عاشت المدينة العتيقة بفاس أجواء روحانية تخللتها نفحات عطرة، بزغ نورها الرباني من داخل ضريح القطب المكتوم الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه مؤسس مشيخة الطريقة التجانية إبان فترة حكم السلطان العلوي الملك المولى سليمان قدس الله روحه، وذلك بمناسبة إحياء تجانيون العالم وكعادتهم في كل سنة ليلة السابع من المولد النبوي الشريف إقتداء بشيخهم رضي الله تعالى عنه.
إحتفالات هاته السنة كانت ناجحة بكل المقاييس حيث التنظيم المحكم داخل الضريح كان تلقائيا نظرا للطابع الأخوي السائد بين جميع مريدي هاته الطريقة الذين حجوا بكثافة من كل قارات العالم ومن مختلف المناطق والمدن المغربية مسلحين في ذلك بالحب والوفاء والإيخاء والتواضع ونكران الذات والجاه والأحساب والأنساب والمناصب السامية، مفتخرين غاية الإفتخار ومعتزين غاية الإعتزاز بلقب الفقير الذي يناله كل واحد منهم ماسكين في يدهم اليمني سبحة إقتداء بشيخهم المقتدي بشيخ التصوف الإمام الجنيد الذي قيل له ذات يوم : أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة؟ فقال رضي الله عنه : طريق به وصلت إلى ربي لا أفارقه، وذلك إمتثالا لوصية شيخهم رضي الله عنه القطب المكتوم سيدي أحمد التجاني رضي الله تعالى عنه ونفعنا بعلومه وببركاته، والتي تدعوهم أساسا إلى ضرورة التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف المضبوطة بالكتاب والسنة والجماعة والسلف الصالح الداعية إلى التواضع والتسامح والإيثار والعمل الصالح والمواظبة على الصلاة وأداء الفرائض وقراءة القرآن وحفظه وإتباع السنة النبوية والتقيد بها في السر والعلن.
أما فيما يخص مواد وبرنامج الإحتفال فقد ساد جميع فقراتها الخشوع الواضح على ملامح التجانيين المتواجدين بداخل الضريح على إختلاف ألسنتهم وألوانهم وأعمارهم ومراكزهم ونفوذهم، حيث قدسية المناسبة ومكانة صاحبها في قلوبهم ومحبته في نفوسهم والشوق إلى رؤيته عيونهم وجوارحهم جعلتهم يتفاعلون بتلقاقية فائقة مع الأذكار والأمداح النبوية والآيات القرآنية التي ألقيت من طرف نخبة من شباب الطريقة البارعين في المديح والسماع وتجويد القرآن، حيث إختتمت فقرات هذا الإحتفال بسرد المولدية من طرف مقدم الزاوية الشريف سيدي الزبير التجاني أحد حفدة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه والتي تؤرخ لفترات مولد خير البرية رسول الله صالى الله عليه وسلم منذ الحمل به من طرف أمه السيدة آمنة إلى فترة المخاض به ثم ولادته الميمونة والتي حملت الخير للبشرية جمعاء ، ليتم دعوة الجميع إلى مأذبة العشاء داخل الضريح سهر على تنظيمها أحفاد الشيخ ومحبيه حيث وكما جرت العادة تم إرسال العديد من الأطباق من الطعام إلى سكان الحي المتواجد به الضريح.
ولا بد هنا من التذكير والتنويه والإشادة بمجهودات جميع المصالح والأجهزة الأمنية التي سهرت على إنجاح هذا الإحتفال الديني وعلى رأسها السيد والي أمن فاس والسيد نائبه والسيد قائد القيادة العليا للهيئات الحضرية للأمن والسيد رئيس المنطقة الأولى للأمن و السيد رئيس الهيئة الحضرية للأمن بها والسيد رئيس الشرطة السياحية و السيد رئيس فرقة الدراجين والسيد رئيس فرقة البحث والتطهير السيد عميد الدائرة الأمنية 22 القطانين، وذلك بتنسيق تام ومحكم ومجهود محمود لمسؤولي مديرية المحافظة على التراب الوطني ومسؤولي قسم الإستعلامات العامة، بالإضافة إلى مجهودات السلطات المحلية على صعيد ولاية جهة فاس بولمان فاس والملحقة الإدارية لبليدة ومقدم الحي السيد الأزرق وبعض أفراد القوات المساعدة التابعة لها، وذلك بفضل الإجتماعات التي عقدوها من أجل التحضير المحكم لها والعمل على توفير الظروف الملائمة لضمان نجاحها من حيث ضمان سلامة وأمن وراحة جميع التجانيين الوافدين على مدينة فاس من جميع القارات رجالا ونساء شبانا وصغارا، مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين في بعض الدول العربية والإفريقية الشقيقة، وذلك عبر تسخير عددا من الدوريات والعناصر الأمنية بمدخل واد الزحون وعلى إمتداد الطريق المؤدية إلى الضريح وأمام بابه قبل إفتتاح الحفل الديني وبعد إختتامه في ساعات متأخرة من الليل.
هؤلاء المتوافدين على الضريح من خلال إخد ظاقم فاس نيوز لإرتسامات بعضهم، كانوا واثقين من إحياء هاته الذكرى العطرة في ظروف حسنة وكلهم ثقة في الإستقرار الأمني التي تنعم بها هاته المدينة الفاضلة وذلك بفضل إنخراط جميع مكونات المجتمع المغربي في تحقيقه وذلك بإعتماد المسؤولين الحكوميين على المقاربة التشاركية مع النسيج الجمعوي الغيور على سمعة مدينته كإستراتيجية العمل والتي أكدت نجاعتها من خلال حرص جلالة الملك محمدالسادس نصره الله على إعتمادها من طرف جميع المسؤولين والسهر على تفعيلها والعمل وفق مبادئها.