السيد المحترم رئيس الحكومة المغربية الأستاذ عبد الإله بنكيران : قال الله عز وجل في محكم تنزيله (وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين) وقال سبحانه وتعالى : (إن هذه تذكرة فمن شاء إتخذ إلى ربه سبيلا )، نعم إنها تذكرة وهو ما يعني مما لاشك فيه أنها موعظة أكيد، وعن الموعظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها بشكر ، وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثما ويزداد الله بها سخطا عليه ) .
السيد المحترم رئيس الحكومة إتق الله! هكذا سمعها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من لدن أعرابية بسيطة ولم يغضب من إنتقادها ومقاطعتها له، وهو من فوق المنبر يخطب على المسلمين خطبته الشهيرة التي أراد من خلالها تحديد المهر حيث جعله رمزيا من أجل تشجيع الشباب على الزواج، فما كان منها إلا أن قاطعته قائلة : إتق الله يا عمر! فجاءها الرد عنيفا من طرف بعض المصلين : ألا تخجلين! أتقولين لأمير المؤمنين إتق الله ! ليتم الرد هذه المرة من طرفه معاتبا إياهم وبحكمته المعهودة قائلا قولته الشهيرة : ( دعوها، لاخير فيكم إن لم تقولوها ولا خير في إن لم أقبلها )، نعم هكذا كانت سيرة الخلفاء الراشدين ومنهجهم القويم في التسيير والحكم والتعامل مع الذين يخالفونهم الرأي.
السيد المحترم رئيس الحكومة، لقد نوهتم بخصال جلالة الملك محمد السادس وهذا حق مشروع لجميع المغاربة الأبرار الذين يكنون لجلالته الحب الكبير والتقديرالأكبر، ونحن بدورنا كذلك نشاطركم فيه الرأي وبإعتزاز قل نظيره، وإعتبرتم جلالته بمثابة كرامة خصنا الله بها وهذا أكيد، كما أشدتم كذلك بتوجيهاته السامية النيرة وهذا شيء مهم، إلا أن الأهم منه هومدى إستجابتكم لهذه التوجيهات الملكية، وترجمتها على أرض الواقع وجعلها نبراسا لتدبيركم الحكومي .
في الخطابين الملكيين الساميين الأخيرين وردت توجيهات ملكية مهمة، إعتبرت في حينها خارطة الطريق يتعين عليكم وعلى جميع الأطراف سواء في الأغلبية الحكومية أو في المعارضة البرلمانية، التقيد بها والسير على نهجها، من اجل عقلنة المشهد السياسي وإرجاع الثقة للمواطن المغربي في المؤسسات وفي الأداء الحكومي وفي المعارضة البناءة، حيث قال جلالته في إحدى فقرات خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لهذه السنة :
(لذا لابد من إعتماد النقاش الواسع والبناء، في جميع القضايا الكبرى للأمة، لتحقيق ما يطلبه المغاربة من نتائج ملموسة، بدل الجدال العقيم والمقيت الذي لافائدة منه سوى تصفية الحسابات الضيقة، والسب والقدف والمس بالأشخاص، الذي لايساهم في حل المشاكل، وإنما يزيد في تعقيدها ).
وفي الخطاب الملكي السامي أيضا وبمناسبة إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية، حيث قال جلالته في إحدى فقراته :
(ولايخفى عليكم أن الولاية التشريعية الحالية، تعد ولاية تأسيسية، لوجوب إقرار جميع القوانين التنظيمية خلالها ).
وفي فقرة أخرى من هذا الخطاب قال جلالته :
( كما نشدد على ضرورة إعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار إحترام مبدأ فصل هذه السلط، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق والإستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية ) .
إلا أن التطورات الأخيرة التي طغت على المشهد السياسي والحزبي خصوصا بعد النتيجة المخيبة لحزب العدالة والتنمية بدائرة مولاي يعقوب وما تلاها من تنديد وطعن في نتيجتها وفي الخروقات التي شابتها كما جاء على لسانكم، وكذلك تصريحاتكم في البرنامج الخاص الذي خصص لسيادتكم ليلة الأحد 13 أكتوبر 2013 بعد تنصيب الحكومة في نسختها الثانية وإفتتاح البرلمان في دورته الخريفية الحالية، والتي خصصتم حيزا منها للتنديد بممارسات أحد زعماء المعارضة وتحميله مسؤولية تعطيل و إرباك الأغلبية الحكومية السابقة، كما علقتم بسخرية على مسيرة ومهرجان الرباط، و كل هذه الأحداث والتصريحات أنستكم التوجيهات الملكية السامية التي تحثكم على ضرورة تعبيد وسلك الطريق الأكثر إنفتاحا في أفق ترسيخ التوافق المؤسساتي بين النص الدستوري والممارسة السياسية والنخب السياسية، في إطار العلاقة المدسترة بين جميع مكونات الأغلبية والمعارضة بالبرلمان المغربي بغرفتيه، كما أنستكم إستحضار ما قاله عمرو بن العاص من خلال حكمته الشهيرة :
أعرض عن أشياء لو شئت قلتها ولو قلتها لن يبقى للصلح موضعا
ولله در الشاعر القائل :
لسانك لاتذكر به عورة إمرئ فكلك عورات وللناس ألسن
ماذا جرى بعد ذلك مباشرة ، قيادة حزب الإستقلال طالبت الهاكا بتمكينها من حق الرد على تصريحاتكم ضد أمينها العام السيد حميد شباط، يبث على نفس القناتين في نفس التوقيت وبنفس المدة الزمنية، وهذا مؤشر دخول سياسي ساخن قد ينعدم فيه التوافق ويزداد فيه التعطيل، وحتما لن تكون هذه الولاية التشريعية تأسيسية لإقرار جميع القوانين التنظيمية، كما أرادها جلالته حفظه الله.
في هذه الحلقة أيضا نوهتم بحزب الإستقلال وبزعيمه التاريخي المرحوم علال الفاسي، وتناسيتم نصائحه الحكيمة كما وردت في كتابه الشهير النقد الذاتي حيث جاء في بعضها : (إن الذين ينشرون المبادئ في الناس، يجب أن يكونوا موضع القدوة للجميع، ولذلك يجب أن يأخذوا أنفسهم تدريجيا بتحمل الإنتقادات وقبول الأفكار المختلفة ).
السيد المحترم رئيس الحكومة كن دبلوماسيا، وإعلم أن المسؤولية لو بقيت لغيرك لم تصل إليك، وهي صائرة إلى غيرك لامحالة.
كن دبلوماسيا وإعلم أنه من أعجب برأي نفسه بطل رأيه، ومن ترك الإستماع لذوي العقول مات عقله.
كن دبلوماسيا سيدي الرئيس وإذا سمعت رأيا يخالف رأيك فلا تقاطع قائلا أو متكلما، ولاتظهر الضجر والتأفق، بل إفسح صدرك لآراء الناس ليفسحوا صدورهم لآرائك لأنك لن تستطيع أن تفرض آراءك عليهم.
وإذا رأيت مناقشة رأي يخالفك فناقش في هدوء وكياسة وبال طويل وإبتسامة دائمة ولا تقل من غير تفكير ولا تعمل من غير تدبير.
أكثر من الإستشارة مع جميع الفرقاء السياسيين بما في ذلك المعارضة لأنها تضم نخبا وأطرا وكفاءات مشهود لها بوطنيتها ونزاهتها وإستقامتها ومؤهلاتها، وهذا كله يدخل في إطار الشراكة والمشاركة والحكامة الجيدة بإعتبارها من صميم الممارسة الديمقراطية الحديثة.
السيد المحترم رئيس الحكومة : سئل السيد رئيس وزراء بريطانيا الأسبق السيد ونستون تشرشل عن الدبلوماسية فقال : ( الدبلوماسية هي أن تعرف متى تتكلم ومتى تسكت، متى تضرب ومتى تتراجع، ولكن أن تعرف قبل كل شيء أن تفكر بعقلك وقلبك معا، فكثيرا ما يصاب العقل بالجنون ويضيف قائلا : وما أكثر المناسبات التي أصبت فيها بالجنون فجر جنوني الكوارث على بلادي ) .
السيد المحترم رئيس الحكومة المغربية، أسوق لكم هذه النصائح المتواضعة وأنا أستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا خير في قوم لا يتناصحون، ولا خير في قوم لا يحبون النصيحة ).
وأخيرا السيد عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، كن ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وكن دبلوماسيا وإتق الله في نفسك وفي المغاربة أجمعين ، تنل رضا الله ورضا جلالة الملك ورضا المغاربة أجمعين، وتكون من الفائزين .