شكل الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع ما يعرف بمجموعة الـ 5+1 −الولايات المتحدة و روسيا و الصين و بريطانيا و فرنسا بالإضافة إلى ألمانيا− مؤخرا، أبرز حدث على المستوى الدولي ومادة خصبة للصحافة العالمية. وبينما وصفته إيران و حلفائها بالإنتصار و بالإعتراف الدولي بحقوقها النووية ، شكل الإتفاق مصدر تخوف وقلق في الأوساط الإسرائيلية وحتى لدى بعض دول الخليج. في هدا المقال المترجم لكاتبه يعقوب أميدرور الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي و الذي حمل عنوان صفقة خطيرة في الصحافة العبرية، يعترف أميدرور من وجهة نظره التي تعكس نظرة الكيان الصهيوني، أن إيران حققت انتصارا يمكن أن يكون بوابة لينة الفتح أمام رفع العقوبات عنها، كما يكشف أيضا أن إيران أصبح لديها مخزون من اليورانيوم المخصب يكفي لصنع أربعة قنابل نووية وربما ستصل إلى صنع واحدة منها بعد أشهر قليلة لتفاجئ العالم بصعودها كقوة نووية جديدة .
صفقة خطيرة
*يعقوب أميدرور ـ ترجمة: عبد المتين حميد
صرّح الرئيس الإيراني حسن روحاني بعيد مهرجا التوقيع في جنيف, بأن العالم قد اعترف بـ “الحقوق النووية” لبلاده. لقد كان محقاّ في ذلك.
الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع ما يعرف بمجموعة الـ 5+1 −الولايات المتحدة و روسيا و الصين و بريطانيا و فرنسا بالإضافة إلى ألمانيا− لم يُقهقِر القدرات النووية الإيرانية بشكل ملموس. حيث قامت إيران بتنازلات شكلية فقط بهدف الحفاظ على هدفها الرئيسي, وهو متابعة تخصيب اليورانيوم. إذاّ الاتفاق يشكّل فشلاً ,لا انتصاراً,ً للدبلوماسية. فكما كان هناك محادثات مع كوريا الشمالية و مهرجانات و اتفاقيات, كانت النتيجة هي “القنبلة”. و هذا شيئ لا يمكن لاسرائيل أن تسمح بحدوثه مع إيران.
العقوبات القاسية أجبرت إيران على الذهاب إلى طاولة المفاوضات, و تخفيف هذه العقوبات سوف يحفز الشركات من جميع أنحاء العالم على التسابق نحو إيران لعقد الصفقات، ما سيؤدي إلى انهيار نهائي للعقوبات التي من المفترض أنها قائمة. فهل يمكن للانفراج الاقتصادي و تقليل الحظر و النية الحسنة أن يؤدوا إلى زيادة الضغط على النظام الإيراني للتوصّل إلى اتفاق شامل فيما بعد؟ أشك في ذلك, خصوصاً بعد تصريح القائد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي في الأسبوع الماضي حين وصف اسرائيل بـ”الكلب المسعور”, هذه الوكزة التي فشل قادة الغرب في إدانتها.
الصفقة سوف تسهم فقط في زيادة عناد إيران. فأيّ شخص أجرى أعمالاً تجارية أو مفاوضات دبلوماسية يعرف تماماً أنه يجب عدم تخفيف الضغط على الخصم عشية المفاوضات. هذا ما حدث بشكل رئيسي في جنيف.
سوف يكون بمقدور إيران الاحتفاظ بالـ 18000 جهاز طرد مركزي الموجودين حالياّ؛ وكما يمكنها أيضاً أن تتابع تطوير الجيل التالي من أجهزة الطرد المركزي شريطة أن لا يتم تركيبها في منشآت تخصيب اليورانيوم. و هو ما يعني عدم إضعاف قدرة إيران في مجال تخصيب اليورانيوم.
وبموجب الاتفاق يُفترض أن تقوم إيران بتحويل 200 كغ تقريباً من اليورانيوم المخصب ذو النسبة 20 % −خطوة صغيرة فقط عن النسبة اللازمة لصناعة القنابل− إلى مادة لا يمكن استخدامها في تصنيع السلاح. عملياً, هذا التنازل لا معنى له على الاطلاق.
الاتفاق لا يتضمن أن تقوم إيران بتخفيض مخزونها من اليورانيوم المخصّب ذو النسبة 3.5 %, ولا حتى 1 غرام. إن تحويل اليورانيوم الغير معالج إلى يورانيوم مخصّب بنسبة 3.5 % يحتاج إلى وقت يعادل ثلثي الوقت اللازم لتحويل اليورانيوم الغير معالج إلى يورانيوم صالح لصنع القنابل. و بالنظر إلى آلاف أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران, فإن بإمكان النظام تخصيب مخزونه من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى يورانيوم صالح لصنع القنابل خلال عدة أشهر فقط. وللعلم فإن إيران تملك حالياً ما يكفي من هذه المادة لصنع أربع قنابل.
بالمختصر, إن اتفاق جنيف لم يلحظ التهديد النووي الإيراني إطلاقاً, وهذا هو الإنجاز الإيراني العظيم. لذلك ليس من المستغرب تباهي السيد روحاني بالقول إنّ العالم قد اعترف بالحقوق النووية لإيران.
قامت الولايات المتحدة, و بتوجيه من الرئيس أوباما, بتطوير أسلحة معقدة خصّيصاً من أجل ردع إيران من أن تصبح دولة نووية. ولكن الشعور السائد في العواصم الغربية هو أن يتم استخدام هذه الأسلحة لا سمح الله. و كنتيجة لذلك, فإنّ تعاظم القدرات العسكرية الأمريكية قد أعطى مجموعة الـ 5+1 أكثر من سبب، وليس أقل، إلى حصول الاتفاق في جنيف. و بينما تؤكد إدارة أوباما على أنّ الخيار العسكري ما يزال مطروحاً على الطاولة في حال عدم إذعان إيران للاتفاق الجديد, فإنّ مصداقيّة هذا التهديد تقلّ رويداً رويداً مع مرور الوقت.
يُصرّ مؤيدوا لاتفاقية على أنّ عمليات التفتيش المستقبلية ستكون دورية و صارمة. لن أقول الكثير سوى أنّ الأشخاص المطلعين على عمليات التفتيش الماضية يشكّكون في هذه الإدعاءات. فإذا ما قرر الإيرانيون مخادعة المفتشين, فسوف ينجحون في ذلك؛ لأنهم فعلوها في الماضي.
لا يكتفي مناصروا الاتفاقية بهذه الإدعاءات بل يقولون أيضاً إنّ هذه الاتفاقية هي مجرّد اتفاقية أوليّة بينما المعركة الحقيقية قادمة على الطريق. الحقّ يقال, إن تجربة الأسابيع الماضية لا تدعو إلى التفاؤل.
لقد ظهر جليّاً أن القوى الست− الولايات المتحدة, بريطانيا, الصين, فرنسا, ألمانيا و روسيا− كانت ترغب بحصول الاتفاق أكثر من إيران نفسها. فالطرف الذي استهدفته العقوبات حقق إنجازات أكثر من الأطراف التي فرضتها عليه.
ما من سبب يدعو للاعتقاد بأنّ القوى العظمى ستملك سطوةً في المستقبل أكثر مما كان فيما قبل اتفاقية جنيف. على العكس, فقد بعثروا تلك السطوة. بعد سنوات من المفاوضات المخادعة, فإنّ إيران الآن على مسافة أشهر قليلة من تصنيع القنبلة.
لقد سلّم الغرب أكثر أدواته الدبلوماسية فاعليّة مقابل وعود لا أساس لها من الصحة من بوادر حسن النية. و أنا أدعو الله أن يكسب الغرب رهاناته؛ لأنّه إن لم يحصل ذلك, فلن يكون هناك سوى أداة وحيدة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.
لقد تسبّب اتفاق جنيف في جعل العالم مكاناً أكثر خطورة, بينما لم يكن من المفترض أن تسير الأمور بهذا الاتجاه.
*يعقوب أميدرور:الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي