بعد تبرئة ساحة “أفيغدور ليبرمان”، وزير الخارجية السابق ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، من تهمة خرق الثقة والحصول على مكاسب عن طريق الغش. فإنه سيتمكن من العودة إلى وظائفه السابقة، لاسيما منصب وزير الخارجية فوراً. ذلك المنصب الذي كان وديعة لدى رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” في الشهور العشرة الأخيرة. لاسيما بعد أن صادقت الحكومة الإسرائيلية على إعادة تعيينه، بناءً على الاتفاق معه عندما تم الدمج بين حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا لخوض الانتخابات للكنيست التاسعة عشر.
هذه البراءة التي نطق بها قضاة المحكمة الثلاثة، لم تدخل البهجة في صدور “ليبرمان” ومؤيدوه، بقدر ما أدخلت الحنق والغضب لدى منتقديه وأعدائه السياسيين في الساحة السياسية الإسرائيلية، وخاصةً لدى أحزاب اليسار بشكل خاص. فمن ناحية، هو في إطار شخصه وحزبه معاً، يشكل عبئاً ثقيلاً على الحياة البرلمانية الإسرائيلية ويعكس صورة سلبية للدولة عموماً، من خلال برامجه العنصرية وآرائه المتطرفة ومعاداته الصارخة للفلسطينيين ومحاولاته عرقلة أي تقاربٍ بشأن حل القضية الفلسطينية. ومن جانبٍ آخر، فإن مسألة تبرئته أثارت غضب واشمئزاز من طمعوا في خلافته في وزارة الخارجية لأهميتها الفائقة ولحساسيتها المهمة بالنسبة لاستمرارية الدولة. ولتلطيف صورتها أمام المجتمع الدولي، بهدف الحصول على الدعم اللازم في القضايا المثارة، وخاصة فيما يتعلق بشأن السياسة الإسرائيلية حول القضية الفلسطينية. فقد كان هناك شخصيات من أقطاب الليكود ومن أحزاب أخرى تعوّل على أن جميع التطورات القضائية حول القضايا المنسوبة إلى “ليبرمان”، تشير إلى غيابه عن الساحة السياسية الإسرائيلية، وكان على رأسها “سيلفان شالوم” و” داني أيالون” وغيرهما.
كما أن عودة “ليبرمان” لتسلم منصبه، لا تمكنه من البقاء في منصبه كرئيس للجنة الخارجية والأمن، ومن ثمّ فقد رتّبت شخصيات مهمّة أخرى رسوماتها لتولي هذا المنصب، لتظهر بعد إدانة “ليبرمان” مباشرةً. فعلاوةً على أن أشخاصاً من حزبه – إسرائيل بيتنا- انشغلوا بذلك، بسبب افتراضهم، بأن يبقَ المنصب بحوزة حزبهم في حال عودة زعيمهم إلى الحكومة، فقد كان هناك حزب (يش عتيد) الذي عكف على أن يتولى المنصب رئيس قائمة الحزب في الكنيست “عوفر شيلاح”، معتبرًا أنه الشخص المناسب من بين المرشحين الآخرين. لكن مسؤولون كبار في حزب الليكود، لم يكونوا على استعداد التخلّي عنه بأي حال، كما أن “نتانياهو” نفسه ينوي الإصرار على ضم المنصب لحزبه، لعدم إعطاء أيّة فرصة لأحزاب أخرى أن تتقلد منصباً هاماً كهذا.
ليبرمان وبالرغم من أنه تنفس الصعداء واستطاعته ترك أعدائه مهزومين. وتمكنه من تقديم الشكر لطاقم الدفاع ولكل مناصريه ومن وقفوا إلى جانبه طيلة فترة المحاكمة، وضمن عودته لمنصب وزير الخارجية، لم يكن راضياً تماماً، بسبب ما آلت إليه أوضاعه السياسية المتآكلة مع مرور الوقت والتطورات الحزبية الإسرائيلية، إضافةً إلى مجموعة التحديات الخارجية الصعبة، التي قد تزداد صعوبةً إلى أكثر من ذي قبل، ومنها الوضع السيئ لمسيرة المفاوضات مع الفلسطينيين والوضع المتدهور مع تركيا، والأزمة النووية الإيرانية المزمنة، والمواقف الأوروبية ضد السياسة الإسرائيلية بشكلٍ عام. وبالرغم من أن “ليبرمان” كان شخصيّة غير محبَّبة خلال الولاية السابقة في عواصم أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. إلاّ أنه اعتبر غيابه عن الساحة السياسية قد أضر بإسرائيل كثيراً، بعدما عمل طويلاً على ما يعتقد بتحسين العلاقات مع دول مختلفة، وخاصةً مع روسيا – بلد المنشأ- ودُوَل أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، حيث ساءت مؤخراً من خلال فراغ المنصب من أعمال تعاونية مهمة، كان من المفروض عدم الانشغال عنها لحظة. فخلال عام غيابه عن وزارة الخارجية، اتخذ الاتحاد الأوروبي على يلبا المثال، قرارات مختلفة ضد إسرائيل، بخصوص الاستيطان لن يسرِ مفعولها في المستوطنات، وأعمال مشتركة أخرى (دعم الأبحاث، وتمويل المبادرات المشترَكة) وهي قرارات تحمل معاني خطيرة بالنسبة لإسرائيل، سواء من حيث التهديد الاقتصادي، أو من الناحية الأخلاقيّة الداخليّة.
وعلى أيّة حال، فإن كل ما سلف فيما يتعلق بعودة “ليبرمان” قد عرفناه، ولكن الذي لم نعرفه بعد، هو ما قد يشكله من تأثير على الصعيدين الداخلي والخارجي. لكن هناك بوادر لظهور أزمات مختلفة بالنظر إلى تاريخ “ليبرمان” السياسي باتجاه القضايا الداخلية والخارجية. فعلى الصعيد الداخلي، فقد شكّلت عودته للحكومة، أزمة حادة داخلها منذ اللحظة الأولى لمصادقتها على قرار إعادته دون أن يخرج من الحكومة أي وزير من حزبه، ما يعني زيادة عددهم بما يخرق نسبة وعدد الوزراء المنصوص عليهم في الاتفاق الائتلافي الذي تشكلت الحكومة على أساسه. علاوة عن أن كل من “نفتالي بينيت” زعيم البيت اليهودي و”يائير لابيد” زعيم حزب هناك مستقبل، كانا يريدان حيازة منصب لجنة الخارجية والأمن، حيث ترتب على تلك الأزمة، عرقلة تقديم طلب الحكومة إلى الكنيست لأداء “ليبرمان” تصريح الولاء كوزيرٍ للخارجية. وهذه الأزمة داخل الحكومة بأي حال لن تكون الأخيرة، بل هي بداية لأزمات متتالية ومختلفة من شأنها التعجيل في إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
بالنسبة للشأن الخارجي، فإن المواقف الخارجية ربما لن تختلف كثيراً عمّا هي، فالولايات المتحدة لن تكون مهتمّة أكثر من اللازم، لاسيما وأنها كانت متحفظة على “ليبرمان” منذ لحظة تقلّده وزارة الخارجية وامتنعت عن نسج علاقات مهمّة معه، وكانت “هيلاري كلينتون”، طيلة سنواتها كوزيرة للخارجية، قد تعاملت بجفاء معه، وداومت على اجتناب اللقاء به، باستثناء لقاءات المجاملة فقط. والدول الأوروبية أيضاً لا تقل في معاملتها عن الأمريكية، بسبب أن لا علاقات غربيّة مهمّة ترتبط بها مع “ليبرمان” وإن كانت مرتبطة بالشؤون الخارجية التي تهمّها، وكما لم اهتم به من ذي قبل، فإنها لن تكون مكترثةً الآن زيادة، بسبب أنه بات أضعف من ذي قبل. أيضاً بالنسبة للمحيط العربي والفلسطيني بشكل خاص، فإن من غير المحتمل أن تشكل عودته إلى الخارجية، التي سيبدأ من خلالها ببث سمومه، أيّة تغيرات تُذكر، بسبب أن الحكومة الحالية قامت بأكثر من اللازم في عامة القضايا وخاصةً القضية الفلسطينية، حيث بدت أكثر تطرفاً وتشدداً مما لو كان “ليبرمان” متواجداً فيها.
د. عادل محمد عايش الأسطل