ذة أسماء حميحم
يلاحظ المتتبع للحقل السياسي في مغرب اليوم أن هذا الحقل غدا يطبعه الإسفاف ورداءة اللغة السياسية وعدم الوضوح على مستوى الخطاب السياسي فتختلط أمامه الأوراق وتتماهي له الحكومة في خطاباتها مع المعارضة : هكذا تقدم الحكومة نفسها على أنها ضحية لا حول لها ولا قوة متناسية أنها وصلت إلى سدة الحكم و تسيير شؤون العباد والبلاد وتصف المعارضة بالتسلط والتجبر وتملكها لقوة عرقلة أي تقدم أو إصلاح أو قضاء على الفساد .
لذلك لم تستطع إلى حد الآن الوفاء بالتزاماتها وتعاقداتها، فاتجهت إلى التمويه عبر تبرير إجراءاتها المختلفة بأنها نوع من التضامن الذي يخدم مصلحة الوطن فكانت الزيادتان المتتاليتان لأسعار المحروقات وما ترتب عنهما من زيادات لأسعار المواد الغذائية والنقل والبضائع … مقاربةً مالية وتقنية محضة لا تستحضر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية ولا تراعي شروط المجتمع والقدرة الشرائية للمغاربة .
إن هذه الزيادات لو كانت في عهد أية حكومة أخرى لنتج عنها خروج القوى الوطنية الحية للتنديد والتظاهر ضد ضرب القدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطن. لكن الغريب أن يأتي التظاهر من حزب كان إلى عهد قريب ضمن التشكيلة الحكومية فبدا أكثر نضالية من الأحزاب السياسية المعارضة والأصوات الحر ة وهو المعروف تاريخيا بدفاعه عن مصالح نخبته من الأعيان والوجهاء ورجال الأعمال وأرباب الشركات… مستغلا في ذلك رداءة و ميوعة المشهد السياسي وضعف المعارضة وتشتتها وتراجع حركة الاحتجاج بعد ما بهت صوت حركة 20فبراير.
هكذا تم التجييش للمظاهرة بالتنسيق بين الحزب وذراعه النقابي وشبيبته التي افتتحت مؤتمرها يوم الأحد 22شتنبربالرباط قبل استقرارها بالهرهورة. واللافت للنظر هو إشراك الحمير في هذه الاحتجاجات في سابقة في تاريخ المظاهرات المغربية بهدف التهكم والسخرية من شخص رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران بوضع عبارته المشهورة ((فهمتني وللا لا)) مع ربطة عنق على رأس الحمير وهو ما استهجنه عدد كبير من المغاربة واعتبروه تعبيرا عن الانحطاط الذي وصل إليه الصراع السياسي المغربي فبعد تطبيع المواطنين مع اللغة السوقية أو الشعبوية التي أصبح يتحدث بها رجال السياسة والوزراء وصل إبداع النخبة السياسية إلى مستوى منحط يفوق كل التوقعات .فالصراع السياسي في عمقه صراع أفكار ومصالح ومواقف وآراء وبرامج .و ما حدث لن يزيد المغاربة إلا عزوفا عن السياسة التي انحطت إلى مستوى الضرب تحت الحزام والسب والقذف واستخدام حتى الحمير وسيلة للاحتجاج فأية إضافة كانت لذلك المشهد الغريب الذّي اصطف فيه الحمير إلى جانب المتظاهرين و حمل فيه المراهقون الدفوف و”الد راباك ” لرفع شعارات منددة بالحكومة وبزياداتها المتكررة في أسعار المحروقات، في مسيرة تفتقر إلى التنظيم الذي طبع المسيرات المليونية في الرباط والبيضاء .. والتي كانت تساند فيها الجماهير الكفاح الفلسطيني أو الشعب العراقي
لقد كانت مسيرة الرباط – التي شاركت فيها شبيبة الحزب- مسيرة يغيب فيها الحس الوطني الذي يجب أن يتعلمه شبابنا باعتبارهم حملة مشعل الغد ولعل الدرس الذي يمكن أن نخلص إليه هو أن السياسة في المغرب وصلت إلى مستوى رديء يكشف عن معارضة هشة وغير منسجمة وعاجزة عن الوقوف في وجه حكومة فاشلة، وأن السياسة تغلبت عليها المصالح الشخصية والحسابات الضيقة والتهافت على الكراسي والحقائب الوزارية وشخصنة الصراع على الدفاع عن مصالح المواطن المهموم وصيانة كرامته في العيش الكريم وخدمة قضايا ومصلحة الوطن الذي ليس بحاجة إلى حمار لانتزاع الحقوق وهو المرتبط في ثقافتنا المغربية الشعبية بالغباء والصبر والأعمال الشاقة والخضوع..
المشكل ليس في توظيف الحمار في السياسة، ولكن في صورة الحمار في الثقافة الجمعية فصورة الحمار عندنا غيرها لدى شعوب أخرى ،فالحمار في السياسة الأمريكية رمز لأحد أهم الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الغربية فهو شعار الحزب الديمقراطي الأمريكي وأيقونته السياسية ذات الدلالة التاريخية التي تجعل صورته حاضرة بشكل قوي في الحملات الانتخابية باعتباره رمزا للثورة والتمرد.