شهدت رحاب المحكمة الابتدائية بأزيلال عشية يوم الجمعة الفاتح من نونبر 2013 توافد عدد من القضاة من مختلف أنحاء المغرب للمشاركة في الزيارة التضامنية التي نظمها المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب للأستاذ أنس سعدون نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بأزيلال، على خلفية منعه من طرف وزارة العدل من المشاركة في ندوة دولية بالخارج، في سابقة تعد الأولى من نوعها بعد المصادقة على الدستور الجديد.
اللقاء الذي احتضنته رحاب القاعة الكبرى للجلسات عرف حضور قيادات بارزة في نادي قضاة المغرب يتقدمهم رئيس النادي ياسين مخلي وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي والمجلس الجهوي والمكاتب الجهوية، فضلا عن قضاة يمثلون محاكم عدة من بينها الراشدية، مراكش، البيضاء، الرباط، تازة، بوعرفة، تانسينت، فاس، مكناس، صفرو، خنيفرة، وزان، سوق الأربعاء، سيدي قاسم، بني ملال، الفقيه بن صالح، قصبة تادلة، أزيلال وبني ملال..
استهل اللقاء بكلمة رئيس نادي قضاة المغرب الأستاذ ياسين مخلي الذي أكد أن هذه الزيارة التضامنية تأتي بناء على القرار الذي اتخذه المكتب التنفيذي بتاريخ 08/08/2013، وعلى خلفية التضييق والمنع الذي تعرض عضو نادي قضاة المغرب الأستاذ أنس سعدون في حقه في التعبير والانتساب إلى الجمعيات المهنية، تحت عدة ذرائع ومسميات غير واقعية، والتي تجسدت بعيد تقديمه لطلب رخصة استثنائية مدتها ثلاثة أيام من أجل حضور ندوة دولية، في تكليفه للقيام بجلسة تنقلية بجماعة آيت أومديس التابعة لمركز القاضي المقيم بدمنات في تاريخ يصادف توقيت الندوة، ثم صدور قرار برفض الترخيص له بالمشاركة في الندوة الدولية بناء على ارتباطه بالجلسة المذكورة، في محاولة لاغتيال الحق الدستوري للقضاة في التعبير والانتساب للعمل الجمعوي بطرق غير مباشرة عن طريق محاولة اعمال النصوص القانونية من أجل محاصرة العمل الجمعوي، وأضاف رئيس نادي قضاة المغرب أن وزارة العدل والحريات بادرت وبعد ساعات قليلة من صدور البيان التاريخي لنادي قضاة المغرب حول قضية الأستاذ أنس سعدون، إلى اصدار بلاغ لتبرير موقفها تضمن العديد من المغالطات المتعمدة من أجل تضليل الرأي العام، من بينها على سبيل المثال محاولتها تعليل قرار المنع بكون الأستاذ أنس سعدون يرتبط بجلسة تنقلية بجماعة تابعة لمركز دمنات، ولأنه النائب الوحيد بالمركز المذكور، وهي معلومة غير صحيحة، لأن الأستاذ سعدون لا يعتبر نائبا مقيما بمركز دمنات، وهناك نائب مقيم هناك، فضلا عن أن هذا التبرير يبقى غير مقنع طالما أن هناك عدد كاف من قضاة النيابة العامة الذين يزاولون عملهم بالمحكمة الابتدائية بأزيلال وكان بإمكانهم تعويض الأستاذ سعدون في الجلسة التنقلية التي أسندت اليه، وهو ما يؤكد أن السبب وراء قرار المنع يتمثل في الرغبة الأكيدة في مصادرة حق القضاة في التعبير خاصة إذا كانوا لا يسايرون توجهات الوزارة.
وأضاف رئيس نادي قضاة المغرب أن التنزيل الميداني للمبادئ المنصوص عليها في دستور 2011 يحتاج إلى كثير من النضال الواعي، فبعد المنع غير الدستوري الذي تعرض له نادي قضاة المغرب خلال انعقاد جمعه التأسيسي، استمر مسلسل التضييقات، فبدل منح التسهيلات الضرورية لممارسة النشاط الجمعوي من قبيل المشاركة في الندوات الوطنية والدولية، وحضور اجتماعات الأجهزة المسيرة، وتوفير مقرات لعقد الاجتماعات المذكورة، وكذا المنح التي تمنحها المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية للجمعيات المهنية.. اختارت وزارة العدل والحريات أسلوب المنع والتضييق وهو ما يعد مصادرة لحق القضاة في التعبير العلني.
وأشار رئيس نادي قضاة المغرب بالمناسبة إلى أن مشاريع القوانين التنظيمية التي أعلنت عنها وزارة العدل والحريات تعتبر انتكاسة، وردة حقوقية خاصة على مستوى القيود التي حاولت أن تفرضها على الحقوق التي كفلها دستور 2011 للقضاة، وعلى رأسها المقتضيات المتعلقة بالجمعيات المهنية ، وهي قيود الغاية منها اقصاء الجمعيات الموجودة حاليا ومحاولة تكميم الأفواه، وأضاف رئيس نادي قضاة المغرب أن “مسودة القوانين المعلن عنها رجعت بنا لما قبل دستور 1996، وهو ما يفرض علينا توحيد الجهود وعدم التساهل مع محاولات النيل من حقوق القضاة”، مضيفا “لن نقبل أي مساس بالحقوق المكتسبة للقضاة، ونعلن رفضنا لأي تراجع في الضمانات القانونية التي كرسها الدستور”. داعيا القضاة في هذا المجال إلى مزيد من اليقظة لحماية مكتسباتهم والتحرر من القيود غير الدستورية التي تحاول السلطة التنفيذية فرضها على القضاة.
وتناول الكلمة الأستاذ السعيد حثمان رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب ببني ملال الذي اعتبر أن الزيارة التضامنية المقررة للقاضي أنس سعدون تكتسي بعدين، أحدهما فرداني باعتباره عضوا نشيطا في جمعية نادي قضاة المغرب، والثاني مؤسساتي يتمثل في الأهداف التي تأسست عليها هذه الجمعية وعلى رأسها الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين والدفاع عن الضمانات الدستورية المخولة للقضاة، وإذكاء روح التضامن بينهم، مؤكدا أن ما أصاب الأستاذ سعدون من منع غير دستوري ومصادرة لحقه في التعبير كمواطن وكقاض يبقى أمرا مؤسفا، ويعتبر تراجعا على مستوى ممارسة القضاة لحقوقهم في وقت كانوا يعتقدون فيه أن زمن المنع ومصادرة الحقوق قد ولى.
أما الأستاذ أنس سعدون فشكر في كلمته نادي قضاة المغرب الذي تبنى قضيته معتبرا أنها قضية ترتبط أساسا بالحق في التعبير كحق ضمنته الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية على حد سواء، مستنكرا المبررات التي اعتمدها وزير العدل والحريات في جواب الرفض الذي توصل به، ومتسائلا في هذا الصدد : هل قضاة المراكز مستثنون من الحق في المشاركة في الندوات ودورات التكوين؟ أليس لهم الحق في ممارسة حريتهم في التعبير والعمل الجمعوي؟ كيف نقبل أن تكون المشاركة في الندوات إحدى المعايير الأساسية المعتمدة في تقييم عمل القضاة من خلال نشرات التنقيط ويحرم قضاة المراكز من المشاركة في هذه الندوات؟ ولماذا يتم تعطيل النصوص القانونية التي تخول لقضاة النيابة العامة تعويض غياب بعضهم خاصة مع استحضار مبدأ وحدة جهاز النيابة العامة؟ هل مجرد الخلاف في الرأي يعد سببا للإقصاء؟ كيف يطلب من القضاة وبإلحاح قد يصل إلى مستوى الضغط المشاركة في ندوات تديرها وزارة العدل والحريات في اطار الحوار المتعلق بإصلاح منظومة العدالة التي قاطعها نادي قضاة المغرب ويمنعون من المشاركة في ندوات مستقلة ؟ ألا يعتبر ذلك عقابا مبطنا؟ ماذا فعل السيد وزير العدل انطلاقا من موقعه كوزير مسؤول أيضا عن الحريات من أجل تمكين قاض ومواطن من حقه في التعبير، قبل أن يتخذ قرار المنع؟ هل تأكد من صحة المعطيات التي وصلت إليه، أم أن المعلومات الصادرة عن الادارة القضائية محمولة دوما على الصدق ولا تقبل أبدا اثبات العكس؟ هل بذل جهدا لتقصي الحقيقة ومعرفة ما اذا كان عدد النواب كاف، وما اذا كان تغيب نائب واحد عن عمله في اطار القانون من شأنه وقف سير عمل مرفق النيابة العامة برمته؟
سعدون شكر في كلمته كل الفعاليات الوطنية والدولية المتضامنة معه مؤكدا أن محاولات اسكات صوت القضاة لن تفلح طالما أن هناك ارادة حقيقية في التغيير وهناك جمعية مهنية قضائية مستقلة في قرارها ومستعدة لخوض كل الأشكال التعبيرية دفاعا عن مبادئها وأهدافها.