نتأسف كثيرا على الأوضاع المتدهورة والمأساوية التي أصبحت تتخبط فيها بعض الدول العربية’ وذلك بسبب تفريطها في النظام الملكي وتغييره بما يسمونه النظام الجمهوري برعاية وهيمنة المؤسسة العسكرية’ كما أن هذا النظام لم يستطع التأقلم مع هويتنا وديننا لما يحمل من تناقضات’ تضرب الهوية وتسحق الدين’ ومستحيل نجاحه في ظل المجتمعات القبلية. فالمعروف على القبائل منذ القدم إلى زمننا هذا لا تتوحد إلا تحت غطاء الملكية عن طريق البيعة ’ كما أن الملكية كانت هي صمام الأمان للدول التي مازالت تحتضنها وتحاول شعوبها تغيير نظامها الشمولي إلى نظام مؤسساتي برلماني دون المساس برمزيتها.ونلاحظ جميعا أن الدول التي بقيت متشبثة بنظامها الملكي لم تتأثر بالربيع العربي بخلاف الدول الواهمة أن نظامها جمهوري جلها سقطت ودخلت في دوامة الحروب الأهلية والاقتتال همهم الوحيد هو الحكم’ ولن تعرف الاستقرار إلا برجوعها للنظام الملكي لماذا؟ لكون مشكل الحكم لا يناقش بين القوم (القبائل) ويبقى التنافس مفتوح أمام الكفاءات لتدبير الشأن العام في جميع القطاعات.كما أن انتقال الحكم في النظام الملكي لا يخرج عن التوريث’ والسائد يكون بسبب وفاة الملك ونادرا ما يتنازل الملك لوريثه الشرعي وتكون دوافعه أسباب صحية. فالنظام الملكي يبقى أرحم من النظام الدكتاتوري الذي لا يتغير فيه الحاكم إلا بانقلاب أو برحيله لمثواه الأخير’ فما فائدة إذن تغيير نظام الملكية بنظام فاشي لا يقبل التعددية ويمنع التناوب الديمقراطي على السلطة’ فالنظام الملكي قابل للتغيير والتطوير مع الزمن ووجوده ساهم في جمع الشمل بذلا من تشتيته وتوحيد كلمة الأمة ’ دون التفكير أو الجري وراء كرسي الحكم الذي تحوم حوله الشياطين البارعة في خلق الفتن والتي لا يصدها عن شرها إلا ملك عادل. ولنترك ما هو عام ولنتكلم عن خصوصيتنا’ إن المغرب عرف الملكية منذ قرون وارتباطه بهذا النظام كان وما زال عن طريق البيعة المبنية على الشريعة الإسلامية لقوله تعالى:” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله” (الفتح 10) بمعنى أن المغاربة لما اختاروا الإسلام دينا بايعوا الخالق والتفوا حول المخلوق وكلفوه ببناء الدولة وتنظيم شؤونها’ فالإسلام في المغرب لم يعتنقه الناس باستفتاء أو عن طريق صناديق الاقتراع بل اعتنقوه إيمانا واقتناعا برسالته السماوية ’ فالشعب المغربي شعب مسلم بدون مزايدة ’ فحتى إقحامه في الدستور عبر الفصل: 3 (الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية ) وقبولنا بالاستفتاء على ديننا أنقصنا من قيمة البيعة وأدخلناها في جدال ونقاش عقيم حول وجودها من عدمه. فالبيعة عرف محمود وليس بدعة والحفاظ عليها مرتبط بالحفاظ على الإسلام ووحدة الأمة ولا يجب إقحام الدين في السياسة. فالإسلام في المغرب مبني على البيعة وليس على الدستور فهي أقوى من أي دستور وضعي وإسقاطها فيه أدى للأجيال القادمة التي لا محال ستعزف عليه وتصبح فريسة للشرك وللإلحاد فحقيقة طقوس البيعة حان الوقت لإدخال عليها بعض التغييرات ولا نطلب إلغائها بقدر ما نطمح في تحسين طرق تقديمها. إن الأوضاع في المغرب حقا تدعو على القلق فالشعب والملك في واد والأحزاب في واد آخر وخير دليل خطاب 20/08/2013 لصاحب الجلالة الذي كان صريحا وصارما وفي طياته غضب شديد من الحالة المزرية وأسبابها ولو كان للبرلمان حس بالمسؤولية والمصداقية لحل نفسه بنفسه وأيضا لو كان القضاء مستقل لحرك المتابعات وفتح تحقيق مع الأشخاص الذين أدانهم صاحب الجلالة وحملهم مسئولية تعطيل المؤسسات وإفلاس البلاد حيث قال: ” لابد من اعتماد النقاش الواسع والبناء في جميع القضايا الكبرى للأمة لتحقيق ما يطلبه المغاربة من نتائج ملموسة بدل الجدال العقيم والمقيت الذي لا فائدة منه سوى تصفية الحسابات الضيقة والسب والقذف والمس بالأشخاص الذي لا يساهم في حل المشاكل وإنما يزيد في تعقيدها”. فالأزمة في المغرب قائمة ولن تعرف الحل لا بتعديل حكومي ولا بانتخابات سابقة لأوانها بل سيزيدان في تكريسها فالحل يبقى في بيد المؤسسة الملكية وأقل ما يمكن فعله وهو حل الحكومة وتعويضها بحكومة التقنوقراط وهذا ما كان عليها فعله مباشرة بعد الاستفتاء فالسرعة كانت قاتلة ونتائجها كانت متوقعة فكان علينا التأني ليس انتقاما أو احتقارا للكفاءات الحزبية بل رأفة ورحمة بها وإعطائها مهلة لإصلاح بيتها وتطهيره من المارقين الذين يوزعون المال القدر على المواطنين في الحملات الانتخابية(تبييض الأموال) والتغرير بهم وتقديم الرشوة للتصويت عليهم فماذا ننتظر من هؤلاء؟ إلا الخراب فكيف نضع الثقة في هذه النماذج التي تتشدق بالحرية والكرامة ومحاربة الرشوة والديمقراطية’ أمرنا غريب’ وتناقضات يعجز اللسان عن وصفها وخير وصف قوله تعالى “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” فالديمقراطية لا يمكنها أن تتحقق بدون أخلاق ” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
كريم محمد