بوتفليقة للسيد الشرقاوي: “أرجوك أن تبلغ الملك محمد السادس، تحياتي، وتطلب منه، أن يوقف عني هجمات الصحفي مصطفى العلوي”

يقول المثل الأمازيغي: “المرا اللي تتحشم، تتولد حرامي” وها هو، في زمن “الناس اللي على بالكم”(…) حيث لم يبق فرق بين المرأة والرجل، فإن ما ينطبق على المرا(…) أصبح ينطبق على شبه الرجل(…) لولا أنه لازال هناك رجال يحشمون حتى من الكلام في هذه المواضيع، مثل جريدة الأسبوع التي يمنع عليها أن تخوض في المجالات التي تنعدم فيها الأخلاق، حين أصبح كثير من الآباء، يتجنبون شراء بعض الجرائد، حتى لا يطلع عليها أولادهم وبناتهم.. لهذا.. ستبقى هذه الجريدة التي بين أيديكم، نظيفة، متطرقة فقط للمواضيع التي تهم الرأي العام المهتم.

كتبت مرة في سياق البحث عن الحقيقة الضائعة موضوعا، لمحت فيه إلى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وأنا في كل كتاباتي، أحترم نبوغه، وريادته في المجال السياسي الداخلي والخارجي، لكنه انزعج من موضوع سبق أن كتبته عنه.. فاتصل تلفونيا، بصديقه الأستاذ محمد الشرقاوي، صهر الملك محمد الخامس، والشخصية المرموقة المحافظة، وبعد تبادل التحيات المعتادة، قال الرئيس بوتفليقة للسيد الشرقاوي: ((أرجوك أن تبلغ الملك محمد السادس، تحياتي، وتطلب منه، أن يوقف عني هجمات الصحفي مصطفى العلوي))، ومادام الرجلان معا لازالا على قيد الحياة، بارك الله لهما في العمر.. فإن هذا الاستنجاد البوتفليقي(…) يكشف أولا أن سيادة الرئيس هو أيضا من هواة الحقيقة الضائعة، وثانيا: أنه يعتبر أن الملك محمد السادس، هو الذي يملي الافتتاحيات على كل الصحف، وهكذا نصل إلى صلب الموضوع.

لست أدري، هل بعد هذه المكالمة.. أو بعد أن استفحلت الأخطار العالمية الجديدة، أخطار المواقع الإلكترونية وانتشار خوف الدول، ملوكها، ورؤساؤها من استفحال الضغوط من أجل احترام الغول الجديد، المسمى حقوق الإنسان، رغم أن الرئيس أوباما، زعيم حقوق الإنسان المحتفظ بالمعتقل اللاإنساني في غوانتانامو أرسل فريقا مسلحا لاغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن وهو نائم، وأخفى جثته التي لم يعرف لها أتباع القاعدة ولا زوجة أسامة ولا أولاده قبرا ليصلوا عليها صلاة الجنازة.

ومسايرة لأصول هذه اللعبة، والخوف منها، أصبحنا نعيش في المغرب ظاهرة جديدة، أغرقت مجال الإعلام والصحافة، في بحر من الملايير، فيها ما يصرف من أجل إصدار صحف ومجلات جديدة(…) أو مواقع إلكترونية جديدة، أو إذاعات جديدة، أو قنوات تلفزيونية جديدة، ولكن ظهور الملايير(…) على المحيا القبيح للصحافة المغربية، نزل عليها كالأصباغ والحرقوس، وأحمر الشفاه، التي تتكدس على الوجوه الشمطاء.. فتزيدها قباحة على بشاعتها.. خصوصا عندما بدأنا نرى ظاهرة الامتثال، والتموقع الصحفي الجماعي، في صفوف المخزن موبيل(…) حتى من طرف صحف بعض الأحزاب التي كانت تشم من افتتاحياتها روائح ما يشبه المعقولية والجدية، بعد خلو أيام شبابها التي كانت تبيع فيها المائة ألف نسخة يوميا، فأصبحت مبيعاتها على قدر وجوه قادة تلك الأحزاب(…) ليظهر فعلا، أن صدقة البركة، لم يبق يحملها الحاجب الملكي لأضرحة الأولياء والصالحين، وإنما بدأ حجاب آخرون(…) يدفعونها لسدنة أضرحة بعض الأحزاب وصحفها. ولازلنا نذكر تلميح مجلة طيل كيل سنة 2011 إلى هذا المكلف بمهمة الصحافة الذي كان مرافقا لأحد الوزراء المغاربة، وضبطه بوليس مطار نيويورك محملا بحقيبة مشحونة بالدولار.

وإن كنت لا أود أن يفهم قارئ، بأننا نريد أن نحصل على نصيبنا، للمشاركة في قراءة اللطيف(…) لأننا كما قلت مرة في اجتماع للنقابة الوطنية للصحافة، مع وزير الدولة في الداخلية والإعلام إدريس البصري، بأن دعمنا في الأسبوع، نأخذه من أكشاك بيع الصحف، وعندما تتوقف المبيعات، فإننا سنوقف الجريدة بعد خمسين سنة من المجد، وإنما الغاية والمقصود، هو أنه مادام سيدنا(…) قد أمر بالتهلي(…) في الصحف، فإن التساؤل مشروع، ومادامت الملايير تصرف من صندوق الدولة، سواء بصيغة دعم وزير الإعلام، أو بصيغة أخرى(…) ومادامت الصحف تطبع، والمقالات تكتب، فلماذا لا يتم تحميل سطورها بالرسائل المباشرة، إلى القراء، لإنارة مسالكهم، وإلى الأعداء، لتشتيت شملهم.. ولا أقصد الجزائريين بصفة الأعداء.. وإنما أعداؤنا الحقيقيون هم الفساد، والرشوة، والعجز، والغش، والفوضى، بينما الإحساس السائد – ولا تستهينوا بالرأي العام – هو أن هذه المجموعة من المحظوظين بأنصبتهم في الملايير المرصودة، يتصرفون وكأنهم يأخذون تلك البركات، من أجل أن يسكتوا، وإن كتبوا، فإنما يكتبون ما يبلغه لهم(…) الأقطاب الأمنيون(…) من أخبار الكوميساريات الذبح والاعتداءات الجنسية، والسرقات اليومية، والجرائم المتسلسلة، التي تظهر على الصحف الأولى(…) كما كانت أيام نزول القرآن، صحف إبراهيم وموسى، فأصبحت في عهودنا الحاضرة، صحف الأولين في التسابق إلى شتم بن كيران، وسياسة بن كيران، وعفاريت بن كيران، بن كيران الذي أصبح هو الأول وهو الآخر.

ونتساءل عن سر الحصار الصحفي، المضروب حول نفس المواضيع التي نراها في كل الصحف، هل مصدره العجز المهني، أم مصدره انعدام التعليمات ممن يدفع(…) أو مصدرهم الاطمئنان إلى أنهم لا يعتمدون في أكلهم اليومي، على مبيعات صحفهم، أو عدم الاعتماد على إحصائيات كوكل لعدد المطلين على مواقعهم.

مباشرة وحوالي الخطاب الملكي في البرلمان، وانتقاده لتسيير مدينة الدار البيضاء، أصيبت أغلب الصحف بإسهال شديد، حين أصبح رئيس جماعة البيضاء ساجد هو العدو.. وقد كانوا ساكتين عنه وعن تجاوزاته لقرابة عشر سنين.

وعندما أرادت القناة الأولى، محاولة تقليد الحوارات في القنوات العالمية، جمعت في حوار حول الوزير المصدوم من طرف قيادة حزبه أوجار، الذي نوه مجاملة برئيس حزبه مزوار الذي استبعده من المشاركة في الحكومة، وبشرنا بأن الخارجية في عهد مزوار، ستنقذنا من أخطاء العثماني، وكنت أتمنى من الزميل في المهنة أوجار، أن يذكرنا بنماذج راقية من قبيل، لماذا الرئيس ميتران الاشتراكي، اختار اليميني جوبير لوزارة الخارجية نظرا لخبرته ونفوذه العالمي، ثم لماذا جاء سركوزي اليميني، واختار اليساري آلان جوبي لوزارة الخارجية، لأنه يعرف قدرته على الدفاع عن مصالح فرنسا الخارجية. بل اكتفى الوزير السابق أوجار، بالمجاملة والطمأنة: بأن “المغرب الآن أصبح في موقع قوة”، متناسيا أن بجانبه في تلك الندوة الوالي السابق في عهد إدريس البصري، العامل كبيري، الذي أصبح بقدرة قادر، رئيسا للجنة الخارجية في البرلمان، وكان المنطق الأعوج، يقضي على الأقل، أن لو كان رئيس للجنة الداخلية، مادمنا في حاجة إلى رجال إدريس البصري، لمساعدتنا على حل مشاكلنا.

وذكر الله بالخير، ذلك الصحراوي الذي علق على هذه الندوة في موقع إلكتروني وقال: ((علي كبيري يناقش مشاكل الدبلوماسية المغربية، إنه الهراء، هذا الرجل الذي عندما كان عاملا حلق رؤوس فرقة شيخات خنيفرة، إن المغرب في الهاوية)).

فهل هذا هو الانفتاح الصحفي والإعلامي الذي رصدت له الملايير، والذي يفرض عليه انفتاحه، أن يبقى مغلقا في وجه المفكر الحقيقي، أم أنه على حق، ذلك المفكر المتتبع، والذي فقد الأمل باستفحال فقدان الوعي(…) والذي يرى أن المنطلق، ليس هو إسهام الرأي العام في معركة الإصلاح، لأن هناك من يرى، أنه إذا استقلت الصحف، أصبحت سلطة تؤطر رأيا عاما قويا، قد يصبح في الواقع خطرا محيقا، مثلما أن الأحزاب إذا تنظمت ونجحت، فإنها ستؤطر هي أيضا، الرأي العام، وهو خطر محيق.

وها هو الرئيس الجديد لحزب الاستقلال شباط والذي صودق(…) عليه، لأنه يفتقد الشرعية التاريخية، بصدد التحول إلى معارض حقيقي يطمح إلى أبعد مما أدركه زعماء تنازلوا عن شرعيتهم(…) وأصبح كثيرون يرون في شباط، الأعجوبة التي ستفجر تيارا شعبويا، قد يكتسح المستقبل الانتخابي في المغرب، وقد رأينا كيف أن أنصاره في تطوان علقوا صورته بدل صورة ملك البلاد (انظر الأسبوع عدد 3/10/2013).

ولن تكون الصحافة بديلا للأحزاب، ولا الأحزاب بديلا لنا(…) وقد ناب عنا(…) رئيس الحكومة بن كيران، عندما تبنى هذه الفلسفة، وقال لنا بصريح العبارة: ((لا.. لا.. لا، لم نبق في مستوى الاستماع(…) أو البرامج(…) أو المذكرات)).

((الناس يخلطون بين المبادئ والمواقف، المبادئ تبنى على القناعات، أما المواقف فتبنى على الإمكانيات(…)))

((المستشار الملكي فؤاد الهمة، أسهم في الوصول للصيغة النهائية لهذه الحكومة)) (تصريحات لجريدة الشرق الأوسط. عدد 1 نونبر 2013).

هذا هو المسار الجديد للدولة، بما فيها الصحافة التي يعيش أغلبها بالأموال السرية والعلنية لهذه الدولة. إذن لا مستقبل للصحافة الحرة في هذا المهرجان، وإن كان المنطق يقضي بالاعتراف، بأن حرمان الرأي العام من الحق في المشاركة والتعبير، لم يمنع الاتحاد السوفياتي من السقوط.

إن هناك جيوشا من المستفيدين الآخرين(…) يستغلون هذه التصرفات شبه الديكتاتورية(…) للنهب والسلب، وأخطر من هذين الوبائين، هناك الاستفراد بقرارات مصيرية، يشكل مستقبلها خطرا، أخطر منه، ذلك العجز عن مواجهة سيول المصائب التي تنتج عن تلك القرارات.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، هذا اللوبي(…) الذي أوحى، في الصحراء بتأسيس بوليساريو الداخل، والذي أصبح يشكل خطرا على مواقف المغرب الداخلية والخارجية، واستحضروا لتأسيسه شبابا من داخل المغرب، من كولمين، وآسا، والزاك، وها هم أصبحوا ينادون بضم تلك المناطق الداخلية، إلى مستقبل الصحراء الغربية(…) ونحن نذكر أنه على مدى ثلاثين سنة، حين كان الجيش الملكي يقفل أبواب الصحراء في وجه كل المتسربين فلم تكن هناك مظاهرات، ولا أعلام للبوليساريو ترفع داخل العيون والسمارة، وأخيرا في الرباط.

ليبقى صرف الملايير على إطلاق القنوات والصحف بالأموال السرية، وفرض الصمت على الصحف الأخرى، ضربا من النسف الممنهج، لقواعد الدولة الحقيقية التي لا يمكن أن تبنى إلا على المشاركة الواسعة، والتجنيد الطوعي والإجباري، لإصلاح البلاد واقتلاع حصون الفساد المتجذرة الأسس، منذ سنين طويلة.