المحروقات على حساب جيوب المغاربة منذ تحرير أسعار الغازوال والبنزين. نعرض هنا أهم خلاصات هذا التقرير.
حوالي 15 مليار درهم. هذا هو حجم المبالغ الإضافية التي دفعها المغاربة في محطات الوقود منذ تحرير أسعار المحروقات نهاية 2015، حسب خلاصات اللجنة الاستطلاعية البرلمانية التي تم تشكيلها حول سوق المحروقات. فمن خلال مقارنة متوسط الأسعار المطبقة في 2470 محطة وقود مع الأسعار الدولية للمحروقات، مع الأخذ بعين الاعتبار الضرائب والتكاليف الأخرى، خلصت اللجنة التي ترأسها النائب عبد الله بوانو، عن العدالة والتنمية، إلى أن “متوسط الفارق بين الأسعار المحتسبة استنادا إلى تركيبة الأثمان ما قبل التحرير، والأسعار المعتمدة بعد التحرير، هو زائد 96 سنتيم في اللتر في الغازوال، و76 سنتيم في البنزين”، وهذا يمثل ربحا إضافيا بالنسبة إلى الشركات الموزعة يصل إلى “7 ملايير درهم في السنة. وبالضبط 7,4 ملايير درهم في2016 و7,7 ملايير درهم في 2017. ومن المنتظر تقديم هذا التقرير- الذي حصلت “تيل كيل” على نسخته الأولى وكذلك على صيغته النهائية التي ستقدم بالبرلمان يوم 15 ماي.
رأت هذه اللجنة البرلمانية النور في صيف 2017، بعدما نشرت “تيل كيل” على صفحاتها تحقيقا في ماي 2017، أظهرت فيه أن شركات النفط كانت، منذ تحرير الأسعار، تحتسب بشكل فوري تقريبا أي ارتفاع لأثمنة البترول بالأسواق الدولية على الزبون بمحطات الوقود، ولكن لم تكن تسارع إلى عكس الانخفاضات. وبناء على المعلومات المتوفرة لديها حينئذ، وقفت “تيل كيل” على أن هوامش أرباح الشركات تضاعفت ما بين 2015 و2016. ومن خلال معطيات وزارتي الطاقة والمعادن والشؤون العامة، وكذلك النتائج السنوية للشركات الكبرى السبع في سوق المحروقات بالمغرب، أكدت اللجنة البرلمانية هذا التوجه، بل إن ما خلصت إليه يفوق التقديرات التي نشرتها المجلة. إذ في ظرف عامين فقط، اقتسمت مقاولات المحروقات المغربية فيما بينهما وحسب نصيبها من السوق ما يزيد عن 15 مليار درهم من الأرباح الإضافية، أداها المغاربة من جيوبهم. ويحاول الفاعلون في القطاع تبرير هذا الأرباح بضرورة الاستثمار في وحدات التخزين، والحفاظ على مخزون الآمان المحدد في تغطية 30 يوما، فضلا عن سعيهم إلى حماية أنفسهم من أي ارتفاع مقبل لأسعار المواد الأولية.
انفجار هوامش الربح
حسب النسخة الأولى من التقرير، كان متوسط هامش الربح لدى شركات النفط المغربية في لتر واحد من الغازوال هو 1,35 درهما في الفاتح دجنبر 2015، أي اليوم الأول من التحرير الشامل لأسعار المحروقات. إذ كان اللتر يباع في محطات الوقود بـ7,98 دارهم. ابتداء من فاتح يناير 2016، انتقل هذا الهامش إلى 1,98 درهم ثم إلى 2,37 درهم في فاتح فبراير من السنة ذاتها. وإلى غاية نهاية 2017، ظل هذا الهامش مستقرا في معدل 2,2 درهما في اللتر، حسب المعطيات الواردة في التقرير الأولي للجنة الاستطلاعية البرلمانية. هذا الارتفاع في هامش الربح لوحظ كذلك في ما يخص البنزين. إذ انتقل من 1,16 درهم/ لتر في بداية دجنبر 2015 إلى 2,02 درهم/ لتر في مارس 2016، ليستقر منذ ذلك الحين في حدود 1,8 درهم في اللتر. ويكشف التقرير أن الفرق بين السعر المعمول به بنسبة الربح المطبقة قبل التحرير وبعده، والسعر المطبق بالهوامش الجديدة بعد التحرير هو 0,96 درهم للتر بالنسبة للغازوال، و 0,76درهم للتر بخصوص البنزين.
“إن المعطيات التي اعتمد عليها البرلمانيون قديمة. فمنذ 1997، لم ترتفع هوامش الربح، وبعد التحرير، قامت كل شركة بتحيين هوامشها بناء على تكاليفها”، يقول مصدر من قطاع المحروقات، الذي يضيف “إبان الشروع في تحرير الأسعار كانت المنتوجات المكررة تباع بـ320 دولار للطن في الأسواق الدولية، ثم انتقلت إلى 660 دولار للطن، ولكن الأسعار في محطات الوقود لم تتضاعف، كما حدث في السوق الدولية”. ويواصل كلامه بتفصيل: “اليوم، حين يصل الغازوال إلى الميناء يكون ثمنه 5,5 دراهم للتر، وقيمة الضريبة الداخلية على الاستهلاك وكذلك الضريبة على القيمة المضافة تصل إلى 3,3 دراهم، أي أن هذا اللتر يكلف في المجموع 8,7 دراهم، ويباع في محطات الوقود بـ9,70 دراهم، بمعنى أنه يتبقى لنا درهم واحد لتغطية نفقات شركات التوزيع ومسيري المحطات. قبل التحرير كان هذا الهامش هو 0,6 درهم”.
انخفاضات لا يستفيد منها الزبون
إذن شركات المحروقات تتحدث عن هامش ربح إضافي لا يتعدى 0,4 دراهم في اللتر، بينما البرلمان يقول إن هذا الهامش يصل إلى 0,96 درهما. ولكن من المستفيد حقا؟ ليس محطات الوقود حسب اللجنة البرلمانية؛ إذ يقول تقريرها إن أصحاب محطات الوقود ومسيريها شددوا على أن هامش الربح في البيع بالتقسيط “لم يعرف أي تغيير”، و الأرقام تؤكد أقوالهم. فما بين فاتح دجنبر 2015 وفاتح دجنبر 2017 لم يتغير هذا الهامش سوى بـ2 سنتيم في الأقصى، وكان مستقرا عند 0,32 درهم في اللتر بالنسبة إلى الغازوال و0,39 درهما للتر بالنسبة إلى البنزين، في حين يصل هذا الهامش لدى المحروقات الفاخرة إلى 0,45 درهما.
فيما يتعلق بشركات النفط، فقد صرحت للجنة البرلمانية، عبر “تجمع البتروليين المغاربة”، بأنها كانت تتبع تطوارت الأسعار في السوق الدولية و”تعكسها بشكل أوتوماتيكي” على أثمنة المحروقات بالمغرب. ولكن الأرقام عنيدة، فإذا قمنا بمقارنة بين تطور الأسعار الدولية للنفط المكرر مع سعر التكلفة بالنسبة لشركات المحروقات نقف على تطابق تام تقريبا. فالتكلفة تصل بالنسبة إلى المقاولات النفطية إلى 3 دراهم للتر الواحد من الغازوال، ولكن إذ نظرنا إلى تطور أسعار الغازوال في محطات الوقود نلاحظ أن الارتفعات بالأسواق الدولية يجري احتسابها بشكل آلي، ولكن العملية ذاتها لا تتم عندما تحدث انخفاضات. وكان هذا الأمر صارخا في دجنبر 2015، أول شهر في عهد تحرير أسعار المحروقات. فبينما انهارت أسعار الغازوال دوليا بـ20%، فإن الأسعار في محطات الوقود لم تتراجع سوى بـ%0,89. نفس الأمر بالنسبة للشهر الذي تلاه، إذ واصلت أسعار الغازوال انكماشها دوليا، مسجلة انخفاضا بـ16% في يناير 2016، إلا أن الأسعار في المحطات لم تتراجع سوى بـ%2,56. على العكس من ذلك، لما ارتفعت هذه الأثمان بـ%14,43 في ماي 2016، فإن الموزعين زادوا في الأسعار بـ10%. ولكن فاعلا في المجال حاول التخفيف من هذا الوضع بالقول إنه ” منذ سبعة أو ثمانية أشهر، لم يتم عكس عدة ارتفعات في الأسعار على محطات الوقود، لأننا ندرك أنه هناك عتبة سيكولوجية لن يقبل الناس تجاوزها”، ولكنه هنا يشير إلى الفترة الزمنية التي لم يشملها تقرير لجنة بوانو.
كعكة بملايير الدراهم
للتحكم في الأسعار يظل التخزين هو عصب الحرب. فالتوفر على إمكانية شراء كميات كبيرة من المحروقات حين تكون الأسعار الدولية منخفضة، يخول لشركات النفط التحكم أكثر في السوق، واللعب على كميات المخزون للرفع من هامش الربح. وهذا هو حال كل من “أفريقيا” و”طوطال” و”شيل”، التي تملك 50% من قدرات تخزين الغازوال بالمغرب، وهي في الآن ذاته تهيمن على الجزء الأكبر من السوق.
وحسب التقرير الأولي للجنة البرلمانية، فإن شركات النفط تتقاسم فيما بينها 15 مليار درهم من الأرباح الإضافية. أمام هذا الرقم المهول، حاولنا التحقق من مدى تطابقه مع حسابات الشركات الفاعلة بالمغرب، وأخذنا على سبيل المثال شركة “طوطال” المدرجة بالبورصة والتي لها حسابات منشورة ومشهود على صحتها. حسب التقرير الأولي، باعت “طوطال” 793 ألف طن من الغازوال في 2016. وإذا اعتبرنا أن طنا من الغازوال يعادل 1250 لترا، وأن هامش الربح الإضافي في اللتر هو 0,96 درهما، فإن الهامش الإضافي لطوطال بخصوص الغازوال في 2016، حسب المعطيات التي اعتمد عليها البرلمانيون، هو 951 مليون درهم. والحال أن “طوطال” هذه أعلنت عن هامش ربح خام يصل إلى 393 مليون درهم في 2015، مقابل 1,3 مليار درهم في 2016. وتظهر حسابات هذه الشركة أنها حققت هامش ربح إضافي يصل إلى 907 ملايين درهم في السنة التي تلت عملية تحرير الأسعار. وباتباع نفس العملية الحسابية بخصوص 2017، نخلص إلى أن هذا الهامش وصل إلى 683 مليون درهم حسب حسابات “طوطال”، و987 مليون درهم حسب التقرير الأولي للجنة البرلمانية. وهذا يعني أن الشركة راكمت في سنتين 1,9 مليار درهم حسب لجنة بوانو، و1,6 مليارد درهم وفقا لحساباتها.
وبالجمع بين هوامش الأرباح الإضافية التي قام البرلمانيون بحسابها لكل الشركات على مدى سنتين، نصل إلى 15 مليار درهم. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفرق الملاحظ بين الطريقة التي تم اعتمادها من طرف اللجنة وتلك المتبعة في حسابات طوطال، وهو في حدود 15%، فإننا نصل إلى هوامش ربح متراكمة تصل في سنتين إلى 12,9 مليار درهم(…) تخرج من جيوب المغاربة إلى حسابات هذه الشركات.
“تيل كيل” بالفرنسية
عن موقع : فاس نيوز ميديا