قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، إن وصول دعاة الإصلاح إلى مراكز القرار يجعلهم يبصرون الواقع بشكل مخالف لأنهم يجدون الإكراهات والعراقيل والمقاومات، مشيرا إلى أن الإصلاح في المغرب ممكن «ولكن بسرعة أقل مما كنا نتصور».
رئيس الحكومة المغربية يتحدث للزميل حاتم البطيوي
رئيس الحكومة المغربية يتحدث للزميل حاتم البطيوي
وذكر ابن كيران، في حديث شامل خص به «الشرق الأوسط» أول من أمس، خلال وجوده في لندن للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي، أنه ليس من عادة الناس أن يعترفوا بأخطائهم، لكنه يمكنه القول إنه لما تحمل المسؤولية «واجهت بعض القضايا المرتبطة بطريقة التفكير، واقتنعت اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الإصلاح والتقدم هما أولا وقبل كل شيء حالة تفكير». وحول الأزمة التي عرفتها حكومته بسبب انسحاب حزب الاستقلال منها، قال ابن كيران «لم تكن هناك أزمة حكومية، بل كانت هناك أزمة في الأغلبية لما التحق بنا الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال»، وأوضح أن الأمور بقيت داخل الحكومة تسير بسلاسة حتى آخر يوم، أي اليوم الذي عين فيه الملك محمد السادس الوزراء الجدد». وعد ابن كيران ما حصل بأنه كان شيئا إيجابيا جدا، وقال «لقد وصلت العلاقة بين باقي مكونات الأغلبية وبين الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال إلى مستوى لا يمكن أن نستمر فيه، ومن ثم أعتقد أن ذهابه كان شيئا إيجابيا جدا بالنسبة للأغلبية الحكومية، وبالنسبة للمغرب». وتطرق ابن كيران إلى حكومات دول «الربيع العربي»، وقال «يجب ألا ننسى أنه في هذه المرحلة كل الحكومات التي جاءت بعد الربيع العربي عرفت مسارات متعددة، منها من انتهى (مصر)، ومنها من أعلن أنه سيقدم استقالته (تونس)، الآن نحن في المغرب نعرف الاستمرارية الكامنة في استمرارية الحكومة واستقرار المغرب وأمنه». وأضاف أنه «لا بد أن نعترف بأننا جئنا في مد الربيع العربي الذي يعيش الآن جزرا.. وهذا شيء لا بد أن يراعى». وكشف ابن كيران أن حزبه لم يقرر الخروج في أي مظاهرة إلى جانب «العدل والإحسان» المحظورة، خاصة مظاهرة الاحتجاج على ما وقع في مصر عقب 30 يونيو (حزيران) الماضي، وقال إن زوجته اتخذت قرار مشاركتها فيها بمحض إرادتها وقناعتها. وبشأن استعماله لأسماء الحيوانات في خطابه السياسي، قال ابن كيران إن ذلك لا يعني أنه متأثر بكتاب «كليلة ودمنة» لعبد الله بن المقفع، وكتاب «الحيوان» للجاحظ، أو بالسياسي المغربي المخضرم المحجوبي أحرضان، الذي اعتاد أيضا على استعمال أسماء الحيوانات في خطابه السياسي. وحول علاقته بالبروتوكول قال ابن كيران «تكيفت مع البروتوكول بصعوبة.. ولم أعد مستعدا لمفارقة ربطة العنق». وفي ما يلي نص الحوار.
* في يناير (كانون الثاني) المقبل ستمر سنتان على تبوئكم رئاسة الحكومة المغربية.. ما هي الخلاصة التي خرجتم بها من تجربة الحكم؟
– بكل صدق هذا سؤال وجيه، لأنني سأجعله مدخلا لكي أعترف بأن هناك بونا شاسعا بين الرغبة في الإصلاح والقدرة على الإصلاح. الرغبة في الإصلاح تكون كبيرة بصفة عامة عند كل دعاته، وربما يتصورون أن وصولهم إلى مراكز القرار على مستوى الحكومة في دولة مثل المملكة المغربية سوف يتمكنون من خلاله من أن ينفذوا الإصلاحات التي كانوا يعتقدون صوابها، لكن وصولهم إلى مراكز القرار يجعلهم يبصرون الواقع بشكل مخالف، إذ يجدون الإكراهات والعراقيل والمقاومات، وهي كثيرة ومتنوعة ولها أطراف متعددة. ولهذا يمكنني أن أقول لك اليوم إن هناك تصورا أكثر تواضعا في ما يخص القدرة على إنجاز الإصلاحات، لكن هناك قناعات مهمة جدا تكمن في أن الإصلاح ممكن ولكن بسرعة أقل مما كنا نتصور.
وما حققناه حتى الآن، والحمد لله، خلال السنتين اللتين انقضتا، لا بأس به، والسير في اتجاه الإصلاح يبقى شيئا ضروريا بالنسبة إلينا.
* أين أصبت وأين أخطأت خلال هذه الفترة؟
– ربما ليس من عادة الناس أن يعترفوا بأخطائهم، لكني يمكن أن أقول لك إنني لما تحملت المسؤولية واجهت بعض القضايا المرتبطة بطريقة التفكير، واقتنعت اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الإصلاح والتقدم هما أولا وقبل كل شيء حالة تفكير. نعم قلت في نفسي منذ أن تحملت هذه المسؤولية، وبدأت تواجهني بعض القضايا، إنني لا بد أن أواجهها حتى وإن كانت تكلفتها غالية. فمثلا قضية الإضرابات في المغرب كانت منتشرة كثيرا في القطاعين العام والخاص، وقلت إن الإضراب حق إذا كان هنالك مبرر له، وقلت أيضا إنه لا يمكن أن يمنع أحد من ممارسته، ولكن ليس من الطبيعي أن يضرب الإنسان يوما أو يومين أو حتى شهرا أو شهرين، في بعض الحالات، ويحصل على أجرة الأيام التي لم يعمل فيها، فسرت في اتجاه شيء نسميه في المغرب «الاقتطاع». فكل يوم يضرب فيه شخص يعمل في القطاع العام، الذي يخضع للحكومة، عن العمل نقتطعه من أجره. ولا أخفيك أن الحكومة في البداية كانت مترددة، وساندني بعض الوزراء الذين عدوا ذلك منسجما تماما مع القانون الدولي للعمل، وأنه معمول به في كثير من الدول منها فرنسا وألمانيا وغيرهما، واقتنعت الحكومة بهذا الإجراء الذي لا أنظر إليه على أنه إجراء صعب لكنه إجراء لم يكن مألوفا. لما وصلت إلى رئاسة الحكومة كان عدد الإضرابات في الجماعات المحلية (البلديات) كبيرا، وكان المضربون يعملون يوما أو يومين في الأسبوع. وطالت الإضرابات المحاكم، وهناك بعض الأشخاص كان يحين وقت خروجهم من السجن ولا يجدون من يقوم بإجراءات خروجهم. وطالت أيضا الإضرابات قطاع التعليم، وكانت المدارس في بعض المستويات التعليمية تعمل أحيانا أقل من نصف السنة. فقلنا إن ذلك يتطلب تطبيق القانون وروحه، وهو ما قمنا به وكان ذلك أمرا صعبا. وأعتقد أنه لا يوجد الآن في القطاع العام أي إضراب تقريبا. وهذا لا يعني أن الإضرابات سوف تنتهي في المغرب بل ستستمر. ولكن في المستقبل لن يستجيب الناس لأي إضراب، إلا إذا كان هنالك إضراب له مبرر حقيقي يجعل الإنسان مستعدا لكي يضحي بأجرة يوم من عمله وستجري الاستجابة له، أما إذا كان إضرابا على غرار ما تدعو إليه بعض النقابات، فلا أظن أنه سيستجاب له.
ويمكن قول الشيء نفسه عن بعض القرارات الأخرى مثل التوٍظيف المباشر. فالمجموعة التي طالبت بذلك كان بينها وبين ممثلين عن الحكومة في السابق محضر في هذا الشأن، ولكن الحكومة نفسها قررت منع التوظيف المباشر، والدستور يدعو إلى تكافؤ الفرص بين المواطنين، فكانت هنالك إشكالية من المفروض أن نحلها، والآن هم ذهبوا إلى المحكمة، فإذا حكمت لصالحهم فلا مانع لدي لأن قرار المحكمة ملزم للإدارة، ولكن هذا الموضوع يجب أن ينتهي. التوظيف الآن يجب أن يكون من خلال المباراة، ويُعطى عن جدارة واستحقاق. ويجب على الناس ألا يتعلقوا بالوظيفة العمومية فهي ليست الوسيلة الوحيدة للكسب. لقد اختلت الموازين الآن، فالمواطن الذي يتوجه للسوق بالإجازة أو الماستر يمكن أن يبدأ عمله بأجرة تتراوح بين ثلاثة أو أربعة آلاف درهم، ويتطور تدريجيا حسب كفاءته. أما إذا كان سينال الوظيفة من خلال الاعتصامات أمام البرلمان ليحصل على نحو عشرة آلاف درهم (نحو 1100 دولار) في الشهر، آنذاك يجب ألا ننتظر منه التوجه إلى السوق. نحن في حاجة إلى شبابنا كي يتوجهوا إلى مجال الاستثمار والعمل والإبداع والمغامرة. طبعا من واجب الحكومة أن تجتهد في أن يكون الاستثمار ناجحا حتى يجد هؤلاء الشباب فرص الشغل، من واجبها أيضا أن تجتهد وتيسر لهم إمكانيات التشغيل الذاتي، وتساعدهم في مختلف المجالات للحصول على القروض إلى آخره، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو «هل سنصبح دولة موظفين؟».. وبالتالي فإن ما لا يمكن أن نقبله هو أن يصبح الأمل الوحيد الموجود عند شبابنا هو الوظيفة، فهذا سيكون كارثة لا قدر الله، وبطبيعة الحال هنالك سؤال مأثور لدى البعض «ماذا هيأ لنا وطننا؟»؛ والسؤال الذي يواجه هذا السؤال هو «ماذا هيأت أنت لوطنك؟».
* عرف المغرب في الأشهر الأخيرة أزمة حكومية، وجرى أخيرا تشكيل الحكومة الجديدة، فما هي الدروس والعبر التي استخلصتموها من هذه الأزمة؟
– لم تكن هناك أزمة حكومية، بل كانت هناك أزمة في الأغلبية لما التحق بنا الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال. فداخل الحكومة بقيت الأمور تسير بسلاسة حتى آخر يوم، أي اليوم الذي عين فيه جلالة الملك الوزراء الجدد. لكننا نعتقد بصراحة وصدق أن ما حصل كان شيئا إيجابيا جدا. لقد وصلت العلاقة بين باقي مكونات الأغلبية والأمين العام الجديد لحزب الاستقلال إلى مستوى لا يمكن أن نستمر فيه، فأعتقد أن ذهابه كان شيئا إيجابيا جدا بالنسبة للأغلبية الحكومية، وبالنسبة للمغرب.
* هناك من يقول إنه كان بإمكانكم تفادي الأزمة مع حزب الاستقلال بالحوار والاستماع إلى أمينه العام الجديد، أم أن الأمر كان يتعلق بتيار جارف كان يصعب عليكم التماهي معه؟
– لا، لا، لا.. لم نبق في مستوى الاستماع أو البرامج أو المذكرات، الرجل (أمين عام حزب الاستقلال) مر إلى الشتم والتعرض للوزراء والقذف في حق بعضهم، وهذا ما جعل التعايش معه داخل حكومة واحدة متعذرا، وأصبح الأمر صعبا كذلك بالنسبة لأحزاب الأغلبية الأخرى عندما بدأ التهجم على وزرائهم، وبالتالي لم يعد الأمر مقبولا، وأظن أن ما حدث كان فيه خير كبير بالنسبة للحكومة.
* ما الفرق بين عبد الإله ابن كيران في الحكومة الأولى وابن كيران في الحكومة الثانية؟
– ليس هناك فرق، أنا ما زلت، ولله الحمد، الشخص نفسه، ربما دخلت بعض النسبية في المنطق الذي أعمل به، لكني آمل أن تنجح التجربة الحالية، وأود هنا القول إنه لولا أن التجربة الأولى كانت ناجحة لما كانت هنالك حكومة ثانية يرأسها عبد الإله ابن كيران. ويجب ألا ننسى أنه في هذه المرحلة كل الحكومات التي جاءت بعد الربيع العربي عرفت مسارات متعددة، منها من انتهى (مصر)، ومنها من أعلن أنه سيقدم استقالته (تونس). الآن نحن في المغرب نعرف الاستمرارية الكامنة في استمرارية الحكومة واستقرار المغرب وأمنه، واستمرارية صورته الحسنة، وتزايد عدد السائحين المقبلين عليه، زد على ذلك أننا كسبنا عشر نقاط في تحسن مناخ الأعمال، ورفع اسمنا من لائحة الدول التي كانت لديها مشاكل في موضوع غسل الأموال، إلى آخره. هناك خطوات حقيقية وأمور تحققت للمغرب تفيد بأن التجربة السابقة لم تكن سيئة، بيد أننا نأمل أن تكون التجربة الحكومية الحالية أحسن من سابقتها.
* هناك ملاحظة تكمن في أنك منذ بدء مفاوضات تشكيل الحكومة الثانية لم تعد تستعمل في خطاباتك مصطلحات من قبيل «التماسيح والعفاريت»، فهل معنى ذلك أن هذه الأخيرة لم تعد موجودة، أم أنك استطعت أن تدخلها إلى القفص الحكومي، أم أن الأمر يتعلق بتوافق قائم على شعار «لا غالب ولا مغلوب»؟
– الأشخاص الذين التحقوا بالحكومة هم أشخاص معروفون. بطبيعة الحال كانت بيني وبين السيد صلاح الدين مزوار (رئيس التجمع الوطني للأحرار) مواجهات، وبطبيعة الحال بعض الناس يخلطون بين المواجهات التي كانت بيني وبينه؛ وبينه وبين بعض أعضاء حزبي، لكن هذين شيئان مختلفان تماما، ولهذا أريد أن أقول لك إن قضية «العفاريت والتماسيح» عبرت بها في وقت من الأوقات، وأصبحت شائعة في الخطاب السياسي المغربي، ووُجه لي سيل كثير من الانتقادات لتعبيري عن آرائي بهذه الطريقة، وأنا أتقبل أن أنتقد، وبطبيعة الحال فلأن أي شيء يثير على رجل السياسة الزوابع يجب أن يتفادى استعماله مجددا إلا إذا كان مضطرا لذلك، فأرجو ألا أكون مضطرا لاستعمال هذه الأوصاف مرة أخرى.
* أنت ثاني شخصية سياسية مغربية بعد السياسي المخضرم، المحجوبي أحرضان، تستعمل أسماء الحيوانات في خطابها السياسي، ما السر في ذلك، هل تأثرت بكتابي «كليلة ودمنة» لعبد الله ابن المقفع، و«الحيوان» للجاحظ، أم أنك تأثرت بأحرضان؟
– لا أظن أنني متأثر بهذا أو ذاك. لكن أظن أن الظروف التي جعلت كليهما (ابن المقفع والجاحظ)، رغم الفارق، يتحدثان بهذه الصيغة، يمكن أن تكون هي نفسها التي دفعتني إلى الاستفادة من هذا المعجم للتعبير عن بعض الأفكار والملاحظات.
* لقد أبنت عن براغماتية وليونة كبيرة لتجاوز عاصفة الأزمة الحكومية، الملاحظ أن الحكومة الحالية زاد عدد التكنوقراط فيها وتخليت عن وزارة الداخلية لصالح شخصية مستقلة بعد أن تولتها لأول مرة شخصية حزبية، كما تخليتم عن وزارة الخارجية.. هل يتعلق الأمر بعقلانية مغربية مقابل فقدان البوصلة في المشرق، وأقصد هنا ما وقع في مصر، أم ماذا حدث بالضبط؟
– مفاوضات تشكيل الحكومة هي مع أطراف متعددة، أي مع الأحزاب التي تكون معك الأغلبية. بطبيعة الحال قبل عرض النسخة النهائية للحكومة على جلالة الملك يجب إبلاغه بالأشخاص الذين نقترحهم لعضوية الحكومة، حتى لا نصبح أمام لوائح ترفض. وحين يكون الكلام في إطار التفاوض والتشاور فإن مختلف الأطراف يبدون آراءهم المرتبطة بالأشخاص وبالأوضاع، وبالمهام.
فأنا كمسؤول عن الحكومة لا بد أن آخذ بعين الاعتبار هذه الآراء، وبالتالي ليس كل تغيير يمثل تنازلا، هذا غير صحيح، في بعض الأحيان يختار المرء الأرجح والأولى في المرحلة التي هو فيها، بمعنى أننا لا بد أن نعترف بأننا جئنا في مد ما كان يسمى بالربيع العربي، والآن يعيش في مرحلة الجزر، وهذا شيء لا بد أن يراعى. وأظن أن المغرب يمكن أن يعتد بأنه أنجز في هذه المرحلة شيئا كبيرا جدا. أولا، حافظ في هذه المرحلة كلها، التي كانت مضطربة، على أمنه واستقراره، ولم تقع فيه أشياء كثيرة مؤلمة وقعت في مناطق أخرى. ثانيا، حافظ على صورته السياسية، واستفاد ويستفيد من هذا المد لصالحه.
كوني براغماتيا ولينا، أود القول إن السياسي الذي لا يكون على براغماتيا ولينا يفشل. السياسة هي فن الممكن، والناس يخلطون بين المبادئ والمواقف، المبادئ تبنى على القناعات أما المواقف فتبنى على الإمكانيات، وفي حدود الحد الأدنى الذي لا يمكن أن يتنازل عنه المرء، وأنا أعتقد أن حزب العدالة والتنمية خرج معززا مكرما من خلال التشكيلة الحكومية الجديدة، إذ حافظنا على نفس عدد وزرائنا. بطبيعة الحال هناك ملاحظة مفادها أن حزب الاستقلال كانت لديه ست وزارات بينما أصبح للتجمع الوطني للأحرار ثماني وزارات، وكانت لدى الحركة الشعبية أربع وزارات فأصبح لديها اليوم ست وزارات، وحزب التقدم والاشتراكية كانت لديه أربع وزارات واليوم أصبح لديه خمس، وهذا ما فرض تشكيل حكومة من 39 وزيرا.
لنقل إن الأمر الصعب هو تخلينا عن وزارة الخارجية، لكن هذا كان فيه تدبير لمصلحة الوطن، وتقدير لهذه المصلحة، إذ جرى التخلي بموافقة وزير الخارجية السابق الأخ سعد الدين العثماني الذي أدى دوره بكامل الجدية ولم يغادر موقعه بسبب أنه أدى مهامه بطريقة سلبية أو أنه لم ينجح في عمله.
* إذن ما هو السبب الحقيقي؟
– لقد قلت لك إن الأمر يتعلق بتدبير لمصلحة الوطن وتقدير لهذه المصلحة. كما أن التشاور مع أطراف مفاوضات تشكيل الحكومة هو الذي جعل من وزير الخارجية السابق نفسه يصل إلى هذه القناعة، وأنه من المصلحة الآن ألا يظل في وزارة الخارجية.
* ألا تخشون أن يتكرر ما حدث مع حزب الاستقلال مع التجمع الوطني للأحرار أو مع باقي مكونات الأغلبية الحالية لتجد نفسك مجددا عند نقطة الصفر.. وهل وضعتم آلية لتجنب تكرار ما حصل، وهل تعتقدون أن حكومتكم الحالية ستكمل ولايتها؟
– الغيب يعلمه الله، بيد أنني أظن أن الحكومة الحالية ستكمل ولايتها بإذن الله، وحتى أكون واضحا معك لا أظن أنه سيقع مع التجمع الوطني للأحرار أو مع غيره من مكونات الأغلبية ما وقع مع السيد (حميد) شباط. السيد شباط إنسان خاص، والجميع يعرفه، يعرف طريقة عمله وخصوصيته، طبعا لا أريد أن أتحدث عن حزب الاستقلال فقد حافظت دائما على أحسن العلاقات معه، ورحم الله علال الفاسي (زعيم الحزب التاريخي)، فهذا هو الحزب الذي لم يقع بيننا وبينه أي احتكاك، حتى في الفترات التي كنا مستهدفين فيها من الآخرين كان هو يتحفظ.
إنني متفائل بالمستقبل مع أن الله وحده يعلم ما سيقع فيه، إن المشكلة لا تكمن في هل سيقع أم لن يقع، بل المهم هو ألا يحدث ذلك بسببي، وألا يقع خطأ من جهتي، وأنا حريص على ألا يقع ارتباك في المغرب بسببي. أما إذا قامت جهة ما أو شخص ما بالتصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها السيد شباط، وهو أمر مستبعد جدا، فآنذاك لكل حادث حديث، وأظن أن انطلاقة الحكومة الحالية كانت جيدة ولله الحمد.
* كيف هي علاقتكم الآن مع القصر الملكي المغربي، ومع المحيط الملكي بالذات، وهل تجاوزتم سوء الفهم وحالة الارتياب مع هذا الأخير؟
– يجب أن تكون الأمور واضحة، علاقتنا بجلالة الملك هي علاقة يوضحها الدستور. جلالة الملك هو رئيس الدولة، هو الذي يرأس المجلس الوزاري الذي تكون الحكومة حاضرة فيه، وهو أيضا أمير المؤمنين، وخذ أنت هذه الصفات الثلاث لتفهم ما هي العلاقة التي بيننا وبين جلالته، ذلك أنني مقتنع بأن العلاقة مع جلالة الملك يجب أن تكون، بالإضافة إلى كونها علاقة تعاون، يجب أيضا أن تكون علاقة ودية، لأن هذا يصب في مصلحة الوطن. فأي تنازع على هذا المستوى المغرب هو الذي سيدفع ثمنه، ولا تنس أننا عانينا من عام 1956 حتى عام 1996 بسبب التنازع الذي وقع بين الحركة الوطنية والملك محمد الخامس رحمه الله، أولا، والملك الحسن الثاني رحمه الله، ثانيا، ولم يرجع للمغرب الشعور بالاستقرار إلا بعد أن صوتت الحركة الوطنية متمثلة في حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لصالح دستور 1996، ووقعت المصالحة الوطنية التي أدت إلى التناوب التوافقي. إن 40 سنة من التنازع كانت تكلفتها غالية على مستوى التقدم بالنسبة للمغرب.
أما المحيط الملكي فهو لا يتحرك إلا بإذن من جلالة الملك، وعلاقتنا معه ودية. بيد أن التعامل هو أساسا مع جلالة الملك، وحين يكلِّف أي واحد من المستشارين فإننا نتعاون ونتشاور معه في كل مسألة كلِّف بها بنفس الطريقة ونفس المنهج. ولعلك تذكر ما سبق أن قلته لك منذ شهور إن المغاربة إذا كانوا يريدون شخصا يصطدم بملكهم فيجب أن يبحثوا عن شخص آخر غيري، فأنا لا أصلح لهذا. فهذه هي قناعتي، دعوت إليها منذ زمن طويل، وبسببها قيل كلام كثير في حقي، لكنني لا أبالي، فهذه هي قناعتي إزاء ما يصب في مصلحة المغرب.
* تتهم أحزاب المعارضة الحكومة الجديدة بأنها فاقدة للشرعية، لأنها لم تحصل على التنصيب البرلماني.. ألا ترى أن المعارضة محقة في مطلبها خاصة أن حكومتكم التحق بها حزب كان في المعارضة وسبق له أن صوت ضد برنامج حكومتكم الأولى، والآن يوجد ضمن الأغلبية الجديدة، كما انسحب منها حزب آخر والتحق بالمعارضة؟
– هذا ليس كلاما منطقيا، ذلك أنه في مثل هذه الأمور لا يُحكم بالمنطق الرياضي، فالقول إن هذا حزب صوت ودخل، وهذا حزب صوت وخرج، يخص أمورا يحكمها ويتحكم فيها الدستور، والمعارضة أقامت منها ضجة إعلامية.
* كيف؟
– لأنه إذا كانت هذه المسألة صحيحة كان من المفروض أن يلجأوا إلى المجلس الدستوري لأنه هو الذي سيحسم في هذا الموضوع، أو أن يوجهوا لي مذكرة توضح الحجج التي عندهم. هذه قضية أثاروها في البرلمان والآن تجاوزوها، وهنالك تناقضات كثيرة رد عليها إخواننا القانونيون، ونحن لسنا بصدد حكومة جديدة هذه أغلبية حكومية خرج منها حزب والتحق بها آخر، وإلا غدا فإن أي وزير أقيل أو استقال فيجب أن نعيد بسببه التنصيب البرلماني للحكومة من جديد. إذن هذه حكومة مستمرة، وإذا اقتضت المصلحة أي شيء في المستقبل فسوف نقوم بذلك، أما الآن فلا حاجة إلى تنصيبها برلمانيا.
* الملاحظ أن الحكومة الجديدة زاد فيها عدد التكنوقراط، ألا ترون أن عودتهم هي بمثابة تشكيك في أداء الأحزاب، وضرب لها في الصميم، أم أن للضرورة أحكاما؟
– للضرورة أحكام دائما، ولكن ليس هذا هو السبب فقط. واسمح لي هنا بأن أقول إن في الأحزاب كفاءات، وهذا لا شك فيه، ولكن القول إن كل الكفاءات يوجدون في الأحزاب فهذا أمر غير صحيح، فهناك أشخاص كثيرون ذوو كفاءات عالية لا ينتسبون إلى الأحزاب، ودعني أعطك مثالا بالأخ وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي، الذي لم يكن معروفا من قبل أنه منتم لأي حزب سياسي بشكل مباشر، ولكن عندما اقترحه علي صلاح الدين مزوار اعتبرته مقترحا مشتركا، لأنه واحد من رجال الأعمال الناجحين إذا استطاع أن يتأقلم مع الجو السياسي فسوف يكون ذلك إضافة، وبالتالي فإن مجيء بعض الأشخاص الذين لم يكن لديهم انتماء سياسي، وعندهم كفاءة مشهود لهم بها، إلى الحكومة هو خدمة وطنية للمغرب، وأنا أرجو أن يصبح هذا الانفتاح في المستقبل أكبر بحيث تختار الأحزاب وزراء من بين أعضائها، ولا بأس أن تختار وزراء من كفاءات المجتمع التي لا تنتمي بالضرورة إليها لا سيما بعض الأشخاص الذين لديهم إلمام بالوضع، والقدرة على إنجاز أشياء كبيرة، بحيث غالبا ما يكون هؤلاء نافعين جدا.
* ما هي أصعب اللحظات التي مرت بها مفاوضات تشكيل الحكومة وجعلتكم تصلون إلى الباب المسدود؟
– لم نصل إلى الباب المسدود خلال المفاوضات، وإنما كانت هناك بعض اللحظات التي عرفت بعض التوتر، لكن أؤكد لك أننا لم نصل إلى الباب المسدود. كانت الأشياء تتجاوز بسرعة نسبيا، لكن يجب ألا ننسى أن هذه الحكومة تكونت مع حزب كانت لدينا معه مشاكسات ومواجهات، وكنا نحتاج إلى وقت لتصفية الأجواء. وهذه هي السياسة. طبعا كانت هناك إمكانية أخرى، وأنا كنت قادرا على تقديم استقالتي لجلالة الملك. ولكن قبل أن يأتي المرء إلى الحكومة تكون نظرته للأمور نظرة رئيس حزب، ولكن عندما يصل إليها تصبح نظرته نظرة رئيس حكومة يراعي مصلحة الوطن ككل، والظروف التي تمر بها المنطقة. لقد اعتبرنا أن إرباك الحكومة هو فتح لجرح لا ندري ما سينتج عنه، ويجعلنا نتساءل متى ستكون الانتخابات، وكيف ستكون نتائجها، وما هي تكلفتها، إلى جانب الكثير من الإشكاليات المرتبطة بذلك. لقد مرت المفاوضات بلحظات صعبة حيث كان يتوقف الحوار في بعض الأحيان مع الأطراف المعنية، لكن في الأخير جرى تجاوز تلك اللحظات الصعبة.
* ما هي حقيقة مساهمة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة في تذليل العقبات التي اعترضت تشكيل الحكومة؟
– هذا المستشار الملكي له مكانة خاصة والجميع يعرف هذا، وسواء تعلق الأمر بالحكومة الأولى أو الحكومة الثانية فإنه قام بدور كبير في التشاور، وأسهم في الوصول للصيغة النهائية لهذه الحكومة، ولكن أي شيء لم يكن يجري من دون اطلاع جلالة الملك، والحصول على إذنه.
* شكل الإبقاء على الوزير محمد الوفا، الذي رفض الاستقالة من الحكومة امتثالا لقرار حزب الاستقلال، مفاجأة الحكومة الثانية.. ما حقيقة الإبقاء عليه هل الأمر يتعلق بالوفاء للرجل أم الهدف منه إغاظة حميد شباط؟
– حميد شباط استهدفني واستهدف حزب العدالة والتنمية، لكن السياسة لا تبنى على الإغاظة.. هذا غير معقول.. أنا اقتعنت بالوفا عندما رأيته يعمل في وزارة التعليم، وعرفت أنه رجل شجاع، ويمتلك قدرات كبيرة جدا، ومتمكن من ضبط بعض القضايا في الجانبين القانوني والاقتصادي. أظن أنه كان من الصعب أن يستمر في دوره كوزير للتعليم، لكنني قررت ألا تضيع كفاءته، وهذا هو السبب الأساسي وراء بقائه في الحكومة، أي ألا يخسر الوطن كفاءته، فاقترحت أن يبقى معي في الحكومة كوزير للحكامة والشؤون العامة، وأظن أنه كان قرارا موفقا.
* لقد كان موقف حزبكم خجولا ومترددا إزاء ما وقع في مصر في 30 يونيو (حزيران) الماضي، هل الأمر يتعلق بتغيير الجلد أم يدخل ضمن ما يسمى «التقية السياسية»؟
– يجب أن تكون الأمور واضحة، نحن اليوم حزب يسير حكومة، والسياسة الخارجية للدولة يقررها جلالة الملك، وهذا شيء محسوم في الدستور، والحزب الذي يسير الحكومة لا يمكن أن يقف مواقف مخالفة لبلده، فالأمر واضح. وبالنسبة لنا لا بد أن تكون الأمور واضحة بخصوص مصلحة شعوب الدول العربية والإسلامية، هذا شيء أساسي. وبخصوص الجماعات والأفراد نحن نتأثر بكل شيء يقع فيه إيلام أو ظلم لأي مواطن في الأمة العربية والإسلامية وفي الأرض كلها، ولا نريد أن يؤذى أي إنسان. ولكن لا بد أن الأولويات تقضي أن ينظر الإنسان إلى المصلحة العامة لأنه إذا انهارت الدول العربية والإسلامية، لا قدر الله، فستكون كارثة كبرى وعظمى، لهذا اختياراتنا كانت واضحة منذ البداية.
* إذا طلب منكم توجيه نصيحة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر للخروج من المأزق الذي تعيشه الجماعة، وتعيشه أرض الكنانة أيضا، فماذا تقول لها في هذا الصدد؟
– نحن لا ننصح الناس عندما يكونون في مثل هذه المحن. نحن نقدرهم ونقدر أنهم يستطيعون أن يتصرفوا من خلال ما يتصورون فيه مصلحة بلدهم ودينهم وجماعتهم، وعلى كل حال لن ننصحهم على رؤوس الأشهاد، ونسأل الله أن ييسر لأهل مصر الخروج من هذه الأزمة القاتلة.
* أود أن أسألك عن الفرق بين حزبكم وحزبي «النهضة» التونسي و«الحرية والعدالة» المصري؟
– أنا أستغرب طرح مثل هذا السؤال علي. هل المغرب هو تونس أو المغرب هو مصر، أو مصر هي تونس والعكس صحيح؟ في المراحل الأخيرة، ابتداء من مرحلة الاستعمار، أصبح لكل دولة مسار خاص.. كان هناك مسار للحكم فيها، ومسار للطبقات السياسية، ومسار للجماعات الإسلامية. والمغرب دولة لها مسار خاص منذ قرون بعيدة، فهو منذ عهد مولاي إدريس رحمه الله (مؤسس دولة الأدارسة) وهو يمثل دولة مستقلة، وظل المغاربة يتفاعلون مع كل ما يأتيهم من الشرق ولكن بطريقتهم. لقد كان هناك التيار القومي العربي، والتيار اليساري، والتيار الإسلامي، والتيار الليبرالي، كل هذه التيارات تعاملنا معها في المغرب بطريقتنا الاستيعابية، فنحن لم نتنكر لأي شيء يأتينا، لكننا استوعبنا هذه التيارات ضمن منطقنا وقوانيننا. وأود الإشارة هنا إلى أن التيار الأمازيغي الذي أحدث مشاكل كثيرة في بعض الدول رجع في المغرب إلى حجمه الطبيعي، ودوره الطبيعي، المتمثل في تفعيل ثقافة أصيلة ووطنية.
* لم يخف الملك محمد السادس في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة أن الوضع صعب بالنسبة لملف الصحراء، وأن الأمور لم تحسم، وأن مناورات خصوم وحدة تراب المغرب لن تتوقف مما قد يضع قضية الصحراء أمام تطورات حاسمة. والمعروف أنكم التقيتم في الرباط أخيرا الوسيط الدولي في نزاع الصحراء كريستوفر روس، ماذا حمل إليكم، وهل يمكن القول إن صفحة سحب المغرب ثقته منه قد طويت نهائيا؟
– أظن أن جلالة الملك كان واضحا. بالنسبة للمغاربة بطبيعة الحال قضية الصحراء محسومة منذ سنة 1975، وبالنسبة للمجتمع الدولي. الملك محمد السادس كان على صواب لأنه ما دامت هذه القضية قائمة فهي لم تحسم بطريقة نهائية. لقد أكد جلالة الملك في خطابه على مسؤولية باقي الفاعلين السياسيين، وهي الآن موضع نقاش. صحيح أن الذي يقود الملف كان في تقديرنا دائما هو القصر الملكي والمغاربة جميعا معه، وهذا شيء لم يتغير، بيد أن المطلوب منا اليوم على مستوى الدبلوماسية البرلمانية هو أن نكون أكثر حضورا ووضوحا في شرح الإشكاليات. وفي تقديري أرى أن هذه القضية ما دام إخواننا الحاكمون في الجزائر يجعلون منها قضية أساسية، مع أنهم يقولون إنهم غير معنيين مباشرة بها، سوف تبقى، مع الأسف الشديد، في هذا الوضع، لكن بالنسبة للمغرب تبقى هذه القضية محسومة داخليا.
في ما يخص روس أظن أن الرجل فهم واستوعب الذي وقع، وحين ألتقي به فإن الكلام الذي أسمعه منه في الغالب كلام معقول ومنطقي، وهو الآن حسب تقديري يريد أن يركز على الزيارات المكوكية التي يمكن أن تحسن الأجواء في المستقبل، وإمكانية البحث عن مخرج لهذه القضية التي أصبحت ورطة، ولم تعد قضية يمكن أن توصف بأي وصف آخر.
* كيف هي علاقة حزبكم بجماعة العدل والإحسان، ففي بداية تشكيل حكومتكم الأولى طالبت قادتها بالكف عن اللعب بالنار، وقبل أشهر وجدنا حزبكم يخرج في مظاهرة جنبا إلى جنب معها احتجاجا على ما وقع في مصر؟
– يجب أن أكون واضحا معك. الحزب لم يقرر الخروج في المظاهرة، لكن خرج فيها عدد من أعضائه وهذا صحيح، وكان كل واحد منهم يعبر عن نفسه.
* بمن فيهم زوجتك؟
– نعم بمن فيهم زوجتي التي أثارت الصحافة أنها ذهبت تنوب عني في المظاهرة. هل هذا كلام؟ ولم أرغب وقتها في الرد على ذلك وتكذيبه لأنه سيؤدي إلى شوشرة إعلامية، فهو كلام غير صحيح، والله خير الشاهدين. لقد اتخذت زوجتي قرار مشاركتها في المظاهرة بمفردها، وبقناعتها، وبإرادتها. هذه حقيقة ما وقع.
أما بالنسبة لعلاقتنا مع جماعة العدل والإحسان فهي تدخل في إطار حرصنا على أن تبقى علاقتنا جيدة مع الجميع. فجماعة العدل والإحسان تأسست في الوقت نفسه تقريبا الذي تأسسنا فيه، وكانت دائما بيننا وبينها علاقة ودية، وفي بعض الأحيان وقعت اختلافات، وشيء من المواجهة على المستوى الفكري إلى آخره، لقد كان رأيي دائما ما يلي: الإنسان يجب أن يقدر الظروف تقديرا صحيحا، والتقدير الصحيح هو أن يبادر المرء إلى خدمة وطنه. وأنا أيضا لا أشعر بأنهم يخلقون مشكلة، لكنهم لو اندمجوا في الحياة السياسية أو الحياة الثقافية، بعد قبولهم بطبيعة الحال بالثوابت التي يقوم عليها البلد، أظن أن هذا سيكون أحسن بكثير.
* هل تكيفتم بشكل نهائي مع البروتوكول..
– بشيء من الصعوبة، لكنني تكيفت بطبيعة الحال.
* أما زال موظفو البروتوكول يوجهون لكم انتقادات أو تنبيهات بشأن طريقة سلامكم على الشخصيات التي تلتقونها أو طريقة جلوسكم معها آو غير ذلك؟
– مسؤولو البروتوكول لا يوجهون إلى أي انتقادات أو تنبيهات في هذا المجال، لكن الصحافة لا تكف عن ترديد ذلك. وأظن أن شخصا مثلي سيصعب عليه أن يتغير مطلقا، لكن لا بد من ذلك لأن الوظيفة تفرض على المرء بعض الأشياء التي قد يبدو في البداية أنه غير مستعد لها.
* كيف أصبحت علاقتك مع ربطة العنق هل تعودت عليها.. ألم تعد تزعجك وتخنقك كما كان الأمر في بداية توليك رئاسة الحكومة؟
– على كل حال لا أظن أنني مستعد لمفارقتها الآن، فأنا رجل وفي. لقد كنت تاركا لها والآن أنا مرتبط بها.