أصبحت دعارة المغربيات بالخارج بالنسبة للبعض واقعا يجب النظر إليه برؤية اجتماعية وسياسية تعالج الظاهرة من الأصل، إلا أن البعض الآخر يرى فيها مجرد محاولات للمزايدة على المرأة المغربية عموما وتلويث سمعتها ومن ثم إلحاق أضرار بسمعة المغرب.
يتردد موضوع “دعارة المغربيات” بالخارج بكثرة في الصحف المغربية وحتى العربية، وتزيد وتيرة تردده عند انفجار قضية معينة بهذا الشأن. وسبق للسلطات المغربية أن جندت البعض من وسائلها لمكافحة هذه الظاهرة بتشديد المراقبة على الفتيات اللواتي يغادرن المغرب عبر الجو نحو مناطق الخليج لمحاصرة الظاهرة.
لكن هذه الإجراءات لم تنجح حتى الآن، بحسب مراقبين، في وقف نهائي للظاهرة بل وحتى التخفيف منها، وبالتالي يعتقد مراقبون أن المعالجة الأمنية غير كافية بالمرة، وخاصة أن الظاهرة أصبحت لها أبعادا جغرافية جديدة حيث انتقلت إلى أفريقيا.
نشر موقع هسبريس شهادات لنساء في السنغال يؤكدن وجود الظاهرة في المنطقة، سواء في هذا البلد أو ساحل العاج، حيث تتاجر العديد من المغربيات بأجسادهن في البلدين بحسب هذه الشهادات. ووجود هؤلاء الفتيات الممارسات للبغاء في أفريقيا يكون دائما بنفس الدافع عموما، القدوم إلى المنطقة بعقود للعمل في مهن معينة ليجدن أنفسهن مجبرات على ممارسة الدعارة.
الفخ نفسه ينصب للكثيرات من هؤلاء الفتيات، حيث يتم تسفيرهن إلى الخليج وأخيرا إلى أفريقيا بغرض العمل في مهن الحلاقة والفندقة ليلقى بهن عنوة في أحضان البغاء. لكن هناك تقارير صحفية تشير إلى أن البعض منهن يقمن بذلك باختيار منهن ويمارسن الدعارة في هذه المناطق من العالم بل أن البغاء المغربي تم نقله إلى إسرائيل كذلك، بحسب إفادات هذه التقارير.
مراقبة سفر المغربيات نحو الخليج
اشتراط كبر السن من قبل مكاتب العمل بالمملكة العربية السعودية في استقدام خادمات البيوت من المغرب، على أن تتجاوز أعمارهن 45 عاما، يشير في مضامينه إلى عين الريبة التي تنظر بها السلطات السعودية إلى المرأة المغربية، والتي بررت هذا الإجراء بأنه جاء “تفاديا للتداعيات والمشاكل الأسرية والاجتماعية التي تقع داخل العائلات السعودية عند استقدام عاملات صغيرات السن”.
ولم تلمس الناشطة النسائية زهرة ضراس في مهامها في فرنسا وبالتحديد في منطقة أميان ما يشير إلى وجود هذه الظاهرة، إلا أنها تؤكد وجودها في مناطق أخرى من العالم. وقالت نائب رئيس جمعية “ضفتين”، التي تعني بشؤون المرأة المهاجرة، “يجب مراقبة سفر النساء المغربيات نحو الخليج”.
وأوضحت ضراس أن هؤلاء في الغالب يغادرن المغرب بعقود للعمل في الخارج إلا أنهن يجدن أنفسهن رهينة مافيات لتهريب اللحم البشري وكذلك ما يعرف بالكفيل بعد أن يسحب منهن جوازات سفرهن وجميع أوراقهن الثبوتية. وسردت في هذا السياق حالة لفتاة اطلعت عليها، والتي وجدت نفسها محتجزة في بلد خليجي ولم تتمكن حتى من حضور جنازة والدتها.
وحمّلت ضراس الحكومات المغربية المتعاقبة مسؤولية هذا الوضع، مؤكدة على وجوب مراقبة الشبكات التي تنشط في المجال والضرب بيد من حديد على من يتعاون معها من رجال السلطة.
الصحافي المغربي أمين الخياري، العامل في موقع هسبريس، تحدث لفرانس 24 عن الشهادات التي جاءت على لسان مواطنات مغربيات على هامش ملتقى “مغربيات هناك وهناك”، حيث أكدن فيها “وجود مغربيات بكثرة في المنطقة خاصة في ساحل العاج يتعاطين الدعارة”، وينتقلن عبر تونس عن طريق شبكات منظمة.
وقال الخياري إن المشاركات في هذا الملتقى “طالبن بشدة بمحاربة الظاهرة التي أساءت كثيرا لسمعتهن”. ودعت، يضيف الخياري، “الدولة إلى وضع استراتيجية لمواجهة الظاهرة”، كما أوضح أن الأفارقة الذين التقوا بهم بالمناسبة أوضحوا أن الظاهرة لا تقتصر على المغربيات بل نجد نساء يتعاطين الدعارة من مناطق أخرى بينها أوروبا الشرقية.
وقالت نوال بوعتارس، التي تعمل أستاذة للغة الفرنسية في فاس، في تصريح لفرانس 24، “إن ما يتردد عن دعارة المغربيات شيء مقرف ويطعن في شرف المرأة المغربية”، وتتابع قائلة “كامرأة ومواطنة مغربية أستنكر هذه الجريمة الشنعاء، لأنها تمس بالكرامة وتشوه صورة المرأة المغربية”.
وأضافت بوعتارس “أغلب المغربيات تم استغلالهن كعاهرات في الشقق المفروشة بعد حصولهن على تأشيرات سياحية للعمل في محلات التدليك أو كفنانات في النوادي الليلية، هذا يعني أن هناك مغربيات ضحايا وليس كل مغربية تمارس الدعارة بمحض إراداتها، هذا لا ينفي أن هناك مغربيات يقمن بالدعارة بمحض إرادتهن الشيء الذي أمقته شخصيا لأن لحم البشر لم يخلق للتجارة وليس بضاعة للبيع”.
المسألة يجب أن توضع داخل السياق الحقوقي
اعتبر رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، عبد الرحيم منار السليمي، “القضية حقوقية وليست أخلاقية كما يتصورها البعض. لا يمكن إطلاق هذا المفهوم بهذا الشكل “دعارة المغربيات” لأنه مفهوم بات يوظف للمس بصورة المغربيات والمغرب، فالأمر يتعلق باستغلال للمغربيات”، يوضح السليمي.
وقال السليمي في تصريح لفرانس 24 “المعلومات المتوفرة من خلال شهادات ميدانية أو حالات عرضت أمام القضاء تبين أن فئة كبيرة من المغربيات وقعن في فخ شبكات متعددة الجنسيات عربية وأفريقية، فالكثيرات وصلن بعقود عمل وهمية لأنه لا يمكن مغادرة المغرب أو الدخول إلى دولة خليجية أو أفريقية بدون تأشيرة تبنى على عقد عمل”.
وأوضح السليمي أن “المغربيات في جزء كبير هن ضحية، والمسؤولية تتحملها جهات مختلفة بما فيها دول الاستقبال، فالفئة المعنية هن فتيات لازلن في العشرينات لهن طلب اقتصادي جعلهن يسقطن في شبكات، وهناك شهادات صادمة في هذا المجال لمغربيات عشن في دول الخليج أو بعض الدول. الحديث عن مغربيات في أفريقيا معناه أن شبكات تهجير واستغلال المغربيات تتوسع”.
وأشار إلى أن الموضوع “ليس أخلاقيا كما يريد البعض تقديمه بل مرتبط بشبكات استغلال منظمة. الموضوع مفتوح للنقاش في المغرب اليوم ولكنه لم ينتقل إلى المؤسسات، الحكومة والبرلمان، وهناك مسؤولية للحكومات المتعاقبة في هذا المجال، فهي حكومات تهتم بالمرأة المغربية الموجودة في الدار البيضاء والرباط ولا تحمل مشروعا لحماية المرأة المغربية الموجودة في الخارج”.
وتابع في نفس السياق “لاحظنا وزارات تشتغل على الجانب السياسي لمشاركة المرأة وتهمل زوايا أخرى في حياة المرأة. لا زالت المنظمات الحقوقية الرسمية وغير الرسمية والحكومة والبرلمان غير معنية بهذا الموضوع، لسبب بسيط وهو أنه ليس هناك من يترافع اليوم ضد استغلال المرأة المغربية في الخارج، فالحكومة والمؤسسات الحقوقية الرسمية تبدو غير معنية بصورة المرأة المغربية في الخارج، والتخوف أن يبدأ تداول الملف وكأنه أخلاقي، وهو أمر خطير يجب التنبه إليه، فالمسألة يجب أن توضع داخل السياق الحقوقي ولا زلنا ننتظر تقريرا مشتركا بين مجلس الجالية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في الموضوع”.
بوعلام غبشي