إنها صيحة نذير و صرخة أسير تروم النبش في ملف من ملفات المؤامرة التي يؤدي مئات الأبرياء ثمنها من حرياتهم و حتى حياتهم في حرب قذرة و صفقة خسيسة دنيئة تغيب فيها رائحة المروءة و الإنسانية. صيحة أوجهها لدول الغرب الحية و حتى لتلك القوى الميتة علها تهز قلوب تلك الحية و تستفز ضمائرها و تبعث في رميم عظام الميتة الحياة و في جثتها الروح. نعم أنا ابن ذلك الشرق بكل إيجابياته و سلبياته. بتاريخه و حضارته, بعروبته و إسلامه. بكل تلك الانطباعات و الاتهامات و التصورات التي تموج في خيالكم سواء ما كان منها حقيقة أو أساطير. لن أطلب من أحد التخلي عن أي فكرة مسبقة و هو يقرأ رسالتي. لن أترجاه أن يتخلص من تلك الصور النمطية عني. لندع جانبا اعتداد كل صاحب رأي برأيه و لغة التعالي و التفاخر أو التنقيص و التحقير. لنضرب صفحا عن حوارات الصم و البكم و الجدالات العقيمة, ليحتفظ كل بقناعاته و أفكاره على الأقل فيما نحن بصدده مما يتعلق بهذه الحرب القذرة التي ذكرت و لنتحدث لغة براغماتية واضحة نحن و إياكم. أنتم الذين خاطبتكم في بداية الرسالة قوى الغرب الحية و الميتة. أقصد بالحية تلك المنظمات و الجمعيات الحقوقية و الإعلامية و التي رأسمالها الدفاع عن الحقيقة و الحرية أما القوى الميتة فهي تلك المعنية بالربح و الخسارة الماديين فيكون معيار صواب العمل من عدمه هو مردوده و ربحه المال هو رأسمالها. و موضوعنا الذي نحن بصدده يعني القوتين معا و يعزف على وتر رأسمالهما معا. أما أنا فنموذج لمئات ضحايا الحرب القذرة و المؤامرة الدنيئة سأتكلم نيابة عنهم لكن لا بأس من نبذة مختصرة عني تساهم في تجلية الصورة. أدعى مصطفى الحسناوي صحفي و حقوقي معتز بقيمي و ثقافتي و حضارتي و عندي قناعات و أفكار تجعلني تلقائيا في الصف المعارض للظلم و الاستبداد و الاستغلال و تجعلني أيضا تلقائيا في الصف المعارض لكثير من قيمكم لكنني بحكم انفتاحي أحافظ دائما على قنوات التواصل و مساحات الاشتراك و الالتقاء مع المخالف مهما بلغت درجة الاختلاف و أعتقد أن الحوار يحل كثيرا من المشاكل. أتمنى أن تعيش شعوبنا في دول تحفظ حقوقها و كرامتها و قيمها و أن تنعم بالأمن و الأمان و الاستقرار و الحرية و العدل و المساواة. دول تقوم على أساس تلك القيم التي أومن بها و تبني علاقات مع الدول الأخرى على أساس الندية و المصالح المشتركة عوض هذه الدول التي تعيش في ذيل الأمم تابعة مقلدة عالة على الآخرين تسوم شعوبها سوء العذاب. إن قناعاتي مثل التي ذكرت هي تهمة و جريمة قائمة الأركان في بلدي حتى و إن كنت تعتمد في تصريفها على الكتابة و الحوار و الوضوح و العلنية حتى و إن كنت منفردا لا تتبع لأي تنظيم سري أو قانوني حتى و إن راعيت عدة ظروف و اعتبارات ليس من حقك أن تتبنى طرحا أو فكرا أو قناعات معارضة للظلم و الاستبداد ليس من حقك انتقاذ الرواية الرسمية للأحداث ليس من حقك إجراء تحقيقات أو مقابلات تسير بعكس ما تشتهيه سفن السلطات ليس أمامك سوى خياران : أن تجندك المخابرات أو تسجنك. و هما الخياران الوحيدان الذان كانا أمامي لكن السجن و المتابعة لا تكون على أساس القناعات و الأفكار لا بد من غطاء و ضمانات لتتم العملية في سلاسة و هدوء لا بد من أسباب و مبررات مقنعة لضمان سكوت أو دعم ما أسميناه سابقا بالقوى الحية أو القوى الميتة. إن هذه الوصفة السحرية ليست سوى الحرب على الإرهاب و توابعها من ضربات استباقية و تجفيف للمنابع و تفكيك للخلايا و و و . . . لا يزال حديثنا براغماتيا و لن أجنح للحديث عن الظلم و المظلوم و الفاعل و المنفعل طالما أنها حرب قائمة جارية دخلتها الأطراف بكامل القناعة و الرضى و تتحمل نتائجها بكل بسالة المقاتل و شجاعته, و الحرب تقتضي استعدادا على كل الأصعدة و مراقبة لكل المنافذ و خطوط الإمداد و بناء تحالفات و جمع المعلومات. هذه هي الصورة الواضحة التي تنقلها الكاميرا الرئيسية للجماهير و الشعوب. لكن هناك كاميرا خفية مشوشة تنقل لنا حركة دؤوبة على هامش هذه الحرب, حركة فيها شيء من الارتزاق و شيء من الاستغلال و شيء من المكر و الخداع و شيء من الرشوة. و رسالتي هذه لا تزيد عن كونها محاولة لتسليط الضوء على تلك الكاميرا الخفية طمعا فيمن يضبط الصورة جيدا و ينقلها لنا بأصوات واضحة.
لا شك أن أنظمة مستبدة على طول عالمنا العربي و الإسلامي تقتات على هذه الحرب القذرة و تصفي حساباتها مع المعارضين و المناضلين و المدافعين عن الحقوق و الحريات تحت ستار الحرب على الإرهاب و هي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد التخلص من المعارضين لسياستها و جني الأموال ثم ضمان سكوت المنظمات الحقوقية. إنه استثمار مربح و صفقة ناجحة و كل هذا بسببكم. إنكم تعمقون جراحنا و تزيدون معاناتنا و تزرعون أحقادا تزيد من اتساع الهوة و الشرخ بيننا و بينكم و الرابح الأكبر من هذه الصفقات هي هذه الأنظمة الحاكمة التي تستغلكم و تستنزفكم في كل مرة تعلن إحباط مخطط أو كشف خلية أو إيقاف عنصر خطير. الغريب أن كل هذه المخططات لا تستهدف إلا مصالحكم. فهي إما شبكات لتهجير من سيقاتلون جنودكم في بؤر التوتر أو خلايا لاستهداف مصالحكم في بلداننا ( شخصيات أو أماكن حساسة ) فهل الأمر مصادفة بهذا الحجم أم أنها هي مسرحية سيئة الإخراج؟ لو كنت مكانكم لسعيت في تتبع كل قرش أصرفه و لطالبت بالمشاركة في التحقيقات حتى أضمن أن أموالي تصرف فيما يعود علي بالنفع. لا أعلم إن كان دافع الضرائب عندكم على علم بهذه الصفقات الخاسرة و على معرفة بأن أموالهم تمول الأنظمة المستبدة و تمول قمع المعارضين و المناضلين و محاربتهم. أم أن شعوبكم مغلوبة على أمرها كما هو الأمر عندنا؟
دعونا الآن نقترب من الصورة أكثر بمثال عملي و واقعي. قبل أشهر عرضت على عناصر من جهاز المخابرات ديستي DST الاشتغال معها و تكليفي بعدة مهام مقابل راتب شهري و امتيازات لا حصر لها و من بين تلك العروض اقترحت علي جمع المعلومات حول كل من علمت أنه ينوي الذهاب لبؤرة من بؤر التوتر و مقابل كل اسم أبلغ عنه أحصل على مبلغ يتراوح بين 30000 و 40000 درهم. هذه الآلية تنطوي على عدة مخاطر إذ أنها تفتح الباب لكل صاحب نفس خسيسة دنيئة و لكل صاحب طموح مادي و كل صاحب حسابات يود تصفيتها مع خصومه و الانتقام منهم ليمارس دناءاته و حقاراته تحت غطاء مخابراتي. لا شك أن أعدادا من المرضى قبلوا بهذا العرض و السيناريو معروف معلوم. يقوم العميل بالتبليغ عن ضحيته البريئة و لكم أن تتخيلوا الدوافع العديدة التي قد تدفع إلى ذلك يتم تحويل مبلغ 40000 درهم لحسابه أو تسليمها له مباشرة, يحول الضحية إلى الشرطة القضائية دون الحاجة لمبررات و بمجرد الشروع في التحقيق يتم تسريب الرواية الرسمية لبعض الجرائد الرسمية ذات الارتباطات المخابراتية التي تبدأ في عملية التسخينات اللازمة و تهيئ الأجواء و الرأي العام لتقبل التهم الجاهزة و الأحكام القاسية. عناوين رئيسية كبيرة و عريضة تتصدر ثلاث أو أربع جرائد مخابراتية معروفة تحصل دون غيرها على نسخ من محاضر التحقيق دون مراعاة لسرية البحث و لا لأخلاق المهنة أو أخلاقيات الصحافة. التوقيت مهم جدا في هذه المسرحيات . بالنسبة للمغرب توقيت 16 ماي يجب أن يبقى حصان طروادة لإرهاب المواطن و تذكيره بنعم و أفضال المخابرات عليه لذلك غالبا ما يتم تفكيك الخلايا و تقديم الضحايا للشرطة القضاية و إحالتهم لقاضي التحقيق أو للمحاكمة في هذا التاريخ. وقد حدث معي نفس الشيء حيث اعتقلت يوم 16 ماو هذا السيناريو الذي ذكرت عشته في سجن سلا 2 حيث نقرأ في تلك الجرائد المخابراتية خبر اعتقال فرد أو مجموعة و بعد يومين أو ثلاثة نقرأ تفاصيل التحقيقات و بعد أسبوع يكون الضحايا معنا في السجن لنسمع منهم الرواية الحقيقية. قرابين تقدم دون كلل أوملل كل أسبوعين أو كل شهر على الأقل. الغريب أن كل تلك المجموعات أو الخلايا المزعومة التي لا يربط بين أفرادها رابط غالبا ما يتم إقحام عدة أفراد لا يعرفون بعض بخلية أو جماعة و مفروض في هذه الحالة أن يتم التفريق بين أعضاء الخلايا أو المجموعات خاصة و أن قضاياهم لا زالت معروضة على قاضي التحقيق و لا تزال أمامهم مراحل من التحقيق طويلة لكن الغريب أنه يتم وضع السجناء في حي واحد و في زنزانة واحدة و قد يتم إحالتهم لمرحلة مواجهة بعضهم بعضا لمعرفة نوع العلاقة التي تربطهم و مفاجأتهم بالأسئلة التي تربكهم. فتتم مواجهتهم لدى قاضي التحقيق بعد أن يكونوا قضوا مدة طويلة في زنزانة واحدة بإمكانهم فيها وضع مئات السيناريوهات و قد عايشت حالة لثلاث متهمين كانوا معي في زنزانة واحدة قضوا أربعة أشهر دون أن يحالوا للمواجهة. لا شك أن الأحكام جاهزة و الملفات مطبوخة و لا تحتاج السلطات للتحري و ضمان السير العادي و الشفاف للتحقيق بل يدعي أعضاء المجموعة عدم معرفة بعضهم ببعض، فليختلقوا ما شاؤوا من السيناريوهات فالأمر سيان و هو لا يغير من الحكم شيئا. للعودة إلى قضية الضحايا التي تشترى بأربعة ملايين للرأس, المخابرات ليست في حاجة للتأكد من المعلومة لأن هذا الإنفاق السخي كأن وراءه إنفاقا أسخى و بيع هذا الرأس فيه من الأرباح المادية و المعنوية و السياسية و الأمنية و الإعلامية الأضعاف المضاعفة. إننا نحس أنفسنا كرهائن تختطفنا السلطات فتدفعون أنتم فديتنا و بعد مدة قد تطول و قد تقصر يطلق سراحنا في عملية عبثية ندفع ثمنها حريتنا و تدفعون ثمنها أموال شعوبكم و الرابح الأكبر هي أنظمتنا الحاكمة التي عرفت بكل مكر و دهاء كيف تستغلكم و تستنزفكم و كيف تجعل من الحرب على الإرهاب ستارا للحرب على الحريات و غطاء لقمع المناضلين و المعارضين. إن أقل شيء تقومون به هو المشاركة في التحقيقات و مراقبة كل فلس تنفقونه. لقد كان ثمن رفضي لتلك العملية الدنيئة, رفضي بيع أبناء بلدي كما تباع الخراف, لقد كان الثمن حريتي و اتهامي بالإرهاب و حتى تستثمر عملية إعتقالي ماديا و معنويا فقد كانت التهمة محاولة التحاقي بتنظيم القاعدة في سوريا في الوقت الذي كنت ذاهبا فيه في مهمة صحفية لتركيا ومنعتني تركيا من دخول أراضيها بإيعازمن المخابرات المغربية. فكيف علمت السلطات بنيتي الذهاب لسوريا و أنا لم أدخل حتى لأراضي تركيا و جواز سفري غير المختوم يشهد على ذلك. إنها صرخة أوجهها لقوى الغرب الحية للنظر في قضيتي إننا نقمع و نعذب بسبب صمتكم و تواطئكم و إنكم تخسرون رصيدكم و إن مبادئكم و قيمكم على المحك وسيسجل التاريخ أنكم وقفتم إلى جانب الظلم و الاستبداد و أعطيتموه الضوء الأخضر ظنا منكم أنكم تحسنون صنعا و أنكم تحمون مصالح بلدانكم و حقيقة الأمر أنه ليس كما تصوره لكم أنظمتنا الحاكمة و إعلامها المخابراتي. و هي صرخة أيضا أوجهها لقوى الغرب الميتة غير المعنية بحقوق أو حريات و لا كرامة و لا إنسانية. إن أموالكم تستنزف في أغراض و مصالح و أهداف لا علاقة لكم بها و إن قصتي و قضيتي أكبر شاهد على ذلك.
مصطفى الحسناوي