الصحافة الإلكترونية ثورة إعلامية بوسائل تكنولوجية جد متطورة حديثة ومواكبة، إنطلاقتها كانت أواخر تسعينات القرن الماضي، سهلت إنخراط وولوج الملايين من القراء والكتاب يوميا عبر العالم بوثيرة أسرع من الخيال في التواصل ونشر المعلومة وتداولها بشكل أوسع بالصوت والصورة والمناقشة والتحليل وإضافة التعليقات التي تبقى جميعها ضمن أرشيف محفوظ في متناولهم في كل لحظة وحين.
أما الصحافي الإلكتروني فهو مجرد إنسان، والإنسان كما هو معلوم إبن بيئته ، شرفه يكون بشرف الرسالة التي يحملها والغاية التي يسعى من أجل تحقيقها، وليس ثمة جهد يضاهي جهد الصحافيين الإلكترونيين المصلحين، هم سراج الأمة بهم يستقيم المجتمع ويتحصن، وذلك بفضل حكمتهم البليغة في طريقة الطرح والتحليل والمعالجة لقضايا المجتمع ومشاكل الناس، بعيدا عن كل تشهير أو إبتزاز أو إساءة مقصودة خدمة لأجندات أجنبية، أو لتصفية حسابات ضيقة بدافع الحقد أو الإنتقام .
إن إختيار المرئ لمهنة الصحافة الإلكترونية طرف من عقله، وعقول الناس ثلاثة أنواع كما صنفها علماء الإجتماع : العقول الكبيرة والعقول المتوسطة والعقول الصغيرة.
العقول الكبيرة تناقش الأفكار والتوقعات، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث والمستجدات، أما العقول الصغيرة فتنبش في أعراض وملفات الأحياء والأموات.
وإليكم في ما يلي توضيح العلاقة الوطيدة التي تربط أصحاب هذه العقول بالصحافة الإلكترونية.
-العقول الكبيرة : أصحابها أناس متميزون،علاقتهم الخاصة بالصحافة الإلكترونية تتجلى أساسا في مناقشة الأفكار والتوقعات، يحملون هم الوطن وأبنائه، أملهم الرقي والتقدم وتحصين المجتمع من براثين الجهل والأمية والفساد والإنحلال الخلقي، مصلحون بالدرجة الأولى، يسخرون طاقاتهم ومجهوداتهم خدمة للآخرين بنكران للذات، همهم الوحيد هو إيجاد الحلول والإقتراحات للمشاكل والصعوبات التي قد تعترض المجتمع قبل وقوعها، إسهاماتهم هادفة وبناءة وفي منتهى الإبداع الخلاق وإضافة نوعية في مجال ربط الصحافة بالثقافة الحضارية والإبداع الخلاق والدراسات الإستراتيجية .
-العقول المتوسطة : أصحابها أناس عاديون يواكبون ويناقشون الأحدات والمستجدات والإشاعات، مناقشاتهم محدودة الأفق، مساهماتهم في إقتراح الحلول قد لاترقى في بعض الأحيان إلى مستوى الأحداث والإنتظارات الوقتية التي تقع في المجتمع، مساهماتهم في الصحافة الإلكترونية متواضعة ما بين المنزلتين لاضرر ولاضرار، يقدرون مسؤوليتهم ولا يتعدون حدود حريتهم، يتناقلون الأخبار بحسب مصادرها ويروجونها بالصورة والطريقة التي لا تلحق بهم الأضرار .
– أما العقول الصغيرة :فأصحابها يسيؤون بطريقة مباشرة إلى الصحافة الإلكترونية في بعدها المهني ورسالتها النبيلة، وذلك بإصرارهم على النبش في أعرض وأسرار وملفات الأحياء والأموات، تارة من باب الإنتقام والإساءة والتشهير، وتارة أخرى بدافع الإبتزاز والتهديد والوعيد، ولو عن طريق الترويج للإشاعات المغرضة التي لاأساس لها من الصحة ، أسلوبهم المهني إقصائي عدمي بإمتياز حسنات المرئ عندهم تنسى وسيئاته تعد وتحصى وتستقصى، بريعون في تسخيف كل عمل جيد أو مجهود جبار بذل، وذلك كله حسدا من عنذ أنفسهم، وهذا في نظرهم يدخل في إطار حرية الصحافة وهذا خطأ فادح، التمادي فيه قد يعرضهم للمساءلة والمتابعة القضائية وفي بعض الأحيان يؤدي بهم إلى الإعتقال وأداء الغرامة، لأنهم يتناسون أنه من تحمل المسؤولية عليه أن يتحمل عواقبها وتداعياتها وتبعاتها كما يقال، والحرية كما عرفها العلماء هي القدرة على القيام بكل ما لايلحق ضررا بالآخرين، إلا أن تهورهم في بعض الأحيان وجهلهم لحدود حريتهم يجعلهم دائما قريبين من الوقوع في الخطأ.
فما أحوجنا في الصحافة الإلكترونية إلى أصحاب العقول الكبيرة،لأنهم بحق هم أصحاب الأقلام الصادقة، ذوو الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة والمقومات الروحية، متشبعون بقيم المواطنة الكريمة والحرية والعدالة الإجتماعية والإستقرار والتنمية المجالية المتضامنة المستدامة بكل أبعادها وتجلياتها القصيرة والبعيدة المدى.