تناولت افتتاحيات الصحف الصادرة يوم الجمعة 17 مارس الجاري، باهتمام كبير موضوع إعفاء الملك محمد السادس، للأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” عبد الإله بنكيران، من المهمة التي كلفه إياها الملك منذ تعيينه رئيسا للحكومة عقب انتخابات السابع أكتوبر من العام الماضي.
الافتتاحيات والمقالات تداولت كذلك السيناريوهات المحتملة لتشكيل الأغلبية الحكومية، بعد فشل بنكيران في تشكيلها لمدة تزيد عن خمس أشهر، واحتمالات فشل رئيس الحكومة الذي سيخلف بنكيران في مهمته التي أخفق فيها.
بوعشرين: القصر لم يعد قادرا على الاشتغال مع بنكيران كشخص
البداية مع توفيق بوعشرين، مدير نشر يومية “أخبار اليوم”، الذي قال في افتتاحيته، إن “أول ملاحظة يقف عندها المراقب لنظام الرموز التي تستعملها “دار الملك” إزاء رعاياها، هي امتناع الملك شخصيا عن لقاء بنكيران، وتكليفه أربعة مستشارين بتبليغه بالخبر المفاجئ”، مضيفا أنه ” في الغالب لم يكن الملك يريد أن يبلغ بنفسه القرار لرئيس حكومته، ربما لطفا منه، أو ابتعادا عن الحرج، أو تعبيرا عن الضيق من الوافد الجديد على دار المخزن، الذي وصل إلى ما يشبه القطيعة مع القصر حتى قبل إجراء الانتخابات الأخيرة”.
وأشار بوعشرين إلى أن ثاني ملاحظة في الشكل دائما هي أن بلاغ الديوان وعلى غير العادة كان طويلا وتضمن شروحات وتفسيرات ومبررات لاتخاذ قرار مماثل.
وأضاف أنه: “من حيث الجوهر، فإن قرار الملك، طي صفحة بنكيران والمرور إلى اسم آخر من داخل الحزب، مع الإشارة إلى وجود خيارات دستورية أخرى، معناه أن مرحلة انتهت، وأن مرحلة أخرى بدأت، وأن الوقت جاء لتثبيت ميزان القوى الجديد، وقراءة حقائقه بعيدا عن الربيع العربي، وبعيدا عن موجة التصويت السياسي التي قادت حزب المصباح إلى تسجيل انتصارات غير مسبوقة في ثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية في 2011 و2015 و2016”.
أما الدلالة الثانية لبلاغ الديوان الملكي، الذي سيدخل إلى قائمة البلاغات التاريخية، حسب بوعشرين، فهي أن القصر لم يعد قادرا على الاشتغال مع بنكيران كشخص، بعد إن ازدادت شعبيته في الشارع، وازداد إصراره على “الممانعة” وعلى اجترار خطاب شعبي، لم تعد نبرته تروق دار المخزن، بالرغم من ولاء بنكيران غير المشكوك فيه للملكية، وحبه لمحمد السادس.
وجاء في الافتتاحية كذلك قوله إن: “الدولة غير قادرة في هذه المرحلة على ترك العدالة والتنمية ينزل إلى المعارضة ليواجه حكومة من أحزاب هشة بلا قاعدة اجتماعية ولا سمعة سياسية، كما أن نزول المصباح إلى المعارضة معناه إعطاء قبلة الحياة لبنكيران ليعود بقوة إلى المشهد السياسي، ليمارس الوظيفة التي يتقنها أكثر من من غيرها بنيكران وحزبه”.
واختتم بوعشرين افتتاحية بما يلي :”يوجد حزب العدالة والتنمية اليوم في مفترق طرق حساس، أمامه إكراهات عدة، فمن جهة هو لا يريد القطيعة مع القصر، ومن جهة أخرى هو لا يريد التفريط في استقلالية قراره ولا في وحدة صفوفه، وبين كل هذا هناك طموحات وأطماع ومخاوف مما يعتري نفوس البشر كل البشر أما حكاية الانتقال الديمقراطي فهي حكاية لا محل لها من الإعراب الآن”.
المساء: هناك من يتعامل مع بنكيران بمنطق “مالك مزغب”
المساء أوردت في ركن “مع قهوة الصباح” أن “الملك تدخل لأنه رأى في ذلك تفعيلا لاختصاصاته، ولم يتجاوز بهذه الخطوة ما جاء في الدستور، أما بنكيران فيبدو أنه استراح وأراح خصومه، إذ يكون بذلك قد تجنب مطب تقديم الاستقالة، من جهة، وجنب البلاد الدخول في متاهة انتخابات جديدة، من جهة ثانية”، لتضيف “بنكيران جنب حزبه الوقوع في فخ المحظور بعد أن كانت بعض الأصوات قد لوحت بالخروج إلى المعارضة، من جهة ثالثة”.
وأضافت اليومية في ذات الركن، بالقول: “صحيح بنكيران ارتكب أخطاء بالجملة في تدبيره للمشاورات الحكومية، التي كان من الممكن أن تسير في اتجاه آخر، لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك من أصر في المقابل على وضع العصا، في عجلة المشاورات، وتعامل مع الرجل بمنطق “مالك مزغب” دون استحضار لمصلحة البلاد”.
وأكدت المساء أن الكرة الآن في ملعب “البيجيدي”، الذي نعتقد أنه لن يرفض الحل الملكي، فالقصر مازال يضع ثقته في الحزب، وبغض النظر عن الاسم الذي سيتم اختياره أو سيقبل بخلافة بنكيران، فإن الأهم لدى الحزب هو أنه يبقي المرشح الأول لتولي قيادة حكومة عاشت مخاضا عسيرا وأن لها أن تخرج من عنق الزجاجة”.
نيني: احتمال تعيين حكومة تقنقراط وارد
ننتقل إلى يومية “الأخبار”، حيث نقر من عمود “شوف تشوف” لمدير نشرها، رشيد نيني، أن “هناك احتمال أن لا يقبل حزب العدالة والتنمية تشكيل الحكومة بشخصية أخرى، وبالتالي يكون الحزب قد وضع نفسه خارج أسوار الحكومة وبالتالي فإن الملك بوصفه الضامن لحسن سير المؤسسات لن ينتظر إلى أن يقرر حزب العدالة والتنمية المشاركة في الحكومة وسيعتبر أن الحزب اختار مكانه في المعارضة”.
وأوضح نيني في عموده “شوف تشوف”، أنه “في حالة فشل رئيس الحكومة المعين رقم اثنين، أو في حالة رفض حزب العدالة والتنمية تفويض شخص آخر بعد بنكيران لتشكيل الحكومة، فإن هناك حديثا متعاظما حول احتمال تعيين شخصية تكنقراطية على رأس حكومة غير حزبية”.
نيني أشار إلى أن الانسجام مع الخيار الديمقراطي الذي ينص عليه الدستور، يعني أن الإمكانية المتاحة لحل الاحتباس الحكومة جد ضيقة، بحيث “يتم تعيين حكومة تكنوقراطية ويتم حل البرلمان ويدعى إلى انتخابات سابقة لأوانها ستعكس نفس نتائج انتخابات أكتوبر الماضي”.
وأما الخيار الأخر المطروح، حسب مدير يومية “الأخبار”، فيكمن في تعديل الدستور بحيث تم التنصيص على إسناد مهمة تشكيل الحكومة إذا فشل الحزب الأول في هذه المهمة، فإن النتيجة واضحة”.
وعاد نيني ليؤكد أنه من المحتمل جدا أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط يعهد إليها بتسيير البلاد لسنة أو أكثر، وإعلان تعديل دستوري خلالها لوضع مخرج قانوني لتجنب البلوكاج في حالة فوز العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى وعجزه عن تشكيل الحكومة، بحيث يتم التنصيص على فصل يعطي الأحقية في تشكيل الحكومة للحزب الذي يأتي في المرتبة الثانية.
“الصباح”: ستالينية “البيجيدي” ستجعل تعيين شخصية من نفس الحزب محفوفا بجميع أنواع الفشل
افتتاحية “الصباح” لم تختلف كثيرة عما ذهب إليه مدير يومية “الأخبار”، بحيث كتب خالد الحري في الافتتاحية، أن ّبلاغ الديوان الملكي، القاضي بإعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، وجه رصاصة إلى البلوكاج الحكومي، لكنه لم يرده قتيلا، إذ مازال علينا انتظار نهاية شوط جديد (يعلم الله وحده كم سيطول) يبدأ من تعيين شخصية ثانية من العدالة والتنمية، وقد لا ينتهي، بالضرورة بالإعلان عن ثالث حكومة في ظل الدستور”.
وأضافت الافتتاحية، أن “كل شيء مبني للمجهول، إلى حد الآن، وكل الاحتمالات والسيناريوهات واردة ومفتوحة، بما فيها فشل الفرصة الثانية الممنوحة إلى الحزب، الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب، وضمنها أيضا سيناريو تعيين شخصية تكقراطية من خارج الأحزاب، أو حتى إعادة الانتخابات التشريعية لفرز أغلبية برلمانية جديدة”.
وقال كاتب الافتتاحية، إن “ستالينية العدالة والتنمية ستجعل مشروع تعيين شخصية ثانية من العدالة والتنمية محفوفا بجميع أنواع الفشل، إذ سيجد المغاربة أنفسهم أمام السيناريو نفسه الذي بدأه بنكيران، أي لا تشاور ولا قرارات خارج مظلة الأمانة العامة للحزب التي عبرت عن موقفها الواضح من التشكيلة الحكومية، التي ترغب فيها، أي الحكومة نفسها التي قادت التجربة بين 2012 و2016 دون زيادة أو نقصان”.
وأكدت الافتتاحية أنه سيكون من الصعب الحلم بأي اختراق في “البلوكاج” الحكومي في الأفق المنظور، مادام “لم يعبر أي من الشخصيات المطروحة للتداول عن موقف مغاير لقرارات الأمانة العامة للحزب” يضيف كاتب الافتتاحية.
وقالت اليومية، إن “البيجيدي تضخمت أناه السياسية حتى تجاوزت حدود اللياقة مع الجميع، باسم شرعية صناديق الانتخابات، رغم وجود شرعيات أخرى لا ينبغي أن تغيب عن ذهن ممارس السياسية في المغرب”.
“الأحداث المغربية”: الملك ليس لديه مشكل في أن يحكم مع الإسلاميين
ونختتم جولتنا الصحفية مع يومية “الأحداث المغربية”، التي أوردت أن “بنكيران لم يغير من منهجيته التفاوضية، ولم يطلب إعفاءه، وتأخر كثيرا في طلب لقاء الملك لعرض تفاصيل الأزمة عليه دون أن يبدي استعداده للانسحاب من خشبة العرض”، مضيفة: “لقد بدا وكأنه يريد تصدير الأزمة إلى القصر الملكي، ويبقى محتفظا بالمفاتيح بين يديه”.
وأشارت اليومية في خبر تحت عنوان “الملك ينتصر للدستور وصناديق الاقتراع”، إلى أن الحال وبموجب الدستور والخيار الديمقراطي، أنه لا يمكن للملك أن يفاوض الأحزاب نيابة عن بنكيران، ولا أن يقوم بالتحكيم بين بنكيران وحلفائه المحتملين، الملك لا يشكل أغلبية ولا يحكم إلا بين المؤسسات وليس الأحزاب”.
اليومية قالت: “إن بلاغ الديوان الملكي أكد أن الملك ليس لديه المشكل في أن يحكم إلى جانب الإسلاميين، حين امنحهم صناديق الاقتراع الصدارة، لكنه في نفس الوقت يقول إنهم لا يجب أن يكونوا عائقا أمام السير العادي للمؤسسات ويعرضوا مصالح الوطن والمواطنين للضرر”.
وختمت اليومية خبرها، بالقول: “إن الفيصل الحاسم في الموقف من الإسلاميين وفق هذا المنظور، هو مدى قدرتهم على التعاون مع باقي الشركاء السياسيين وتفادى حسابات الذات الحزبية الضيقة لصالح حسابات عدم تعطيل مرافق الدولة”.