لماذا لم يطرد حزب الاستقلال تشيكيطو وطرد الوفا

ونحن على أبواب الدخول البرلماني، ثاني جمعة من أكتوبر (الفصل 65 من الدستور) وأمام مراجعة الوضعية الكارثية، للصراع الذي هيمن على جلسات الدورتين السابقتين، حين قرر عدد من النواب، مقاطعة حضور رئيس الحكومة، وتركه يخطب أمام الكراسي الفارغة، وربما تطور الوضع في الجلسات المقبلة، لدرجة رفض فرق برلمانية، الجلوس بجانب الفرق الأخرى، ليكون طبيعيا أن يقتدي رئيس مجلس النواب المحترم، بما حصل في البرلمان الفرنسي قبل الثورة الفرنسية(…) حين احتدم الصراع بين الفرق البرلمانية، فأصبح كل فريق لا يقبل الجلوس بجانب الفرق الأخرى، فتقرر تخصيص قاعات متعددة، يجلس فيها كل فريق لوحده: ((فكان نواب كل طائفة من النواب، يجلسون منفصلين في مداولاتهم، لكل جماعة منهم قاعة خاصة، لا يجالسهم فيها، نواب الطوائف الأخرى)) (كتاب الثورة الفرنسية. حسن جلال).

فالصراعات التي انشغل بها برلماننا الحالي، والنماذج الساقطة للتعبيرات القذفية(…)، التي أصبحنا نسمعها، حتى اضطرت التلفزة إلى قطع الاتصال بالبرلمان عدة مرات، كلها أحداث تكاد تزيد بعض الناس(…) اطمئنانا إلى أن صراعات مجلس النواب، تسير كما شاء لها الملك الحسن الثاني أن تكون، أقليات ضدنا، وأغلبيات معنا.. وأنها الدنيا بخير..

لنجد تفسير خطورة هذا الواقع، فيما أضافه الكاتب المصري في كتابه عن الثورة الفرنسية، في تشابه بين البرلمان المغربي الحالي، والبرلمان الفرنسي ما قبل الثورة الفرنسية ((كان من غير الممكن سنة 1789 أن يكون هناك واقع نيابي، يشبه في خضوعه واستسلامه(…) ذلك الواقع البرلماني الذي كان سنة 1614، ولكن الملك وبلاطه(…) نسوا كل هذا وأغفلوه)) (نفس المصدر).

ورحم الله أجدادنا الحكماء.. وقد كان يا ما كان، في المغرب قديما كثير من الحكماء الذين قالوا: ((اللي تيحسب وحدو.. تيشيط لو)) وهي الصيغة المثلى، للتفاؤل الكبير، من هذا الصراع البليد(…) بين ممثلي الأحزاب في البرلمان، بينما هم في الواقع، يتركون الملك في الساحات الأخرى(…) وحيدا أمام الخطر.. ولقد صدق الكاتب الفرنسي “بيير فيرمون” الذي قال بصيغة الناصح للملك محمد السادس قائلا: ((إن الملك أصبح في الخط الأمامي(…) رغم أنه قليلا ما يتعرض شخصيا للنقد)) كتب هذا في مجلة الإكسبريس، عدد بداية شتنبر، رغم أن هذه المجلة الفرنسية، مصنفة في عداد الأصدقاء، ولكنها عنونت موضوعها “الثورة المخملية أصبحت تغري(…)”.

أكيد إذن، أن الذين يقرؤون بين سطور واقعنا، وخاصة الفرنسيون الذين يعرفون خبايا تاريخ الثورة الفرنسية، يتتبعون ما يجري في برلماننا داخله وأمامه وخلفه.. بعد أن دخلته الجرثومة التي نخرت البرلمان الفرنسي قبل الثورة الفرنسية، وإن كانت الثورة الفرنسية أصبحت في عداد الماضي الذي لا يعود، فإن لكل شعب ثورته.. وصدق الرئيس الفرنسي ميتران، الذي قال مرة للملك الحسن الثاني: إن المشكل هو أن ثورة الجزائر أصبحت خلف ظهرها، بينما ثورة المغرب لازالت أمامه.

وإذا كان حضور المهدي بنبركة، رحمه الله، في البرلمان المغربي الأول، سنة 1963، يخيف النظام، خوفا انتهى بالتخلص من الزعيم الاتحادي الكبير، على الطريقة التي تذكرون(…) فإن البرلمان الحالي سنة 2013، قزم من معارضة المهدي بنبركة، الذي لم يثبت فيما كتب عنه، أنه أساء الأدب مرة على الملك، فأعطانا البرلمان الحالي نموذجا للبرلماني الثوري، في شخص النائب الاستقلالي عادل تشيكيطو، الذي غطى على قباحة رئيسه شباط، وقال بالصوت المرتفع: ((إني أرفض حضور حفل الولاء لأسجل موقفي الرافض للركوع للملك، إني لم أحضر حفل الولاء، لأن ما لا أرضاه لشخصي لا أرضاه لغيري)).

تصريح خارج عن سياق التموقع الاستقلالي في خانة الوفاء للملكية، فكان طبيعيا أن يصدر حزب شباط بلاغا يطرد النائب الاستقلالي تشيكيطو، مثلما طرد من قبل وزيره في التعليم، محمد الوفا، أما سكوت شباط عن تصريح تشيكيطو، وإحجام حزب الاستقلال عن التعليق عليه، فمعناه أن حزب علال الفاسي، الذي استمات في الدفاع عن الملكية، أصبح يتبنى دعوة نائبه تشيكيطو بالرفض المطلق لمبدإ المبايعة.

وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بعد أن انبرت النائبة البرلمانية، آمنة ماء العينين من فريق الأغلبية الحكومية(…) لتقول أدهى وأمر مما قاله النائب الاستقلالي، الشيء الذي أثار حمية الباحث السياسي فؤاد عبد المومني، وقد قال: ((إن الملك محمد السادس، يخطئ الطريق وأعتقد أنه يتصرف كطرف يتنافس مع الأطراف الأخرى، وهو ما يشكل تهديدا لمصالح البلاد، ولاستقرار الملكية)).

حقا، كان رد الملك محمد السادس سريعا على طريقة “السماتش” عند لاعبي التنس، كاشفا عن وعي مسؤول، بخطورة الوضع(…) وربما يتعلق الأمر بأن الرجل، بلغ فعلا سن الخمسين، حين قال في خطاب عيد ميلاده: ((إن خديمك الأول، لا ينتمي لأي حزب، ولا يشارك في أي انتخاب، والحزب الوحيد الذي أنتمي إليه هو المغرب)).

بل إن المتتبع لتحركات التيار الجديد(…) التي زامنت بدهاء كبير(…)، هذه الحتمية الدفاعية(…) من خلال الهجمة المنسقة، على الأمير مولاي هشام، لتقديمه على أنه الإشكالية الوحيدة(…)، نجدهم يقرؤون بين بعض سطور هذه الهجمات، دعوة إلى الترحم على الملك الحسن الثاني، وسرد ميزاته.. بعد صمت طويل، زامن الفترة الأولى من حكم محمد السادس، حيث كان الكثيرون من مستشاريه(…) ينصحون بعدم تبني سياسة والده الحسن الثاني، حتى لا يعتبر حكمه استمرارا في عهد ولده، ولا يتحملون تبعات أخطاء الحسن الثاني، وتعويض ضحايا ظلمه، متناسين أن كل رئيس دولة عظيم، له ميزاته وأخطاؤه، فترى المدفوعين لانتقاد مولاي هشام، لأنه أراد تلميع صورة والده الأمير مولاي عبد الله، على حساب عمه الملك الحسن الثاني، مبررا لأن ينبري الكتاب الجدد، إلى رد الاعتبار، لوالد الملك محمد السادس، وهو منطق جديد بالنسبة لنا نحن الذين نتتبع الأحداث، لولا أن هؤلاء الذين يدافعون عن الملك الحسن الثاني، ضدا على هجمات ابن أخيه مولاي هشام، يكادون ينسون، مراجعة حكم الملك الفقيد كلها(…)، والتي كان من بينها موقفه من حكاية البرلمان، التي نحن بصددها، وهو الذي لم يجرؤ طوال عهده، أحد من النواب، ولا من المدعوين لحفلات الولاء(…) أن يتحدث بذلك العنف والصراحة والشجاعة، التي تقمصها النائب البرلماني تشيكيطو، النائب الذي كانت عظمة الحسن الثاني، تمنع أمثاله من الدخول إلى البرلمان، لأنه ملك كان يعرف التاريخ الفرنسي، ويعرف أن انطلاق شهب المعارضة للنظام الملكي داخل البرلمان، يعتبر ((الجرثومة التي خلقت النزاع السياسي الهائل، الذي انتهى بسقوط النظام))، حينما دخل “دوق لوكسمبورغ” على الملك لويس السادس عشر وقال له: ((إنه على جلالتكم اعتبار سلطة البرلمان أصبحت فوق كل سلطة، والأشراف مستعدون لفداء جلالتكم بأرواحهم، فقال له الملك: إني لا أريد أن يموت أحد من أجلي)) (الثورة الفرنسية. حسن جلال).

لذلك، وتفاديا لما حصل في فرنسا، قبل الثورة الفرنسية وبعد دخول جرثومة المعارضة للبرلمان.. أعطى الحسن الثاني حكمته البالغة وقال: ((في اليوم الذي يغلق فيه باب القصر في وجه مشتك، أو مجموعة من المشتكين، وأعضاء البرلمان الذين يكتبون إلي(…) فإني لا أريد أن أحيلهم على الوزير الأول.. لأن القصر هو بيت الجميع، وفي اليوم الذي يغلق فيه باب هذا البيت، فإن كل شيء سيتكسر)) (استجواب صحفي في 23 يناير 1983).

الحسن الثاني، يريد بخطورة تكسير باب القصر، أن يحكي ما حصل عندما دخلت جرثومة المعارضة، للبرلمان الفرنسي، وتوالدت بسرعة، حينما تحول صراع النواب البرلمانيين، إلى تفاهم(…) جعلهم في يوم 17 جوان 1789، يتوحدون، ويندمجون جميعا فيما أسموه “الجمعية الوطنية”، وعندما جاؤوا في اليوم الموالي لإعلان توحيدهم: ((أقدم الملك لويس السادس عشر، على إغلاق أبواب البرلمان، بحجة أن عمال الصباغة سيشتغلون فيه لتزيينه استعدادا لاستقبال الملك، وعندما منعتهم القوات العمومية من الدخول، قرروا الاعتصام(…) بباب القصر الملكي، ففتح البرلمان وجاء الملك ليخطب: ((إني أقول لكم بحق، أنه ما من ملك كان لشعبه مثلما أنا، لكم، فكونوا معي أكن معكم، وإلا.. قمت وحدي بالعمل لتحقيق مصالح الأمة، وعندما انسحب الملك، أصر النواب على البقاء في المجلس، ليقف وسطهم نائب متنطع اسمه “ميرابو”، الذي قال لأحد حجاب الملك: اذهب إلى سيدك(…)، وأبلغه أنا نحن هنا بأمر الشعب، وانضم إليهم رجال الدين(…) وابن عم الملك “دوق أورليان”، لتنطلق الثورة الفرنسية، شهرا واحدا من بعد)) (الثورة الفرنسية. حسن جلال).

لست أدري، إذا كان النائب المغربي تشيكيطو، قرأ تاريخ الثوري الفرنسي النائب “ميرابو”.. لأن التقارب بين الرافض للمبايعة في المغرب، وقائل كلمة سيدك، بدل سيدنا، في البرلمان الفرنسي، يكاد يبعث الخوف حقا على وضع النظام المغربي.

كل شيء ممكن إذن، إذا دخلت جرثومة المعارضة إلى البرلمان، وإن جرثومة النائب الذي رفض الركوع في حفل الولاء، بهذه الضخامة، التي أدت إلى ما وقع في البرلمان الفرنسي، فالذي يراجع تاريخ الجراثيم في البرلمان المغربي، يكتشف أنه قبل شهور قليلة عبقت أطراف البرلمان المغربي بنسمات الحشيش، حين انبرى نائب برلماني مغربي آخر، من حزب الأصالة والمعاصرة، اسمه المهدي بنسعيد، ليقترح يوما دراسيا، من أجل تحضير مشروع لتطبيع زراعة الحشيش، وقال إنه سيستدعي أطرافا معنية بالموضوع(…) من بينهم الصيادلة، رغم أن الصيادلة يتاجرون في الأدوية، ولا يصنعونها، بينما النائب النشيط، يحكي أن الموضوع يتعلق بمداخيل تتعدى سبعة ملايير دولار سنويا، وأن المغرب ينتج سنويا ثلاثة آلاف طن من الحشيش، لتعلق عليه مجلة “جون افريك” الفرنسية، مختصرة هذا المشروع الحشيشي(…) بقولها: “الكيف سيكيف الريف”.

وهكذا يستبعد جدا، أن تكون جرثومة المعارضة السياسية في البرلمان المغربي، متأصلة من الجرثومة الفرنسية التي أطاحت بالنظام الملكي في فرنسا، بل من المؤكد أن هذه الجرثومة بمجرد دخولها للبرلمان المغربي، فإنها ستدوخ من فرط الحشيش.