كما جرت العادة وتفعيلا للفصل 65 من الدستور المغربي، ترأس جلالة الملك محمد السادس يوم الجمعة 11 أكتوبر 2013 إفتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الحالية حيث ألقى جلالته خطابا ساميا موجها إلى أعضاء الحكومة ونواب الأمة بالبرلمان المغربي بغرفتيه، ضمنه بتوجيهات ملكية سامية إعتبرت في حينها بمثابة خارطة الطريق من أجل تفعيلها يتعين عليهم جميعا ، إعتماد روح التوافق الوطني والمنهجية التشاركية الواسعة بعيدا عن كل تحقير أو تبخيس أو إقصاء أو تهميش.
ومن بين أهم التوجيهات الملكية السامية التي تضمنها هذا الخطاب الملكي السامي ، والتي مع الأسف لم يستوعبها بعض أعضاء الحكومة والبرلمان بغرفتيه نورد الفقرة الهامة التي خاطبهم فيها جلالته قائلا :
( كما نشدد على ضرورة إعتماد الحوارالبناء والتعاون الوثيق والمتوازن بين الحكومة والبرلمان، في إطار إحترام مبدأ فصل السلط بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق والإستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية ) .
إلا أن ماجرى مع الأسف داخل قبة البرلمان من مواجهات مباشرة وسجالات لفظية ومجادلات عقيمة، أبانت مرة أخرى عن إنعدام إمكانية حصول أي توافق بين مكونات الحكومة وأغلبيتها القليلة الإنسجام في بعض الأحيان من جهة، وفرق المعارضة النيابية الغير ملتئمة في مكون واحد يتبنى نفس المواقف ويطرح نفس الملاحظات والتعديلات من جهة أخرى .
ولعل ما حدث من سجالات عقيمة خلال إثارة موضوع دستورية التنصيب الحكومي بين الفصلين 47 و88 من الدستور، وما تلاها من تداعيات التأويلات وحدة المجادلات وكثرة السجالات، وتمسك كل طرف بأطروحته بل عن طريق التعصب في كثير من الأحيان، سواء أثناء جلسات الأسئلة الشفوية أو خلال أشغال اللجان البرلمانية حيث كانت آخرها جلسة يوم الثلاثاء 12 نونبر 2013 التي تميزت بإنسحاب مكونات المعارضة داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان،( كما أكدته بعض المنابر الإعلامية) أثناء مناقشة مشروع ميزانية الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني أمام حضورالسيد الوزير، الذي لم يرقه هذا الإنسحاب حيث دعى المعارضة إلى التحول من معارضة ترعد ولا تمطر إلى معارضة ممطرة ، مؤكدا في الوقت ذاته أن العنتريات غير المنضبطة لثقافة الحوار مآلها التجاوز (بحسب ما أوردته نفس المنابر )، ودائما وفي نفس السياق، تداولت نفس المصادر تصريحا لإحدى النائبات البرلمانيات والتي إعتبرت فيه أن هذه المعارضة تمارس الإسترزاق السياسي والبكائية والمظلومية، وأنها ليست في مستوى دستور 2011، لأنها تريد أخذ أكثر مما يخوله لها الدستور وما تخوله لها تمثيليتها البرلمانية .
إذا كان هذا كله قد حصل فعلا وعلنا، فلماذا تغيبت الحكمة والموعظة الحسنة عند إخوان السيد عبد الإله بن كيران الإسلاميين؟ ولماذا تغيب الدفع بالتي هي أحسن كذلك ؟
قد لاألوم الذين لا ينتقدون بقدر ما ألوم الذين يحز في أنفسهم أن ينتقدهم الآخرون.
ألم يقل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، رحم الله إمرء أهدى لي عيوبي ! ألم يقل كذلك عندما عاتبته أعرابية بقولها، إتف الله يا عمر فقال قولته الشهيرة : لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير في إن لم أقبلها ! ألم يقل الشاعر العربي :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا أتيت عظيم
إن ما حدث ولا يزال يحدث داخل قبة البرلمان من سجالات لفظية ومسطرية في بعض الأحيان وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ليس تحصيل حاصل أو ظاهرة صحية كما يدعي البعض، وإنما هو إهدار للكثير من الفرص قد يجعلنا أمة لاتبرح مكانها، وهذا ما يدعو إلى الحسرة والأسى ويتطلب من الغيورين على مصلحة هذا الوطن إعتماد القراءة الصحيحة للوضع من أجل تشخيص مكامن الخلل والعمل على تخطيها، ودعوة جميع الأطراف المتناحرة داخل قبة البرلمان إلى جلسات الصراحة والمصارحة والمصالحة وتذويب الخلافات والتوقيع على ميثاق شرف من شأنه تقوية الجبهة الداخلية من أجل التعبئة القوية واليقظة المستمرة والتحرك الفعال، للتصدي لمناورات أعداء وحدتنا الترابية، وإرجاع الثقة للمواطن المغربي في المؤسسات المنتخبة والفاعلين السياسيين والجمعويين، وفي الديمقراطية التشاركية بصفة عامة، مع رد الإعتبار للتوجيهات الملكية السامية والسعي المشترك إلى تنفيذها، عوض تجاهلها بقصد أو بغير قصد وجعلها في خبر كان داخل قبة البرلمان .
محمد علوي مذغري