وما أكثر المناسبات التي أصبت فيها بالجنون، فجر جنوني الكوارث على بلادي

سئل ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عن رأيه بخصوص الدبلوماسية فقال : ( الدبلوماسية هي أن تعرف متى تتكلم ومتى تسكت، ومتى تضرب ومتى تتراجع، ولكن أن تعرف قبل كل شيء أن تفكر بعقلك وقلبك في آن واحد، فكثيرا ما يصاب العقل بالجنون، وما أكثر المناسبات التي أصبت فيها بالجنون فجر جنوني الكوارث على بلادي) .

ما أجمل الإنصات إلى الحكمة البليغة وإتباع سبيلها، خصوصا إذا صدرت من طرف رئيس حكومة دولة عظمى تحلى بالشجاعة في الإعتراف بأخطائه أثناء تدبيره الحكومي، حيث عبد بذلك الطريق لمستخلفيه في رئاسة الحكومة حاثا إياهم بضرورة التفكير بالعقل والقلب في آن واحد قبل إتخاذ أي قرار، حتى لا يقعون في مثل أخطائه وتتكبد بلادهم أوزار هاته الأخطاء .

غضب العاقل يكون على فعله، وغضب الجاهل يكون على قوله

فإلى أي حد ينطبق بعض هذا الكلام على رئيس حكومتنا المحترم الأستاذ عبد الإله بنكيران المنتشي بالتبوريدة السجالية اللفظية أواخرالسنة الماضية أمام نواب الأمة داخل البرلمان المغربي بغرفتيه، حيث علق بعضهم على كلامه قائلا :   ( الفقيه اللي كنتسناو بركتو دخل للبرلمان بتبوردتو ).

وإذا كان فن التبوريدة يدخل في إطار الموروث الثقافي والحضاري المغربي، فإن مراعاة خصوصيته من حيث الزمان والمكان يجب أن تبقى دائما  ضمن الأولويات الضرورية التي تحتم على الجميع الإلتزام بها إحتراما لهذا الموروث الإنساني ورجالاته الفرسان  وتاريخه الحافل بالأمجاد، مهما كانت الظروف والملابسات والملاسنات والسجالات اللفظية العقيمة وما أكثرها داخل البرلمان، حيث  أن النداء الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لأعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان المغربي بغرفتيه بمناسبة إفتتاح الدورة التشريعية الحالية والذي حث فيه الجميع على ضرورة إعتماد روح التوافق الوطني والمنهجية التشاركية الواسعة من أجل إقرار والمصادقة بالتوافق على جميع القوانين التنظيمية العالقة منذ التصويت على الدستور المغربي سنة 2011، لم تجد لها الآذان الصاغية لحد الآن بسب إصرار البعض على عرقلة المسار الطبيعي داخل هاته المؤسسة الدستورية وذلك عن طريق  بعض المواقف الشادة وبعض التصريحات الملغومة التي تحمل في طياتها كيل من التهم المجانية، قد لا يملك أصحابها الدلائل والقرائن لإثباتها، الشيء الذي يزيد الوضع تعقيدا وتفعيل القوانين التنظيمية تعطيلا، وفقدان الثقة في المؤسسات الحكومية والعمليات الإنتخابية برمتها يقينا.

إذا كان جلالة الملك حفظه الله يرغب في أن تكون هذه السنة التشريعية سنة إقرار القوانين التنظيمية بما في ذلك الجهوية الموسعة والقانون التنظيمي للمعارضة، فإن المؤشرات والمعطيات المتوفرة لحد الآن قد لا توحي بذلك إنطلاقا من العلاقة المتشنجة والوضع الشاد بين  الحكومة وأغلبيتها النيابية وفرق المعارضة التي إلتجأت مرتين إلى المجلس الدستوري في إطار الطعن في دستورية تنضيبها في نسختها الثانية، كما أن قيادة حزب الإستقلال إلتجأت كذلك مؤخرا إلى محكمة النقض لمقاضاة السيد رئيس الحكومة بسبب تصريحاته الأخيرة بخصوص مهربي المال إلى الخارج، مما يؤكد جليا أن السيد رئيس الحكومة لم يستطع لحد الآن خلق جو من التوافق مع المعارضة الوطنية، بل زاد الوضع تعقيدا بسبب بعض تصريحاته داخل البرلمان بغرفتيه والتي تناقلتها وسائل الإعلام العمومية عن طريق البث المباشر .

فمتى تتغلب الحكمة الرشيدة والدبلوماسية الحقة وتقديس المصلحة العليا للوطن وتوفير مناخ الممارسة الديقراطية التشاركية النزيهة سلوكا ويقينا وتفعيلا، عند السيد رئيس الحكومة وعند جميع الفرقاء السياسيين على إختلاف إنتماءاتهم الحزبية، ومواقعهم ومسؤولياتهم في تدبير الشأنين العام والمحلي في إطار المفهوم الجديد للسلطة وسياسة القرب والحكامة الجيدة، رحمة بهذا الوطن وبالمواطنين رعايا جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده من أجل خلق مناخ متين مرصوص يساهم من خلاله الجميع في إرساء دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات والمجتمع المتضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافئ الفرص والعدالة الإجتماعية ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة الحقة كل من موقعه وحسب مسؤولياته .