إن مناقشة موضوع الأمهات العازبات له راهنيته وآنيته، ليس فقط على مستوى وطننا الحبيب المملكة المغربية، ولكن أيضا على مستوى الأمة الإسلامية قاطبة، والتي كلما إسلخت عن الدين الإسلامي وإبتعدتعن مثله العليا وأخلاقه الفاضلة وقيمه النبيلة ومقوماته الروحية، إلا وتناوشتها عوامل الإنحلال الخلقي، والتشتت الأسري ، والفساد الإجتماعي.
راهنيته تتجلى في المكانة المتميزة للمرأة في المجتمع، ودورها الأساسي في التنمية المستدامة، لأن المرأة الصالحة هي عماد الأمة :
الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراف
وآنيته تتجلى أساسا في التفشي المهول لهذه الظاهرة الخطيرة بجميع أعراضها السلبية، حيث يلاحظ تزايد الأطفال المتخلى عنهم، وكذلك عمليات الإجهاض العديدة التي تجرى مع سبق الإصرار لإسقاط الجنين إما بالإتفاق المسبق بين الطرفين، أو بمبادرة من طرف الأم العازبة لإخفاء معالم الفضيحة بعد تنكر الجاني أ و فراره.
ومرد هذه الظاهرة يرجع بالأساس إلى إرتكاب الفاحشة، يعني الزنى وهي الوطئ المحرم، وتحريمه وارد في القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل في سورة النور: الأية3 (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المومنين ) ، وهو تحريم صريح وواضح بنص الكتاب ، مع العلم أنه لا إجتهاد مع وجود النص كما يقول العلماء، وحتى لانقع في الفاحشة، فإن الله عز وجل قد نهانا عن الإقتراب من الزنى كماجاء في سورة الإسراء: الأية 32 (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)، والنهي عن الشيء، نهي عن مقدماته كما قيل، ومن مقدمات الزنى التبرج والنظر بشهوة والخلوة.
ولقد قيل الشيء الكثير عن التبرج، حيث قال جلت قدرته في سورة الأحزاب: ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، والتبرج من عظائم الأمور، لأنه دعوة مكشوفة غايتها التفسخ والإنحلال الخلقي، فالتقدمية ليست بالتكشف والتعري، وإنما بصيانة الشرف ، وإكتساب الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة والمقومات الروحية، ولله در الشاعر :
يا إبنتي إن أردت آية حسن وجمالا يزين جسما وعقلا
فانبذي عادة التبرج نبذا فجمال النفوس أسمى وأعلى
يصنع الصانعون وردا ولكن وردة الروض لا تضارع شكلا
والنظر يزرع في القلب الشهوة، كما قال صلى الله عليه وسلم، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا، وساهمت في ذهاب العرض، وضياع الأنساب، وفساد المجتمع.
أما الخلوة فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطارها وعواقبهاحيث قال : (لايخلون رجل بإمرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما ).
وللقضاء على ظاهرة الأمهات العازبات، يجب القضاء على الزنى بجميع تجلياتها، والتصدي بحزم لجميع مقدماتها بما يليق، عملا بالمثل الألماني الشهير : نهاية الألم أفضل من ألم النهاية، وهذا لن يتأتى إلا بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية من مصادرها الكتاب والسنة والسلف الصالح، كما قيل : أمة بلا قرآن لاتساوي شيئا، وأمة بالقرآن تساوي كل شيء. ولنا في الخلفاء الراشدين إسوة حسنة، كتب عمر إبن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أهل الكوفة يقول لهم : علموا نساءكم سورة النور، لأنها تشتمل على أحكام هامة وتوجيهات عامة، تتعلق بالأسرة وما ينبغي أن تكون عليه من العفاف والستر والطهر والإستقامة على شريعة الله صيانة لحرمتهاوحفاظا عليها من عوامل التفكك الداخلي، والإنهيار الخلقي الذي يهدم الأمم والشعوب، وذلك بالتردي في بؤرة الإباحية التي تتسبب في ضياع الأنساب، وذهاب العرض والشرف، والإصابة بداء السيدا. ومن بين ما تضمنته هذه السورة الكريمة سورة النورمن أحكام، نورد قوله تعالى ( قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها….. ).
فالمسؤولية إذن تقع على المرأة والرجل على السواء، قال تعالى في سورة النور : (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تمنون بالله واليوم الآخروليشهد عذابهما طائفة من المومنين ). كما أن الإمام الشافعي رحمه الله كتب الشيء الكثير عن الزنى حيث قال
lمن زنى في بيت بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم
إن الزنى دين إن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
إن من خلال ما تقدم ذكره،يتضح لنا جليا أن دعاة الإباحية والتبرج، هم من ورطوا الأم العازبة بشعاراتهم السامة وأفكارهم الهدامة، بدعوى التحرر والتقدم والإنفتاح، حيث نزلوا بالمرأة من مرتبة الإنسانية إلى مرتبة الحيوانية والشهوانية، وجعلوا العلاقة بينها وبين الرجل علاقة جسد ليس إلا، حيث حرموها من نعمة الزوجية ونعمة الأمومة، وتركوها تسلك طريق الفاحشة والرذيلة من بابها الواسع، بعيدا عن كل علاقة أسرية وزوجية، تصون كرامة المرأة، وطهارة الأسرة وسلامة المجتمع.
فالمرأة إذا حفظت فرجها ولم تستسلم لإغراءات الزاني ووعوده الكاذبة، وصانت شرفها إمتثالا لأمر الله تعالى ورسوله، كان جزاؤها الجنة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها يوم القيامة، أدخلي الجنة من أي أبوابها الثمانية شئت ).
ختاما ، وجب تذكير الفتاة المغربية خاصة والمسلمة عامة، أن الحياة تجربة، والعمر أرقام، والدنيا تطور، والتنمية حق لمن تحررت من عوامل التخلف والتقليد الأعمى في التبرج، قال الشاعر :
ليس الجمال بأثواب تزيننا إن الجمال جمال العلم والأدب
وقال آخر : وخير لباس المرئ طاعة ربه ولا خير في من كان لله عاصيا
قولنا هذا رأي، وهو ما قدرنا عليه، والمجال مفتوح في وجه جميع أصحاب العقول الكبيرة، المتميزون بمناقشة الأفكار والتوقعات ضمن مقاربة التشخيص و التقييم والتصحيح ، والذين نعتز ونرحب بهم و بمساهماتهم القيمة في ركن: موضوع للنقاش، في نسخته الأولى لشهر أكتوبر والذي سنحاول إن شاء الله بفضل مشاركتهم، التطرق لظاهرة الأمهات العازبات في جميع جوانبها، في بعدها الإجتماعي والأخلاقي، في إسهامها في مغادرة بعض الأمهات العازبات مكرهات لبيت العائلة والإنقطاع عن الدراسة، وولوج العديد منهن لعالم الدعارة من بابه الواسع بعد التخلص من حملهن الغير شرعي، مع التفضل بإقتراح الإجراءات الوقائية الضرورية للقضاء على هذه الآفة الخطيرة التي تستهدف الفتاة بشكل خاص، والقيم النبيلة والمقومات الروحية للمجتمع الإسلامي بشكل عام.
سنظل دائما في موقع فاس نيوز وضمن ركن موضوع للنقاش، أوفياء ومدينين لإسهاماتكم وإبداعاتكم الفكرية الخلاقة، في إطار إحترام الرأي والرأي الآخر، ونشر ثقافة المناقشة الهادفة التي تساهم في إصلاح ما يمكن إصلاحه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح هذه الأمة وعزتها، إنه ولي ذلك ، وهو القادر عليه.
للمشاركة في مناقشة موضوع هذا الشهر : الأمهات العازبات، المرجو الإتصال بالمسؤول عن هذا الركن بفاس نيوز عبر بريده الإلكتروني :
أو عبر هاتفه النقال : 0664056238