تتمة لما سبق التطرق له في الجزء الأول من هذا الموضوع الجدير بالدراسة والتحليل والتشخيص، ونظرا للضجة التي أحدثها تصريح السيد وزير العدل والحريات الأستاذ مصطفى الرميد كون المتابعات القضائية في حق الصحافيين بلغت خلال 10 أشهر الأولى من السنة الحالية 61 حالة متابعة، وهذا شيء خطير وجب التمحيص في أسبابه وخلفياته وسبل تفاديه وذلك إنطلاقا من الدراسة المتواضعة الآتية، وهي مجرد رأي والرأي يحترم .
الإعلاميون وشبح المتابعات القضائية : أسباب النزول وسبل التفادي
بداية لابد من التذكير بأن تحريك مسطرة المتابعة القضائية من طرف النيابة العامة في حق بعض الصحافيين ليس بالضرورة كراهية فيهم أو إنتقاما منهم، ولكن بسبب الشكايات التي يضعها الذين لحق بهم الضرر جراء نشر أخبار وأكاذيب يعتبرونها مسيئة في حقهم من طرف بعض الصحافيين الذين يتعمدون أسلوب الإساءة في كتاباتهم إما من أجل الإبتزاز والإرتزاق، وإما خدمة لأجندات بعض الذين يمولون كتاباتهم المسمومة من أجل الإطاحة ببعض الرؤوس النزيهة الجادة التي تقف سدا منيعا في وجه خروقاتهم العديدة وتجاوزاتهم المتعددة والمبالغ فيها في كثير من الأحيان،مع التسرع في النشر في إطار السبق الصحفي والإثارة والإطاحة والتصفية والإنتقام، الشيء الذي يفرض على هؤلاء المتضررين اللجوء في بعض الأحيان إلى العدالة من أجل رد الإعتبار لسمعتهم ومكانتهم الإجتماعية، وذلك بالإصرار على متابعة كل الذين أساؤوا إليهم من خلال نشر أنباء عنهم مغرضة لا أساس لها من الصحة، وفي هذه الحالات بالظبط يبقى المسؤول الأول عن هذه المخالفات هو ذلك الصحافي الذي لم يلتزم بأدبيات الصحافة وأخلاقيات المهنة التي تلح على :
-ضرورة التأكد من المعلومة قبل نشرها، ومعاينة الخبر قبل الخوض فيه مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليس الخبر كالمعاينة ).
-إعتماد إستراتيجية التحري والتقصي والبحث عن القرائن والأدلة والمعاينة الميدانية بمجهود شخصي، إتباعا لوصية ديكارت الذي قال في إحدى مذكراته : أعترف بأنني ولدت وفي نفسي نزعة عقلية تجعلني أجد اللذة القصوى في إكتشاف الحجج بنفسي لا من الإصغاء لحجج الغير .
-عدم الإعتماد على نقل الأخبار من مصادر مشكوك في مصداقيتها وفي نواياها، ونشرها بعد تغيير بعض مفردات عناوينها، الشيء الذي قد يجره إلى المساءلة التي قد تتحول في ما بعد ( خصوصا عند إنعدام توفره على القرائن والأدلة المؤكد لإدعاءاته المغرضة ) إلى متابعة قضائية تصدر عنها أحكام سالبة للحرية مع أدائه غرامة مالية للمتضرر المطالب بالحق المدني، وهنا نستحضر المثل الشعبي ( اللي خلا شي حرف من السنة كيتحاسب عليه ) لأن الدستور المغربي ألح على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة .
وإنطلاقا مما سبق ذكره، ومن أجل تفادي شبح المتابعات القضائية بالنسبة للصحافيين، أضحى من الضروري التقيد بأدبيات الصحافة في رسالتها النبيلة، وأخلاقيات المهنة بكل مسؤولية وفي إطار الحرية المعقلنة التي تحفظ للصحافي كرامته ومصداقيته، وللآخرين حرمتهم بعيدا عن كل إبتزاز وتشهير أو تسخيف لكل عمل جيد ومجهودات جبارة تبذل من طرف مسؤولين مشهود لهم بالنزاهة والإستقامة والتفاني في العمل والقرب والتواصل مع المنتخبين وفعاليات المجتمع المدني في إطارالأبواب المفتوحة والشراكة والمشاركة والحكامة الجيدة والتشبع بقيم المواطنة الكريمة .
من منبر فاس نيوز نتقدم بالتحية والتقدير لكل الأقلام النبيلة لإخواننا الصحافيين أصحاب العقول الكبيرة الذي يكرسون جهدهم وطاقاتهم الإبداعية الخلاقة من أجل إصلاح المجتمع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن بعيدا عن الإساءة والتشهير، ونصيحتنا للآخرين بالسير على خطاهم والتشبه بهم عوض النبش في ملفات وأعراض الأحياء والأموات التي تجرهم في بعض الأحيان إلى المتابعات القضائية وربما السجن، قال الشاعر :
فتشبهوا وإن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
محمد علوي مذغري