الشوط الثاني من الإنتخابات الموريطانية والدروس المستخلصة والعبر
بقلم الأستاذ عبد الله حافيظي السباعي الإدريسي
باحث متخصص في الشؤون الصحراوية والموريتانية
ما أشبه الليلة بالبارحة ، كسابقتها كست الشوط الثاني في الانتخابات الموريتانية درجة كبيرة من الهدوء والسلمية قل وندر ان ترى في انتخابات بلدية ونيابية في الدول حديثة العهد بالديمقراطية بمفهومها الحضري ، كما جاءت نتائجها مؤكدة لنتائج سابقة من حيث كان النصيب الأوفر منها على المستويين البلدي والنيابي لصالح حزب الاتحاد من اجل الجمهورية (الحزب الحاكم )
كما تحصل حزب التواصل ذي الخلفية الإخوانية على عدد من البلديات والنواب وصل عدد نوابه في البرلمان الجديد ستة عشر نائبا وأزيد من 18 بلدية الشيء الذي يجعله في المرتبة الثانية على المستوى البرلماني والبلدي حيث ينص القانون على ان تكون زعامة المعارضة الديمقراطية من نصيب الحزب الأوفر حظا في الانتخابات …
وجدير بالذكر هنا ان حزب التواصل كان ضمن تحالف منسقية المعارضة الديمقراطية التي قررت في مجملها مقاطعة هذه الانتخابات وقرر هذا الحزب المشاركة فيها مع عدم إعلانه الانسحاب من هذه الكتلة الحزبية المقاطعة … علما ان الارتفاع الكبير لنسبة المشاركة في هذه الاستحقاقات جعل قيمة المقاطعة محل استفهام حول شعبية هذه المنسقية حيث تجاوزت نسبة المشاركة ثمانين في المائة مما جعل الجميع يتساءل هل بقي للمعارضة التي قاطعت الانتخابات الحالية تأثير على الساحة في موريتانيا ؟
اما حزب الوئام والذي شارك هو الاخر في هذه الانتخابات مع حزب التحالف الشعبي التقدمي كانا يمثلان الجناح المعتدل من المعارضة الذي دخل في مشاورات مع الحزب الحاكم سنة 2011 وتمخضت تلك المشاورات عن اتفاقيات أنشئت بموجبها اللجنة المستقلة للانتخابات وعدة تعديلات دستورية وقانونية اخرى وجاء نصيب حزب الوئام مشجعا حيث احتل المرتبة الثالثة ..
الرغم من محدودية تجربة اللجنة المستقلة للانتخابات والهفوات الغير المقصودة التي وقعت فيها واعتمادها على اطر مبتدئين وابعاد وطر وزارة الداخلية ، فان العملية الانتخابية مرت بسلام في مجملها ، كما ان ترك القضاء ليقول كلمته في المنازعات الانتخابية اعطى للعملية مصداقية كبيرة …
البرلمان الموريتاني الجديد قد يصل عدد الأحزاب المشاركة فيه الى ثمانية عشر حزبا تقريبا ، وسيتمتع فيه حزب الاتحاد من اجل الجمهورية بأغلبية مريحة ،مما يجعله في غنى عن اي تحالف مفترض من اجل تشكيل الحكومة المقبلة … كما ان العملية الانتخابية اعطت وزنا ملحوظا لرئيس الجمهورية الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية بأغلبية مريحة تضمن له الفوز فيها عن جدارة واستحقاق … كما ان البرنامج الانتخابي للسيد الرئيس والذي كان القاعدة التي اعتمد عليها جل المرشحين الموالين في دعايتهم الانتخابية ، كل تلك الانجازات التي حققها السيد الرئيس هي الضامن الكبير للظفر بفترة ثانية على كرسي الرئاسة …
اما فيما يخص البلديات فقد استطاع الحزب الحاكم الحصول على خمس من أصل تسعة المشكلة لولاية نواكشوط مما سيشكل تحدي للحزب الحاكم للفوز برئاسة المجموعة الحضرية لان عدد المستشارين في المعارضة يفوق عدد المستشارين في الاغلبية …
يشار الى ان مقاطعة كرو استحوذ حزب التواصل على نائبيها واثنتين من بلديتها الأربع ، هذا بالإضافة الى خسارة الحزب الحاكم في مدينة روسو وبعض بلديات الحوض الشرقي …
لوحظ خلال هذه الانتخابات درجة من الوعي الانتخابي عالية مقارنة بالماضي حيث ان الحزب الحاكم فاجأ المراقبين بتعرضه لمنافسة شرسة من الأحزاب المشاركة في الانتخابات جعلته يفقد كثيراً من البلديات والمقاعد النيابية والسبب عائد حسب المراقبين الى عدم قابلية الناخبين للتأثر بالاعتبارات المصلحية للحزب الحاكم والضغوط التي تعودوا على ممارستها عليهم من طرفه في الماضي … فالجميع مقتنع ان التدخلات التي كانت معروفة في الماضي لم تعد مستعملة في الحاضر بشهادة القاصي والداني ، والجميع يشهد ان
لسيد رئيس الجمهورية لم يتدخل في توجيه اللعبة كما كان يقع في الماضي …
كما ان ارتفاع نسبة المشاركة دل على الفقر القاعدي الذي لدى الأحزاب المقاطعة والتي كانت تراهن على تدني مستوى المشاركة مما افقد احزاب المعارضة التبجح بأنها تملك الشارع الموريتاني وأنها تتحكم في حركاته وسكناته …
من القراءة العامة لنتائج الانتخابات الموريتانية الاخيرة نصل الى ان الناخبين في عموم البلاد صوتوا على مستوى البلديات لأشخاص ذوي صلة قاعدية بالمواطنين ، أما على مستوى النيابيات فان التصويت شابه تأثر بالمغريات المادية والنفعية لدرجة ملحوظة …
ان المتتبع المتجرد للانتخابات الموريتانية الاخيرة لا يملك إلا التعبير عن نجاح هذه العملية التي كان بعض المقاطعين يراهنون على فشلها ، إلا ان نتائجها بينت ان الخاسر الاكبر هم من جازف بمقاطعتها ، لان المقاطعة هي سلاح المنهزم ، والهروب علامة الفشل …
وحرر في نواكشوط 23 دجنبر