ماذا لو كانت أبرز منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان على وجه الأرض، قد قررت التغاضي عن مهنة القوادة في الدعارة؟ لا يمكنكم تصور ذلك؟ أليس كذلك؟ ولكن هذا هو ما حصل عندما وضعت منظمة العفو الدولية وثيقة تدعو إلى إباحة الدعارة قانونا.
ولمدة نصف قرن، قاومت الحركة النسوية العالمية كل أشكال بيع وشراء البشر والتي نطلق عليها: العبودية. ومنذ عقود تدعو منظمات الدفاع عن المرأة إلى تجريم الوسطاء وعدم تجريم النساء اللائي يتم بيعهن، وتمكينهن من خدمات مساعدة ودعم بدءا من توفير ملجأ آمن إلى العلاج من الإدمان إلى التعليم والتربية والتدريب على المهارات، وتعزيز المنظومة القانونية التي تضيق الخناق على الوسطاء والقوادين وملاك بيوت الدعارة والجنس.
ولطالما كان الجواب على ذلك بسيطا: تلك الإجراءات لن تصلح مطلقا. كما أن العاملين في ميدان صناعة الجنس ردوا الفعل وبطريقتين: الأولى علنية بالقول إنّ الأمر يتعلق بأقدم مهنة في التاريخ وبتحرر جنسي، والثانية بطريقة خفية من خلال تحويل الدعارة إلى وظيفة يطلق عليها “عاملة في الجنس” بتمويل المجموعات التي تصوّر الأمر على أنه اختيار قد يجلب السعادة لمن تقبل بذلك.
فهل صادف أن قابلتم طفلة في الثامنة من العمر تقول إنّ حلمها هو أن تكبر حتى تصبح عاهرة؟
ويماثل عدد النساء اللائي دفعن للدعارة ويعانين من “اكتئاب ما بعد الصدمة” نفس عدد المكتئبين من قدامى المحاربين واللاجئين من الدول التي تبيح التعذيب. كما أنهن، وبكيفية غير متناسبة، ناجيات من الاستغلال الجنسي للطفولة، والتحرش الجسدي والاغتصاب والاختطاف والاعتداءات بسلاح قاتل، وكذلك الإدمان على المخدرات أو الخمر أو كليهما.
وترى الناشطة في ميدان مناهضة الدعارة، فدنيتا كارتر، وهي ناجية سابقة من هذه العبودية، أنّ كل فتاة على علاقة بالدعارة، تمّ في الحقيقة إجبارها على ذلك “حتى لو بدت أنها اختارتها عن طيب خاطر.”
كما أن العنصرية والعنف والفقر حاضرة في ظاهرة صناعة الجنس، وهو ما يجعل من النساء الفقيرات والملونات صاحبات الحضور الأكبر فيها.
ورغم الحقيقة فإنّ عبارة “صناعة الجنس” أصبحت متداولة بكيفية عادية ضمن بعض أوساط تعتقد أنّ هذه الكلمة تمنح الاحترام للنساء اللائي على علاقة بهذا الميدان، في الوقت الذي في الواقع تمنح مشروعية للإطار الذي تجد فيه نساء أنفسهن تجاهدن للبقاء بصعوبة على قيد الحياة، أو إطار يحاولن الفرار منه.
وعلى اية حال فإنّ تحقيق تقدم يبدو ممكنا، فالسويد والنرويج وإيسلندا أقرت قوانين تحاسب الحرفاء وتلقي عليهم بالمسؤولية في شراء خدمات العاملين في هذا الميدان، فيما أصبح يطلق عليه “مثال الشمال” في مكافحة الظاهرة. كما أن البرلمان الفرنسي صوت نهاية العام الماضي، لمحاكاة المثال السويدي، تماما مثل بلجيكا وأيرلندا واسكوتلندا وكندا والبرلمان الأوروبي.
لذلك فمثلما تلاحظون فإنّ هذا النمط يعمل، ومنذ بدء السويد العمل بالقانون انخفضت دعارة الشوارع إلى النصف كما تقلص نسق المتاجرة بالبشر. كما خلصت دراسة حديثة إلى أن الدول التي تبيح قوانينها الدعارة، تشهد أعدادا أكبر فيما يتعلق بضحايا التجارة بالبشر.
وفي الوقت الذي تبدو الحكمة بصدد الانتصار، تبدو واحدة من أبرز منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، منظمة العفو الدولية، خارج فهم صناعة الجنس.
ذلك أن وثيقة لمنظمة أمنستي تنص على “عدم تجريم العمل في صناعة الجنس” داعية إلى ضرورة أن “يبقى القوادون والسماسرة بمنأى عن تدخل الحكومات” و”أن يتمتعوا باستقلاليتهم.”
وتقول الوثيقة إنّه على الحكومات أن توفر “بيئة تسمح للقوادين بأن يمارسوا نشاطهم بحرية في ما يتعلق بتشغيل” هؤلاء النسوة حتى “لا يتم تهديد الحق في الصحة وعدم التمييز والعدالة والخصوصية وسلامة الأشخاص.”
كما أن الوثيقة تقدح في فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال الزعم بأنّ هذه الفئة تتطلب التمتع بمثل هذه الخدمات من أجل تحقيق “الاستمتاع بالحياة والكرامة.”
وقالت المنظمة إنّ الأمر يتعلق بمشروع بيان وأنه مازال في طور المناقشة، ولكن ممثلين عنها ظهروا في يناير/كانون الثاني أمام البرلمان الإيرلندي الشمالي، لحشد التأييد ضدّ مشروع قانون يجرّم حرفاء هذه الصناعة.
كما أن الأكثر إثارة للدهشة أنّ أحد أعضاء “أمنستي” السابقين يدعي بفخر “شرف” أنه أول من بادر بوضع موضوع تقنين عمل القوانين وأصحاب محلات الدعارة، للنقاش داخل المنظمة، وهو ما أفضى، حسب قوله، إلى الخروج بالتوصيات. كما أن أحد الداعمين للاتحاد الدولي للعاملين في الجنس، وهو يقدم نفسه “عاملا في صناعة الجنس” يدير مع شريكته، شركة “للمرافقة” بارزة.
غير أن “أمنستي” نفت أي علاقة لها بمشروع الوثيقة، قائلة إنّه “لم يكن لها اي دور فيها.” فما الذي جلب اسم المنظمة للوثيقة؟ من الصعب الإجابة.
لقد استغرق الأمر عقودا، قبل أن تنجح الحركة النسوية العالمية في إقناع “أمنستي” بأنّ حقوق الإنسان ليست محجوزة فقط للرجال. وها هي “أمنستي-لندن” وكأنها تردّ الفعل بطريقتها، من خلال دراسة تبني انتهاك صادم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لكن هذه المرة، نجد دعما من حكومات وطنية أثبتت صحة وجهة نظرنا وأنقذت حياة الكثير من النساء. وهذه المرة ينبغي الاستماع لأصوات الناجيات من هذه الصناعة.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تم تنظيم مسيرات ضدّ “أمنستي” كما تمّ إطلاق صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتجاج على هذه المنظمة. ونأمل أن تستعيد “أمنستي” رشدها وتعرف أن حقوق هؤلاء الناجيات هي نفس حقوق المرأة وهي نفس حقوق الإنسان.
روبن مورغان