و بين الخطيب، في مستهل خطبتي الجمعة، بأن الدين الإسلامي الحنيف قائم على أسس إيمانية وأحكام شرعية وأخلاق كريمة، بحيث جاء دينا كاملا شاملا لما يحتاج إليه المسلم في علاقته بربه وفي تعامله وعلاقته بالناس في الحياة.
وأوضح الخطيب أن من الأسس والمكارم التي بني عليها الإسلام، ما جاء به من أواصر التضامن والتكافل بين أفراد الأمة المسلمة ، وحثه على السعي إلى إيصال الخير والنفع لأفراد المجتمع بصفة عامة وللمحتاجين منهم بصفة خاصة، مذكرا بأن الله ، تبارك و تعالى، جمع لعباده في دين الختم بين الرابطة الدينية القوية والآصرة الأخوية المتينة والتشريع البين العملي النافع، مما جعل منهم أمة واحدة يتوادون ويتحابون ويتكافلون ويتراحمون ويتعاونون على الخير والصلاح وعلى كل ما يحقق لهم سعادة الدارين.
وإذا كانت مجالات التكافل الاجتماعي في الإسلام ، يقول الخطيب، كثيرة متنوعة وميادينها فسيحة متعددة، فإن ترتيبها في الشرع يتم حسب ضوابط واضحة على رأسها شدة الاحتياج والعجز عن رفعه بحيث رتب المستحقون للإحسان والعناية في الفقه الإسلامي حسب توفر هذه الضوابط وحضورها.
و ضاف أنه ، بما أن شريحة الذين لا يملكون قوت يومهم و شريحة المعاقين المصابين بآفة أو عطل في أبدانهم وجوارحهم أو نفوسهم وعقولهم ، من أكثر الناس استجماعا لهذه الضوابط، فإن الإسلام، الذي هو دين تكريم الإنسان ودين الرحمة والفضائل الإنسانية، جعل في مقدمة فضائله ومكرماته، مكرمة التضامن الأخوي والتكافل الاجتماعي بين تلك الشريحة والقادرين من المسلمين، حيث اعتنى بها الشرع عناية خاصة ، فرفع عنها الحرج ويسر عليها القيام بالواجبات الشرعية التي يتحتم قيام السليم بها على الوجه الأكمل، بيد أن أولي الأعذار لا يقومون بها إلا حسب المستطاع لديهم.
وأشار الخطيب إلى أن الإسلام يهدي ، في ضوء نصوصه الشرعية ومقاصده الحكمية، إلى أن ينصب الاهتمام على هذه الفئة أكثر ، بما ينهض بها ماديا ومعنويا ويشعرها بالكرامة الإنسانية فيرفع معنوياتها ويخفف عنها ألم الإحساس بالنقص والضعف من جراء الفاقة أو الآفات أو الإعاقات.
وأكد أن أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بعنايته المولوية الفائقة ورعايته الملكية السامية المتواصلة ، التي يوليها لأفراد شعبه، أعطى قبل أيام ، انطلاقة حملة جديدة للتضامن، يتآزر فيها أبناء الأمة، فيعطي من أفاء الله عليه لمن يشكو الحاجة وقلة اليد، مبرزا أن هذا الاهتمام المولوي السامي ما هو إلا تجسيد من لدن أمير المؤمنين لسنة جده المصطفى ( صلعم)، حيث ما كان يأمر، عليه الصلاة والسلام، بخير إلا و يكون أسبق الناس إليه، ولا ينهى عن شر إلا ويكون أبعد الناس عنه.
و قال إن هذا العمل المبرور تنشأ عنه خيرات وبركات ينعم بها هذا البلد ، الذي يحوطه الأمن والأمان وترعاه عناية الرحمان ، مؤكدا أن موضوع التضامن ،الذي يحرص عليه جلالة الملك، لا ينحصر داخل المملكة فقط ، بل يمتد ليشمل عددا من ذوي المحن والمنكوبين في أرض الله الواسعة ، قياما منه، أيده الله ، بالواجب الديني والإنساني واحتسابا لما أعده الله لعباده المحسنين من عظيم الأجر وجزيل الثواب.
وذكر الخطيب بأن العرش والشعب خلدا قبل أيام ذكرى ملحمة المسيرة الخضراء المظفرة ، وها هما يستعدان، بعد ثلاثة أيام، لتخليد ذكرى ملحمة أخرى، ألا وهي ملحمة جهاد الأمة بقيادة العرش في سبيل استقلالها وانعتاقها، وهو جهاد كان شاقا وطويلا مريرا أمام قوة وجبروت المحتل الذي ووجه بالإيمان الراسخ بعدالة القضية وصدق القلوب وإباء النفوس وقوة العزائم ، إلى أن أجبر على إعادة رمز الأمة الملك المجاهد محمد الخامس، طيب الله ثراه.
كما ذكر بأن المملكة مرت عليها عصور مظلمة قاتمة أذل فيها الاستعمار النفوس الأبية وأشاع الفرقة ين الأخوة، ولكن الله قيض لها من أبنائها الأشاوس البررة ، ملكا شهما آثر مرارة النفي على أبهة الملك، فقاد شعبه مسترخصا كل غال ونفيس، في سبيل الحرية والاستقلال ، فحقق الله على يديه الفتح المبين والنصر المكين واستعادت البلاد حريتها المغتصبة وكرامتها المسلوبة.
وابتهل الخطيب، في الختام ، إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين جلالة الملك محمد السادس، نصرا عزيزا يعز به الدين ويجمع به كلمة المسلمين ، ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، و يشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يغدق شآبيب رحمته ومغفرته على الملكين المجاهدين، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.