مرفأ النسيان : قصة قصيرة للشاعر والأديب الأستاذ عبد الرزاق الفلق

ق
مرفأ النسيان

لم يخطر بخاطري في تلك الليلة أن سأكون واحدا منهم، مسجى على فراش يتقاسمه معي ميت ….. عفوا ليس بالميت ولكنه في ا لطريق إليها (كلنا لها)….

أنا الذي اسقيه قطرات الماء طمعا في أن أعيده إلى الحياة …هو مثلى تخلى عنه الأهل والأحباب وتنكر له الخلة والأصحاب ….جاء من دون أن يدري أن المكان مقبرة للنسيان … مرفأ للشيخوخة و المهانة .

جمعت قواي …مستندا بعكازي طمعا في أن أرى ما يروج خلف الجدران وداخل الحجرات ووراء المرافق الخالية … لم يكن إلا البياض يكسوها ويلف أجسادا نحث الزمن فيها بقايا الألم وتقاسيم السجن.

لم نكن بحاجة إلى الطعام أو اللباس …ولا إلى مكان يلفه الصمت وتكسر وحشته بعض الصيحات :
“اسكت يقطع ليك الحس …فقاش نتهاو من هاد الصداع ….أسكتنا أشيبا العايبة …. الله يلعن …..”

هذا الصمت الذي يلتف بالأنين ويكسوه السواد…فخلف الظلام يسكن الألم …. والذكريات…. وحسرت الندم …..عفوا مرة أخرى لقد سبحت خلف أفكاري…. كنت أقول لسنا بحاجة إلى الطعام والملبس ولا حتى إلى المأوى … فالأرض تحضنا والسماء تغطينا …..قلوبنا هي العطشى للحب للحنان ، للدفء للأسرة والأهل الأحبة

.
لم يعد هؤلاء القاطنون إلا أشباحا… لا تراها العين، بل تهابها القلوب لأنها تذكرنا بالفناء بالرحيل…..فجأة….. تحرك صاحبي من على فرشه ….لقد أحس بدمعة انسدلت من عيني …فكانت … كانت بلسم الحنان، وسلسبيل الحب….بل ينبوع العطاء …أمسكت بيده ، أحسست بالدفء …. ارتخت أطرافي … تمددت بجواره ….كم مضى من الوقت …لأشعر بصوت يخاطبني … أبي…. أبي …لقد حان وقت الذهاب …..فتحت عيني:وجدت المكان غير المكان…وجدت الأسرة والأحباب… أين السرير ؟

سرير ذلك الميت الحي ….في حجرة بدار المسنين بمدينة من المدن…..

بقلم الفلق عبدالرزاق 

فاس في 12 نونبر2013

    محمد علوي مذغري