قانون المسطرة الجنائية
كما تم تعديله وتتميمه بمقتضى القانون رقم 23.05 والقانون رقم 24.05
الجريدة الرسمية عدد 5374 بتاريخ 28 من شوال 1426 (فاتح ديسمبر2005)
ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 ( 3 أكتوبر 2002 ) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1424 (30 يناير2003)
– – –
الحمد لله وحده،
الطابع الشريف – بداخله:
( محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف الله وليه )
يعلم من ظهيرنا الشريف هذا، أسماه الله وأعز أمره أننا:
بناء على الدستور ولا سيما الفصلين 26 و58 منه،
أصدرنا أمرنا الشريف بما يلي:
ينفذ وينشر بالجريدة الرسمية، عقب ظهيرنا الشريف هذا، القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، كما وافق عليه مجلس المستشارين ومجلس النواب.
وحرر بمراكش في 25 من رجب 1423 ( 3 أكتوبر 2002).
وقعه بالعطف:
الوزير الأول
الإمضاء: عبد الرحمن يوسفي
قانون رقم 22.01 يتعلق بالمسطرة الجنائية
ديباجة
أصبح الاقتناع راسخاً بتغيير قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 10 فبراير 1959 منذ بداية السبعينات من القرن الماضي. وقد تدخل المشرع بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر في 28 شتنبر 1974 ليدخل تعديلات مهمة على ذلك القانون. وكرس في فصله الأول قناعته بتغيير قانون 1959 معتبراً ما تضمنه قانون الإجراءات الانتقالية مجرد تغييرات مرحلية يعمل بها إلى حين دخول » القانون الجديد للمسطرة الجنائية في حيز التطبيق«.
وقد كشفت الممارسة اليومية عن وجود عدة ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية أو بالواقع الاجتماعي ينبغي التصدي لها وتقديم حلول وأجوبة لما تطرحه من إشكاليات. كما أن مصادقة المملكة المغربية على جملة من المواثيق والاتفاقيات الدولية أصبحت تفرض تدخل المشرع من أجل ملاءمة قانونه مع التوجه العالمي. يضاف إلى ذلك الطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق الإنسان ببلادنا، والحرص على صيانة هذه الحقوق وحماية الحريات الفردية والجماعية، و بناء دولة الحق والقانون.
وقد وجدت أسباب أخرى دعت إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية والتعجيل بإخراجه إلى حيز التطبيق من بينها:
– إن نظام العدالة الجنائية لم يعد مبعث ارتياح لدى مختلف الفعاليات المهتمة على كافة الأصعدة، وأصبح محل انتقاد من المهتمين والمتتبعين نتيجة بطء الإجراءات وعدم فعاليتها بسبب عدم جدوى الأساليب الإجرائية المقررة أو عدم كفايتها، أو لكون الآجال المسطرية طويلة أو غير محددة بالمرة؛
– تصاعد ظاهرة الجريمة، وظهور أنواع جديدة من الجرائم مرتبطة بالتقدم العلمي والتكنولوجي وبالظروف الاجتماعية والاقتصادية، أبان عن قصور المسطرة الجنائية الحالية في مكافحتها؛
– تضخم عدد القضايا المعروضة على العدالة الجنائية بشكل بات معه البت في قدر هائل منها بواسطة تشكيلات القضاء الجماعي يؤدي إلى زيادة تراكمها رغم بساطة بعضها.
وعلى العموم فقد كان هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفقاً للنمط المتعارف عليه عالمياً و احترام حقوق الأفراد وصون حرياتهم من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة أخرى، عناصر أساسية شكلت نقطة مركزية أثناء إعادة النظر في قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959، والظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الجنائية الصادر سنة 1974 لجعلهما يواكبان ترسيخ بناء دولة الحق والقانون مع تلافي كل السلبيات التي أفرزتها تجربة الأربعين سنة الأخيرة من الممارسة باستحضار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع المغربي مع الحفاظ على الأسس المستقرة في التراث القضائي ودعم المكتسبات التي حققها التشريع الوطني في مجال حقوق الإنسان بمقتضى التعديلات التي أدخلت على قانون المسطرة الجنائية خلال التسعينات سواء فيما يتعلق بمدة الحراسة النظرية أو توفير حق الدفاع للمتهمين أو إشعار عائلات المعتقلين بوضعهم تحت الحراسة النظرية، أو حقهم في أن يعرضوا على طبيب لمعاينتهم بطلب منهم أو إذا عاين القاضي ما يبرر ذلك ودعم هذه المكتسبات على نحو يتماشى مع المفهوم الكوني لحقوق الإنسان في الوقت الراهن.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كان من الضروري تبني المعايير الدولية للمحاكمة العادلة تشريعياً. وفي هذا الصدد فإن القانون الحالي يحتوي بالإضافة إإلى الكتاب التمهيدي على ثمانية كتب هي:
– الكتاب الأول: التحري عن الجرائم ومعاينتها؛
– الكتاب الثاني: الحكم في الجرائم؛
– الكتاب الثالث: القواعد الخاصة بالأحداث؛
– الكتاب الرابع: طرق الطعن غير العادية؛
– الكتاب الخامس: المساطر الخاصة؛
– الكتاب السادس: تنفيذ المقررات القضائية والسجل العدلي ورد الاعتبار؛
– الكتاب السابع: الاختصاص المتعلق ببعض الجرائم المرتكبة خارج المملكة والعلاقات مع السلطات القضائية الأجنبية؛
– الكتاب الثامن: أحكام مختلفة وختامية.
وقد اهتم قانون المسطرة الجنائية بإبراز المبادئ والأحكام الأساسية في مجال حقوق الإنسان وتوفير ظروف المحاكمة العادلة، وكان توجهه الأساسي يرمي إلى تحقيق تلك المبادئ السامية والمحافظة عليها باعتبارها من الثوابت في نظام العدالة الجنائية المعاصرة، ولذلك فقد حرص على إقرار المبادئ التالية:
– أن تكون المسطرة الجنائية منصفة وحضورية وحافظة لتوازن حقوق الأطراف؛
– أن تتضمن الفصل بين السلطات المكلفة بممارسة الدعوى العمومية والتحقيق وسلطات الحكم؛
– أن تتم محاكمة الأشخاص الموجودين في شروط مماثلة والمتابعين بنفس الأفعال على أساس نفس القواعد؛
– أن كل شخص مشتبه فيه أو متابع تفترض براءته ما دامت إدانته غير مقررة بمقتضى حكم نهائي. وكل مساس ببراءته المفترضة محرم ومعاقب عليه بمقتضى القانون؛
– أن يفسر الشك دائماً لفائدة المتهم؛
– أن يتمتع كل شخص بالحق في العلم بجميع أدلة الإثبات القائمة ضده ومناقشتها وأن يكون له الحق في مؤازرة محام؛
– أن تسهر السلطة القضائية على الإخبار وعلى ضمان حقوق الضحايا خلال مراحل المسطرة الجنائية؛
– أن يقع البت في التهم المنسوبة إلى الشخص داخل أجل معقول؛
– كل شخص مدان له الحق في أن يطلب إعادة فحص التهم المنسوبة إليه والمدان من أجلها أمام محكمة أخرى عبر وسائل الطعن المحددة في القانون.
ويمكن اختصار أهم المبادئ التي تضمنها القانون فيما يلي:
• قرينة البراءة:
نصت المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية على اعتبار البراءة هي الأصل إلى أن تثبت إدانة الشخص بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. هذا المبدأ يكرس ما تضمنه الدستور من أن المملكة المغربية تتعهد « بالتزام ما تقتضيه المواثيق (الدولية) من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً ».
والجدير بالذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1948 كان قد نص على هذا المبدأ في مادته الحادية عشرة كما يلي: « كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه»، وأكدته المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وبالإضافة إلى النص صراحة على قرينة البراءة، فإن قانون المسطرة الجنائية أحاطها بعدة تدابير عملية لتعزيزها وتقويتها من بينها:
– اعتبار الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية تدبيرين استثنائيين؛
– تحسين ظروف الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وإحاطتهما بإجراءات مراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية؛
– ترسيخ حق المتهم بإشعاره بالتهمة؛
– حقه في الاتصال بمحامي خلال فترة تمديد الحراسة النظرية، وحق المحامي في تقديم ملاحظات كتابية خلال تلك الفترة؛
– حقه في أن تشعر عائلته بوضعه تحت الحراسة النظرية؛
– إمكانية النشر الكلي أو الجزئي لقرار عدم المتابعة الذي يصدره قاضي التحقيق بالصحف بناء على طلب من يعنيه الأمر أو النيابة العامة؛
– منع تصوير شخص معتقل أو يحمل أصفاداً أو قيوداً أو نشر صورته أو اسمه أو أية إشارة تعرف به دون موافقة منه والمعاقبة على ذلك أو القيام بأية وسيلة كانت بنشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي يتعلق بشخص تجري في حقه مسطرة قضائية سواء كان متهماً أو ضحية دون موافقته.
• دور فعال للقضاء في مراقبة وتقييم وسائل الإثبات:
حرص القانون الجديد على إبراز دور القاضي في مراقبة وسائل الإثبات وتقدير قيمتها، وفي هذا الصدد أصبح القاضي ملزماً بتضمين ما يبرر اقتناعه ضمن حيثيات الحكم الذي يصدره. وأعيدت صياغة المقتضيات المتعلقة بإثبات الجرائم بشكل واضح.
كما نصت المادة 293 صراحة على عدم الاعتداد بكل اعتراف ينتزع بالعنف أو الإكراه. وهو مبدأ كرس ما نصت عليه المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان« لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة »، والمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبالإضافة إلى ذلك فإن القانون الجديد قد نص على خضوع الاعتراف نفسه للسلطة التقديرية للقضاة.
• تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة:
حرص قانون المسطرة الجنائية على تكريس هذا المبدأ الذي نادى به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 10)، وبينت خصوصياته المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد تم تدعيم هذا المبدأ وتعزيزه بالنص صراحة على ضمانات أخرى من بينها:
– ضرورة استعانة ضابط الشرطة القضائية بمترجم إذا كان الشخص المستمع إليه يتحدث لغة أو لهجة لا يحسنها ضابط الشرطة القضائية، أو استعانته بشخص يحسن التخاطب مع المعني بالأمر إذا كان أصما أو أبكما، وإمضاء المترجم على المحضر (المادة 21)؛
– التأكيد على هذه الضمانة كذلك أمام النيابة العامة (المادة47) بالإضافة لترسيخها أمام قضاء التحقيق وقضاء الحكم؛
– تقوية دور المحامي أثناء الاستنطاق الذي تقوم به النيابة العامة للمتهم في حالة تلبس، إذ أصبح من حقه أن يلتمس إجراء فحص طبي على موكله أو يدلي نيابة عنه بوثائق أو إثباتات كتابية أو يعرض تقديم كفالة مقابل إطلاق سراحه (المادتان73 و74)؛
– تحديد آجال لإنجاز الإجراءات القضائية وللبت في القضايا لتحقيق السرعة والفعالية في أداء العدالة الجنائية ولا سيما في قضايا المعتقلين، ومن ذلك ما نصت عليه (المواد 180، 196، 215، 234، 381، 528 و 540…)؛
– فتح طرق أخرى لتبليغ الاستدعاءات والمقررات القضائية بإمكانها تسريع وتيرة البت في القضايا. وتتمثل هذه الطرق في اللجوء إلى الوسائل والكيفيات المشار إليها في الفصول 37، 38، و39 من قانون المسطرة المدنية، بالإضافة للتبليغ بواسطة الأعوان القضائيين وأعوان المحاكم أو بالطريقة الإدارية.
– الحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية و قيم وتقاليد المجتمع المغربي في معاملة المرأة. والنص في هذا الخصوص على احترام حرمة النساء وعدم تفتيش المرأة إلا بواسطة جنسها (المادتان 60 و81).
– تعزيز مراقبة حقوق المعتقلين والسجناء، بالنص على زيارة المؤسسات السجنية من قبل قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الأحداث وقضاة تطبيق العقوبات ورئيس الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف، وذلك بكيفية دورية ومنتظمة. علاوة على الدور الذي تقوم به اللجنة الإقليمية التي يترأسها الوالي أو العامل، والتي دعم القانون الجديد تركيبتها البشرية بإشراك فعاليات المجتمع المدني (الجمعيات المهتمة) وتوسيع دائرة القطاعات الحكومية المشاركة فيها، وتمديد صلاحياتها لتشمل مراقبة المؤسسات المكلفة برعاية الأحداث الجانحين (المواد 249، 616، 620 و621).
– تقوية مراقبة القضاء لأعمال الشرطة القضائية، حيث أصبح متعيناً على وكيل الملك معاينة أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية مرة كل أسبوع على الأقل، للتحقق من شرعية الاعتقال وظروفه. كما أصبحت النيابة العامة ملزمة بتقييم أداء ضباط الشرطة القضائية وتنقيطهم. وهو ما سيمكن رؤساءهم الإداريين من التعرف بكيفية منظمة على مؤهلاتهم وقدراتهم ومجهوداتهم في مجال الشرطة القضائية، مع المحافظة على صلاحيات الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف كسلطة تأديبية بالنسبة لضباط الشرطة القضائية.
– النص على إشراف وزير العدل على السياسة الجنائية وتبليغها للوكلاء العامين للملك للسهر على تطبيقها (المادة 51).
– النص على وجوب أن تكون التعليمات التي يعطيها وزير العدل للنيابة العامة – بحكم تبعيتها له- مكتوبة (المادة 51).
– تعريف المحضر الذي ينجزه ضباط الشرطة القضائية وتحديد الشكليات المتطلبة في إنجازه توخياً للدقة والضبط وسلامة الإجراءات.
– وجوب إشعار المشتكي بقرار الحفظ الذي تتخذه النيابة العامة بشأن شكايته داخل 15 يوماً من اتخاذه ليمكنه سلوك الإجراءات التي يخولها له القانون للحفاظ على حقوقه.
– توضيح مسطرة التعاون القضائي مع الدول الأجنبية، وإدراج مسطرة تسليم المجرمين ضمن قانون المسطرة الجنائية بشكل ملائم لمقتضيات القانون الدولي.
– تناول القانون مسطرة الإكراه البدني بكيفية منسجمة مع ما تضمنه القانون رقم 97.15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.00.175 الصادر في 28 من محرم 1421 (3 ماي 2000)، سواء من حيث مدة الإكراه البدني أو من حيث المسطرة أو أسباب الإعفاء(المواد 635 وما يليها إلى 647) واعتبر الإعسار سببا لعدم تطبيق الإكراه، وأقر مراقبة قضائية مسبقة على طلبات الإكراه، مع الإبقاء على حق الطعن في صحة إجراءاته أو في الصعوبات التي تعترض تطبيقه، ورفع السن الأدنى لتطبيق الإكراه البدني من 16 إلى 18 سنة وخفض السن الأقصى إلى 60 سنة بدل 65 سنة.
– تمت مراجعة بعض آجال رد الاعتبار بتخفيضها على نحو يكفل إعادة إدماج الأشخاص المستفيدين منه في المجتمع (المواد 688 و689 و692).
وبالإضافة إلى هذه المبادئ الأساسية فإن القانون أتى بمستجدات هامة الهدف منها توفير ظروف مثلى للمحاكمة العادلة وتدعيم مبادئ حقوق الإنسان في المحاكمة الجنائية وحماية حقوق الأفراد متهمين كانوا أم ضحايا أو شهوداً من جهة، وإعطاء نظام العدالة الجنائية الوسائل الضرورية لمكافحة الجريمة وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان والقانون المقارن من جهة أخرى آخذاً بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع المغربي والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة لنظام العدالة الجنائية ببلادنا.
ومن أهم المستجدات:
أولاً: آليات جديدة لمكافحة الجريمة وحماية الضحايا
اتجه القانون نحو القضاء الفوري على آثار الجريمة والحفاظ على الوضعيات التي كانت قائمة قبل ارتكابها، كما أوجد آلية جديدة ترمي إلى رأب الصدع الذي يمكن أن يطال العلاقات الاجتماعية، مستهدفاً تحقيق الصلح بين الخصوم، علما أن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين كان قد تبنى هذا التوجه وأقره في إعلان فيينا خلال شهر أبريل 2000، حيث قرر استحداث » خطط عمل وطنية وإقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة تشمل آليات للوساطة والعدالة التصالحية« وقرر أن يكون عام 2002 هو الموعد المستهدف لكي تراجع الدول ممارساتها في هذا الشأن.
1. إرجاع الحالة في حالة الاعتداء على الحيازة إلى ما كانت عليه:
وهي سلطة تمكن النيابة العامة من إرجاع الحيازة إلى الأشخاص الذين كانت لديهم بمقتضى حكم قضائي ثم انتزعت منهم بفعل اعتداء جرمي يتم بعد تنفيذ الحكم باسترداد الحيازة، وهو إجراء سيكون من شأنه تلافي استمرار اثر الجريمة قائما في انتظار صدور حكم قد تطول إجراءاته. ويقع هذا الإجراء تحت مراقبة القضاء الذي له أن يقره أو يلغيه أو يعدله (المادتان 40 و49).
2. رد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها:
وهو إجراء يمكن ذوي الحقوق من أن يتسلموا فوراً ممتلكاتهم المنقولة التي سلبت منهم من جراء فعل جرمي كالسرقة أو خيانة الأمانة، وتجنب حرمانهم منها أو تلفها أو تضررها بمستودعات المحاكم في انتظار صدور حكم نهائي. وذلك ما لم تكن محل نزاع أو لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة(المادتان 40و49).
3. الصلح بين الخصوم:
أصبح التشريع الجنائي الدولي الحديث يولي اهتماماً كبيراً لضحايا الجرائم الذين تم تجاهلهم وإقصاؤهم في وقت تنامى فيه الاهتمام بالجناة. ولذلك فإن من أسباب الاطمئنان إلى العدالة الجنائية تمكن الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عبر تسوية حبية دون اللجوء إلى حكم قضائي، علماً أن من أسباب استقرار الأمن واستتباب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تصالح بين طرفي الخصومة المباشرين. وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع وجبر الضرر والقضاء على الفتن والاضطرابات والحد من النزعات الانتقامية لدى الضحايا. وهذا التدبير أحدث حلاً وسطاً بين قراري الحفظ والمتابعة اللذين تملكهما النيابة العامة إذ سيمكن من تجنب متابعة المتهم وفي نفس الوقت يقدم حلاً للضحية بالحفاظ على حقوقه ويصون حقوق المجتمع.
ويهم هذا التدبير جنحاً محددة على سبيل الحصر تتسم بكونها لا تعتبر خطيرة على النظام العام ويقتصر ضررها الظاهر على أطرافها الذين يعتبر رضاهم ضرورياً لتحقيق المصالحة.
وقد قيد هذا التدبير بمراقبة القضاء الذي له أن يتأكد من وقوعه بحضور الأطراف ودفاعهم قبل إقراره بأمر قضائي يصدره رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه (المادة41).
4. إيقاف سير الدعوى
إن بعض النزاعات التي تقع بين الأفراد وترفع إلى المحاكم، يكون من شأن استمرار عرضها على القضاء التأثير على الروابط والعلاقات الإنسانية القائمة بين طرفي النزاع خاصة حين لا يكون الضرر الإجتماعي ذا أهمية بالغة.
ورغبة في الحفاظ على هذه الروابط التي يؤدي الحكم فيها إلى أضرار لا تتحقق معها المصلحة العامة، فقد أحدث هذا القانون آلية جديدة نصت عليها المادة 372 يمكن بمقتضاها للمحكمة في بعض الجرائم، إذا تنازل الطرف المتضرر أثناء سريان الدعوى، أن تأمر بإيقاف سير إجراءات الدعوى العمومية وذلك بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة، مع إمكانية مواصلة النظر في الدعوى بطلب من النيابة العامة كلما طرأت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية ما لم تكن قد انقضت بأحد أسباب السقوط كالتقادم وغيره.
وتتوخى هذه الإمكانية الحفاظ على الروابط الاجتماعية وإذكاء فضائل التعايش والتسامح.
5. السند التنفيذي للنيابة العامة في المخالفات
إن المسطرة التي كان معمولاً بها تعطي للقضاة حق إصدار أوامر قضائية في غيبة الأطراف في المخالفات التي لا يعاقب عنها بعقوبات سالبة للحرية ولا يظهر فيها متضرر وذلك بناء على ملتمسات النيابة العامة، وهو ما يضعنا أمام مسطرة طويلة ومعقدة تستهلك وقتاً طويلاً ومجهوداً فائقاً من عدة أطراف (الشرطة القضائية – كتابة النيابة العامة – وكيل الملك – كتابة الضبط – القاضي) لينتهي الأمر بصدور أمر بغرامة بسيطة يملك المحكوم عليه حق التعرض عليها.
وقد استهدف القانون تقليص وقت البت في هذا النوع من القضايا واختزال المجهودات البشرية والمادية التي تنفق لإنجازه، ومنح للنيابة العامة حق اقتراح أداء غرامة جزافية لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للمخالفة، وفي حالة عدم موافقته تعرض القضية على القضاء للبت فيها وفقاً للمسطرة الحضورية العادية، وبالمقابل فإن الاقتراح يصبح سنداً قابلاً للتنفيذ في حالة قبول المخالف به أو عدم تعرضه عليه (المواد 375 إلى 382).
6. دور النيابة العامة في حماية المجتمع ومحاربة الجريمة:
نظراً لتنامي وتزايد ظاهرة الجريمة وتعقد أساليبها وامتداد أنشطة شبكاتها عبر حدود الدول واستغلالها لوسائل التكنولوجيا الحديثة. وحرصاً على تفادي التأخير في إنجاز الأبحاث والحيلولة دون فرار المشتبه فيهم، فقد جاء هذا القانون بمقتضيات تخول للنيابة العامة (وقاضي التحقيق كذلك) وسائل جديدة للبحث عن أدلة لإثبات الجرائم وضبط مرتكبيها من أجل محاكمتهم، من بينها:
أ) سحب جواز السفر وإغلاق الحدود:
بالإضافة للإمكانية المتاحة أمام هيئة الحكم وهيئة التحقيق بمقتضى المادة 182، يمكن للنيابة العامة إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث التمهيدي أن تسحب جواز سفر المشتبه فيه وتغلق الحدود في وجهه لمدة لا تتجاوز شهراً واحداً،ويمكن تمديد هذا الأجل لغاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه، وينتهي مفعول الإجراءين في كل الأحوال بإحالة القضية على هيئة الحكم أو التحقيق أو باتخاذ قرار بحفظ القضية (المادتان 40 و49).
وهذا الإجراء يتيح للأجهزة المكلفة بمكافحة الجريمة فرصة كافية للتثبت من الجرائم وجمع الأدلة، ويعتبر بالنسبة للمشتبه فيه إجراء ناجعاً في عدة أحوال إذ يمكنه من وقت أوسع للبحث عن وسائل للدفاع عن نفسه، ويعد في نفس الوقت إجراء كفيلاً بضمان حضور المتهم من غير اللجوء إلى وضعه تحت الحراسة النظرية.
ب) التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وحجزها:
هذه الإمكانية مخولة لقاضي التحقيق، كلما اقتضتها ضرورة التحقيق. ويمكن كذلك للوكيل العام للملك إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث أن يلتمس من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصالات المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها. ويتم ذلك تحت سلطته ومراقبته.
ونظراً لخطورة الإجراء فإن القانون اعتبره إجراء استثنائياً ووضعه أساساً بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه، واستثناء وإذا اقتضت ذلك ضرورة البحث في قضية غير معروضة على التحقيق يمكن للوكيل العام للملك أن يحصل على إذن من الرئيس الأول للقيام بهذا الإجراء في بعض الجرائم شديدة الخطورة على أمن المواطن وسلامة الوطن. وفي حالة الاستعجال القصوى يمكن للوكيل العام للملك بكيفية استثنائية إذا كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، أن يبادر إلى القيام بذلك الإجراء و إشعار الرئيس الأول على الفور، والذي عليه أن يقرر بشأن قرار الوكيل العام للملك خلال أربع وعشرين ساعة.
وقد حدد القانون مدة وشكليات هذا الإجراء بكل دقة وأحاطه بقيود صارمة تكفل حماية حرمة الأشخاص وعدم استغلال هذه الإمكانية خلافاً للقانون، وفرض عقوبات على مخالفتها (المواد من 108 إلى 116).
ج) إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض:
منح هذا القانون لوكيل الملك وللوكيل العام للملك الصلاحية لإصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين. ولقد كانت هذه النقطة تشكل عائقاً أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملاً في محاربة الجريمة إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني.
وفي القضايا الجنحية التي لا يمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي، نظراً لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر.
ويتوخى هذا القانون من هذا المقتضى الذي تضمنته المادتان 40 و49 تحقيق الفعالية اللازمة للعدالة الجنائية.
ثانياً: توفير أجوبة ملائمة للانحراف البسيط والمتوسط
بالنظر لكثرة بعض القضايا التي لا تكتسي خطورة بالغة، والتي أضحت تؤثر على سير وأداء عمل القضاء الجنائي، وتستغرق من الجهد والوقت ما ينبغي تخصيصه للقضايا المعقدة والشائكة، فقد قدم المشروع جواباً لذلك عبر آليتين:
1.القضاء الفردي؛
2.الأمر القضائي في الجنح.
1: القضاء الفردي
رغم أن تجربة القضاء الفردي كانت محل انتقاد جعل المشرع يعتنق نظام القضاء الجماعي منذ تعديل سنة 1993، إلا أنه لا يمكن إنكار الدور الإيجابي الذي لعبه القضاء الفردي خلال الحقبة التي طبق فيها في تصفية العديد من القضايا بالسرعة المطلوبة. ولذلك فإن القانون بتبنيه للقضاء الفردي من جديد في البت في القضايا التي لا تتجاوز العقوبات المقررة لها سنتين حبساً أو مجرد غرامة فقط، يكون قد توخى الحرص على سرعة وفعالية نظام العدالة الجنائية في معالجة هذا النوع من القضايا. وذلك مع ترك البت في القضايا الجنحية المهمة إلى القضاء الجماعي، مما سيوفر لهذا النوع من القضايا حظا أوفر من العناية ستنعكس بالإيجاب على مستوى المقررات القضائية (المادة 374).
2: الأمر القضائي في الجنح
أوجد القانون مسطرة مبسطة للجنح البسيطة التي يعاقب عنها فقط بغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف درهم ولا يظهر فيها مطالب بالحق المدني، إذا كانت ثابتة بمقتضى محضر أو تقرير. و تمكن هذه المسطرة القاضي من إصدار أمر بأداء الغرامة بناء على ملتمس النيابة العامة، والبت في غيبة المتهم والمسؤول عن الحق المدني بأمر يمكنهما التعرض عليه بعد تبليغه. ويتيح التعرض فرصة المحاكمة الحضورية العادية (المادة 383).
ثالثاً: ثنائية التحقيق
بالنظر إلى أن ظهير الإجراءات الانتقالية كان قد حول البت في الجنايات إلى محاكم الاستئناف ونقل قضاة التحقيق إلى هذه المحاكم، فإن التحقيق في الجنح أصبح رهيناً بوجود نص قانوني صريح يجيزه، وهو ما جعل مجموعة من الجنح التي تكتسي أهمية بالغة كالجرائم الاقتصادية وتزوير الوثائق، غير مشمولة بمسطرة التحقيق وهو ما قد لا يساعد على الكشف عن الحقيقة، علماً بأن تقليص مدة الحراسة النظرية لدى الشرطة القضائية قد أثر بدوره على نتائج الأبحاث في الحالات التي لم يكن ممكناً فيها الإفراج عن المشتبه فيهم.
وبالنظر لخطورة بعض الجنح والتي تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات حبسا أو أكثر.
وبالنظر كذلك إلى أن مشروع القانون الجنائي المرتقب قد يتبنى عقوبات تتجاوز خمس سنوات لبعض الجنح ذات الخطورة.
فقد أتى القانون بمسطرة التحقيق الاختياري بالنسبة للجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر بالإضافة للجنح التي يجيز أو يوجب نص خاص التحقيق فيها.
ولتحقيق هذه الغاية فقد تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحاكم الابتدائية بالإضافة لاستمرار المؤسسة الموجودة لدى محاكم الاستئناف.
رابعاً: بدائل للاعتقال الاحتياطي (الوضع تحت المراقبة القضائية)
لا يتضمن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شأنها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع. ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية.
ويتوخى القانون الجديد من إقرار هذه التدابير إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقداً لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية (المواد من 159 إلى 174).
خامساً: الجديد في طرق الطعن
1: استئناف القرارات الصادرة عن غرف الجنايات
لا يتوفر المتهم الذي يحاكم أمام غرفة الجنايات – ولو من أجل جنحة– سوى على درجة واحدة من التقاضي، علماً أن هذه الغرف تصدر أحكاماً تصل لحد الإعدام والسجن المؤبد بشأن الجنايات؛ في حين يتوفر المتهم الذي تحاكمه المحكمة الابتدائية على الحق في الاستئناف ولو كان متابعاً من أجل جنحة يعاقب عليها القانون بغرامة بسيطة فقط.
وهذا الوضع منتقد لأنه يهدر حق المتهم في التوفر على درجتين من درجات التقاضي، ويمس بمبدأ المحاكمة العادلة.
ولذلك فقد جاء القانون الجديد بمقتضيات تنص على إمكانية الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة عن غرف الجنايات لدى محاكم الاستئناف من قبل أطراف الدعوى.
ولتوفير مزيد من الضمانات للمحاكمة العادلة فإن غرفة الجنايات الاستئنافية التي تنظر في الطعن تتكون من رئيس وأربعة مستشارين لم يسبق لهم النظر في القضية. مع العلم أنه ضمانا لحسن سير العدالة وتقريب القضاء من المتقاضين فإن هذه الغرفة توجد بنفس محكمة الاستئناف التي توجد بها غرفة الجنايات التي أصدرت الحكم الابتدائي (المادة 457 ).
2: الطعن بالنقض في القرارات الجنائية القاضية بالبراءة أو الإعفاء
إن الوضع الحالي لا يتيح الطعن بالنقض في القرارات الصادرة عن غرف الجنايات إذا قضت بالبراءة أو بالإعفاء، ولذلك فإن المستفيد الوحيد من هذه الوضعية هو المتهم الذي لا يمكن للنيابة العامة أن تطعن بالنقض في مواجهته إذا صرحت غرفة الجنايات ببراءته أو بإعفائه.
والواقع أن هذه وضعية منتقدة، لكونها لا تضع الخصوم على قدم المساواة حيث يمكن للمتهم الطعن بالنقض في حالة إدانته، و لا يتاح هذا الحق للنيابة العامة بصفتها ممثلة للمجتمع ومدافعة عن النظام العام في حالة استفادة المتهم من البراءة أو من الإعفاء من العقوبة.
وهي من جهة أخرى لا تتيح الفرصة لتصحيح الأخطاء التي قد تعتري قرارات غرفة الجنايات، والتي – في حالة حدوثها – تجعل المتهم يفلت من العقاب رغم فظاعة الجرم المرتكب من قبله، علماً أن الطعن بالنقض لفائدة القانون لا يوفر إمكانية إصلاح الخطأ إلا من الناحية المبدئية، إذ لا يسمح بمعاقبة المتهم أو إعادة محاكمته رغم قبول الطعن (النقض لفائدة القانون).
ولذلك فإن القانون الجديد تخلى عن هذا المقتضى الذي كان مقررا في الفصل 576 من قانون 1959.
3: الطعن بإعادة النظر
أحدث القانون وسيلة طعن جديدة هي الطعن بإعادة النظر في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى حفاظاً على حقوق الأطراف، وذلك في الحالات الآتية:
– ضد القرارات الصادرة استناداً إلى وثائق صرح أو اعترف بزوريتها؛
– من أجل تصحيح أخطاء مادية؛
– إذا أغفل القرار البت في أحد الطلبات المعروضة بمقتضى بعض وسائل استدل بها؛
– في حالة عدم تعليل قرار المجلس الأعلى؛
– ضد القرار الصادر بعدم القبول أو بالسقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستدلال بها فيما بعد (المادتان 563 و 564 ).
سادساً: التوجهات الكبرى لحماية الأحداث
إذا كان الهدف الذي توخاه القانون الجديد هو حماية الأحداث الجانحين وتقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع، فإنه لم يقصر هذه الحماية على الحدث الجانح أو ضحية الجريمة فقط، وإنما شمل بها الأحداث الموجودين في وضعية صعبة كذلك (المواد من 512 إلى 517).
وقد سلك القانون الجديد في معالجته لقضايا الأحداث اعتماد مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل وأحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية وأقر عدة مقتضيات لبلوغ ذلك الهدف، من بينها:
– رفع سن الرشد الجنائي إلى 18 سنة ميلادية كاملة (المادة 458)؛
– إحداث نظام قاضي الأحداث بالمحكمة الابتدائية وإعطائه دوراً فاعلاً في حماية الأحداث، بالإضافة لتكريس الدور الذي يقوم به المستشار المكلف بالأحداث لدى محكمة الاستئناف؛
– إحداث هيئات قضائية متخصصة للنظر في قضايا الأحداث يرأسها وجوباً قاض مكلف بالأحداث. وعلى غرار ذلك أوكل للوكيل العام للملك تعيين قاضي النيابة العامة الذي يضطلع بمهام الأحداث (المادتان 467 و485). كما نهج نفس السبيل بتخصيص فئة من ضباط الشرطة القضائية مكلفين بالأحداث (المادة 19)، انسجاما مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية وقواعد بكين النموذجية حول جنوح الأحداث؛
– إسناد حق رعاية الصلح في الجنح التي يرتكبها أحداث للنيابة العامة، التي أصبح بإمكانها أيضاً المطالبة بإيقاف سير الدعوى العمومية المرفوعة ضد الحدث في حالة سحب الشكاية أو تنازل المتضرر (المادة 461)؛
– وإذا كان القانون الجديد قد راعى حماية الحدث وأوجد لذلك مسطرة تأخذ بعين الاعتبار مصلحته الفضلى وتقوم على تقويم سلوكه وتحسين تربيته وتهذيبه، فإنه قد أوجد لذلك آليات وأساليب متعددة منها نظام الحراسة المؤقتة المنصوص عليه في المادة 471 وتدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 ونظام الحرية المحروسة الذي تطرقت إليه المواد من 496 إلى 500.
وتهدف هذه الأنظمة جميعاً إلى بلوغ غاية وحيدة وتحقيق مطلب سام هو حماية الحدث من الانحراف وتقويم سلوكه لإعادة إدماجه في المجتمع.
وقد أشرك القانون في تحقيق هذه الغاية الآباء والأوصياء والكفلاء وكل شخص جدير بالثقة بالإضافة إلى المؤسسات والمصالح العمومية والجمعيات والمؤسسات الخصوصية المهتمة بالطفولة أو المكلفة بالتربية أو التكوين المهني أو المعدة للعلاج أو التربية الصحية.
وأعطى لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث الصلاحية المخولة لقضاة التحقيق ومكنهما من إجراء أبحاث يمكن على ضوئها « تحديد التدابير الواجب اتخاذها لضمان حماية الحدث و إنقاذه ».
ولم يفت القانون الجديد أن يراعي خطورة بعض الأحداث والحفاظ على سلامتهم، فأعطى لضابط الشرطة القضائية إمكانية الاحتفاظ بالحدث الذي يجري في حقه بحث، في مكان مخصص لمدة لا تتجاوز مدة الحراسة النظرية بعد موافقة النيابة العامة. ولا يعمل بهذا الإجراء إلا إذا تعذر تسليم الحدث لأوليائه أو كانت سلامته أو ضرورة البحث تقتضي ذلك. وعلى ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ كل التدابير اللازمة لتفادي إيذاء الحدث (المادة 460).
وفي نفس الإطار، سمح بصفة استثنائية بإيداع الأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 سنة بالسجن، إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر غيره. وفي هذه الحالة حرص القانون على صون حرمة الحدث وعدم اختلاطه مع من قد يهدد سلوكه أو سلامته وذلك بالاحتفاظ به في مكان أو جناح خاص معزول عن أماكن وضع الرشداء، وإبقائه منفرداً بالليل حسب الإمكان (المادة 473).
وإذا اقتضت الضرورة إصدار حكم بعقوبة سالبة للحرية على الحدث الجانح، فإن المحكمة تكون ملزمة بتعليل مقررها تعليلاً خاصاً. كما أن العقوبة المقررة للجريمة تخفض إلى النصف دون أن تزيد عن السجن من 10 سنوات إلى 15 سنة إذا كانت العقوبة المقررة هي الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة ثلاثين سنة (المادتان 482 و 493).
وأوجب القانون إشعار عائلة الحدث أو الشخص أو الهيئة المكلفة برعايته متى تم الاحتفاظ به لدى الشرطة القضائية (المادة 460) أو إذا تمت متابعته (المادة 475) أو تقرير نظام الحرية المحروسة في حقه (المادة 500).
كما أوجب فصل قضيته عن شركائه أو المساهمين معه من المتهمين الرشداء، وحافظ على سرية جلسات الأحداث وسرية السجلات وخصوصية السجل العدلي الخاص بهم (المواد 461 و476 و478 و505 و506 و507).
ونص القانون كذلك على طرق الطعن في مقررات الهيئات القضائية المكلفة بالأحداث، ومكن قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث من تغيير التدابير المأمور بها في حق الحدث كلما اقتضت ذلك مصلحته (المادة 501 وما بعدها).
ومن أوجه الحماية المقررة لفائدة الحدث ما نصت عليه المادة 466 حول منع نشر بيان عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث أو نشر كل نص أو رسم أو صورة تتعلق بهوية وشخصية الأحداث الجانحين، مع السماح بنشر الحكم دون الإشارة فيه لاسم الحدث بأية إشارة تمكن من التعرف على هويته.
وعلى العموم فإن القانون توخى رعاية الأحداث وتقويم سلوكهم وحمايتهم، ولعل أهم مستجداته في هذا الباب ما تضمنته المواد 512 إلى 517 التي اهتمت بتنظيم كيفية حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، وذلك دون أن يكون هؤلاء قد ارتكبوا فعلاً جرمياً ولا كانوا ضحية لفعل جرمي، وإنما يوجدون بفعل ظروف تهدد تربيتهم أو صحتهم أو أخلاقهم على حافة الانحراف.
وهذه الحماية مقررة لفائدة الحدث الذي يقل عمره عن ست عشرة سنة إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو أخلاقه أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق الإجرامية، أو إذا كان الحدث مارقاً من سلطة أوليائه أو اعتاد الفرار من مدرسته أو هجر إقامة وليه أو لم يعد يتوفر على مكان صالح يستقر به.
ويحق لقاضي الأحداث أن يخضع الحدث الموجود في وضعية صعبة لواحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في البنود 1 و3 و4 و5 و6 من المادة 471.
سابعاً: حضور القضاء في مجال تطبيق العقوبة
إن قانون المسطرة لسنة 1959 لا يتضمن أي مقتضيات تهم قاضي تطبيق العقوبة. ولتدارك هذا النقص أحدث القانون الجديد مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة الذي عهد إليه في كل محكمة ابتدائية باختصاصات لتتبع تنفيذ العقوبة بكيفية تسمح بإعادة إدماج المحكوم عليه في المجتمع. وقد أسندت إليه صلاحيات من بينها:
– زيارة المؤسسات السجنية مرة كل شهر على الأقل؛
– تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها فيما يتعلق بقانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب؛
– تتبع وضعية تنفيذ العقوبات المحكوم بها من طرف المحاكم ومسك بطاقات خاصة بالسجناء؛
– الإطلاع على سجلات الاعتقال؛
– تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط والعفو؛
– التأكد من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني.
ولعل في إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقل بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه لما بعد صدور الحكم. وهو شيء ايجابي لأن صلة القضاء بالمحكوم عليهم كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري (المادتان 596 و 640).
وإذا كانت هذه أهم الخطوط العريضة للقانون الجديد، فإنه حافظ بشكل إجمالي على أهم المكتسبات في حقوق الإنسان ورسخ عدة اجتهادات قضائية أساسية في شكل نصوص قانونية، وبلور كافة الضمانات التي تقتضيها المحاكمة العادلة كما تنص عليها المواثيق الدولية.
ومن الناحية الشكلية فان القانون الجديد استهدف تحسين تبويب مقتضياته وصياغتها صياغة واضحة.
.. يتبع ..