يتحول الشوافون والشوافات يوما بعد يوم بعموم المغرب إلى نجوم كبار يقصدهم الغني والفقير، المرأة والرجل، الصغير والكبير، فتجارة بيع الوهم مزدهرة، خاصة أيام الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، وطبعا المغرب ليس البلد العربي الوحيد، فالعرب عموما وحتى بعض الأقوام الأخرى مسكونون بالشعوذة ومهوسون بالسحر، والتطلع إلى الغيبيات، والتعامل مع الخوارق. إذ قدرت الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن إحدى مؤسسات رصد التنمية في العلم العربي، أن “أفراد الأمة العربية” ينفقون على السحر والشعوذة سنويا حوالي خمسة ملايين دولار، يمثل نصيب بلادنا فيها حوالي 13 في المئة.
ويكاد يكون إيمان معظم المغاربة بالسحر والشعوذة راسخا، فالفقر والأمية المرتفعة، وهبوط نسبة الوعي الإجتماعي، وعوامل غياب الثقة في النفس، خاصة في أوساط النساء، يشجع بروز المشعوذين والدجالين.
ما الذي يمكن أن يجمع بين أجنحة الوطواط وزبد البحر وبين تراب المقبرة وبيض الأفعى وبين قوائم الثعلب وروث الذئب وبين مخ الضبع وزغب الفأر؟ سوى الشعوذة ، عالم متداخل ومتناقض تضمحل فيه الأسئلة والأجوبة ، ويتوحد فيه الممكن بالمستحيل .
ليس الامر هنا لغزا نطرحه نحن لامتحان ذكاء القارئ، فمن البديهي، في فهم كل مطلع على أحوال المجتمع المغربي، ان الذي يجمع كل هذه العناصر المتفرقة الى بعضها هو علاقة غامضة ومخيفة تدعى السحر, وتشمل مطلق الممارسات والطقوس الغريبة التي تمكن الفرد من جلب المنافع او المضار لنفسه او للاخر حسب العرض والطلب، وتحقيق كل نزوة شيطانية وفعل جهنمي لا تنتهي!
والواقع، إن السحر والشعوذة يعتبران من اقدم المعتقدات والظواهر التي عرفتها البشرية منذ ليل التاريخ, وليس معروفا عن شعب من شعوب الارض انه كان يجهله، في الماضي كما في الحاضر, وذلك ما دفع علماء الاجتماع والانثربولوجيا الى الخروج باستنتاج مفاده ان السحر هو نتاج حاجات طبيعية مشتركة، كامنة في اعماق النفس البشرية المعقدة.
تقول عائشة ، 45 سنةوهي ربة بيت، وأم لستة أبناء : “أنا ديما كنمشي عند الفقها حيث الطبّا ما كيعرفو والو”، وقد ورثت هذه العادة من أمي، كانت الله يرحمها، تذهب دائما عند “الفقيه” بحومة بوسكري.
وكلمة “الفقيه”هو الإسم الذي يطلق على الشوافين وكذلك الشوافات، من أجل العلاج، في حين يرى الأستاذ مولاي عبد الله المنديلي ، باحث في علم الإجتماع والظواهر المجتمعية، أن التحولات التي يشهدها المغرب لا تعني تحولا جوهريا في بنيته الثقافية بالضرورة، بل إن بعض الممارسات والعادات القديمة ذات الأبعاد الغيبية، ما زالت سائدة بين فئات عريضة من هذا المجتمع. ويرجع تلك العادات إلى تفاقم الأزمات وتداخلها وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية بين هذه الفئات مع تنامي حاجاتها، يزيد من تعاطيها لبعض الممارسات الغيبية لحل مشاكلها. وأضاف أن انتشار الشعوذة يعكس إنتصار الثقافة التقليدية اللاعقلانية، تفسر كل شيء بالغيب، إضافة إلى أن المؤسسات التعليمية لاتزال لا تقوم بدورها التحسيسي التأطيري الكامل في هذا الصدد.
ويضيف المنديلي إنه إن كانت نسبة التعاطي للشعوذة تكاد تكون هزيلة في أوساط الشباب والشابات اليوم.فقد اعتادت كثير من العائلات على بركة الفقهاء والشوافة. حجم هذا الإهتمام يظهر في المدن المغربية بشكل جلي، فمدينة مراكش تتوفر على “سوق المجادلية” بالزاوية العباسية. و”سوق الرحبة القديمة” في وسط المدينة العتيقة، حيث يباع في هذين السوقين كل أنواع المواد المستخدمة في السحر أو العلاج من أمراض كثيرة “الشبا والحرمل والفاسوخ واللدون، واللبان”، وتستعمل في إبطال العين والعلاج من السحر أحيانا، كما يعرض التجار مجموعة كبيرة من الحيوانات الحية أو الميتة مثل الثعالب، والكلاب والقطط البرية، والضفادع والسلاحف، والقنافذ، السحليات، والثعابين وغيرها من المخلوقات المستعملة في الشعوذة والسحر، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الأعشاب. كما تنتشر في الأحياء الشعبية دكاكين العطارة والعشابة، ممن يبيعون كل المواد المستعملة من لدن السحرة والمشعوذين، بدءا من الأعشاب وإنتهاءا بمخ الضبع، حتى بعض أجزاء الفأر. والغريب في الأمر أن بعض أجزاء هذه الجيف تصل إلى 5000 درهم للقطعة الصغيرة.
“قوالب” وقوالب .
في السنة الماضية ، انفجرت قضية كبيرة في المغرب، بطلها فقيه 53 سنة، يلقب بالشريف، أحد أشهر الأسماء بالصخيرات، ضاحية العاصمة الرباط،، قضية الشريف، الذي ينحدر من وسط أرستقراطي، سبق له أن اتهم بقتل فتاة في العشرينيات من عمرها، خلال إحدى جلساته المعتادة للعلاج من الصرع وإخراج الجن.
وفي الصخيرات، قلعة “الشريف المكي” المنيعة، فقد قدرت سلطات المنطقة زواره خلال يوم واحد قرابة خمسة آلاف راغب في بركة “الشريف” وبالفعل، أضحى المكي نجما من نجوم الحياة اليومية لدى أكثر المهوسين به من المغاربة، وحديثا رائجا في المقاهي والحانات، في الدواوير والمدن، في الحمامات والأسواق.
يؤكد “الشريف المكي” أنه بلمسه المريض ينتقل ألمه إلى جسده، لقد صرح لأكثر من صحيفة أن “بركته” كنز إلهي. وأضحى بيته، قبل أيام من وفاة الفتاة بين يديه، وجهة لمختلف الطبقات الإجتماعية، وتحدثت صحف مغربية عن زيارة تساء من علية القوم إلى بيته خلسة،والواقع إن كان شريف الصخيرات قد حظي بالشهرة والدفق الإعلامي، فإنه ثمة “فقهاء” أخرون لايقلون عنه إمتدادا لدى الأوساط المختلفة في أمزميز ودواوير دائرة أيت أورير، وجبال أسني وبراري إقليم قلعة السراغنة ، وشيشاوة، ولكن ظلوا بعيدين عن الأضواء.
فقبل شيوع خبر المكي الذي كان يدعي أن له قدرة خارقة تشفي المرضى بمجرد لمسهم بيده. كان يطلب من الراغبين في بركته قالـبـين من السكر وقنينة ماء معدنية. بأشهر اعتقلت السلطات المغربية “فقيها” آخر اتهم بقتل فتاة بعد تعذيبها، معتقدا أنه بضربها سيخرج الجن منها.وهي القضية التي لاتزال معروضة أمام القضاء،
لقد بزغ نجم المكي الترابي وأضحى موضوعا دسما على صفحات الجرائد، ينافس في مستجداته، مستجدات البورصة التجارية، وإخباريات نجوم الطرب والرقص كـ “نانسي عجرم”و”وهيفاء وهبي”،” حيث سبق لـ ” الإعلام المغربي المكتوب “أن إعتنى بلمساته وتابع سكناته ورصد تحركاته من المزيــان”، بحيث أصبحت صحف وطنية يومية ، تفتتح به أخبارها وتخصص له أكثر من استطلاع ، وتتابع من خلاله لمساته وهمساته، وهو الأمر الذي زاد من إشعاعه.
وبالفعل،أصبح الشريف حديث الشارع المراكشي خصوصا والمغربي على وجه العموم، وقبلة لآلاف المرضى، في مراكش حيث نظم أحد المؤمنين بقدراته وخوارقه رحلة لزيارته في الصخيرات، حيث امتلأ الكار المتوجه “عند المكي” عن أخره، خلال ساعة واحدة أمام المحطة الطرقية بباب دكـالة، وبقيت طبعا “جعبة” للمنظمين تقدر بمليون سنتيم صرفت بعد رجوع الرحلة في “بارات جليز” ومنتجعات النخيل وزوايا الحي الشتوي الجميلة .
أغنياء وفقراء عند المشعوذين
الإقبال على المشعوذين ليس حكرا على فئة دون أخرى، فقبل شهر اكتشف مدير مؤسسة بنكية معروفة، بساحة “جامع الفنا” لجوء موظفة إلى السحر، إذ كانت تطلب من عاملات النظافة وضع غبار شفاف على مكاتب أعدائها ومنافسيها وحتى على مكتب المدير، كي تحظى ب”القبول” والإحترام من قبل الإدارة. كما ضبطت في أحد الأمسيات وهي تحمل معها ديكا أسود اللون معها. وقامت بذبحه في أحد المراحيض الخاصة بالمؤسسة البنكية المعلومة.
وتكشف هذه الواقعة، أن اللجوء إلى السحر والشعوذة لا يقتصر على فئة الفقراء “المزاليط” والأميين، وإنما يتجاوز ذلك إلى الأطر والمتعلمين،والأثرياء والمفركسين والمدللين.
وتؤكد “نعيمة”إحدى موظفات “دار الضو” أن صديقاتها غير المتزوجات والمتخرجات من معاهد عليا وذائعة الصيت، تلجأن إلى شواف في المسيرة الثالثة، يشتغل بالموعد مثل طبيب جراح اختصاصي في أمراض القلب والشرايين.
تقول “سعيدة” لــ “مراكش بريس” :”أن غالبية صديقاتي تفعل ذلك رغبة في الحصول على صديق أو زوج، بعضهن ورغم تعليمهن العالي تفعل ذلك كي تحظى بالقبول من قبل رؤسائها وكي تتسلق المراتب”
ويبقى اللجوء إلى السحر والشعوذة ليس شأنا نسائيا فقط ، وإنما يتجاوز ذلك إلى الرجال.
فكثير من رجال الأعمال والمال والسياسة يستشيرون المشعوذين والسحرة قبل الإقدام على خطواتهم المستقبلية.
فخلال ندوة إنعقدت قبل شهور حول تفعيل الفكر المقاولاتي، قام أحد رجال الأعمال المعروفين بمراكش،لإلقاء كلمة توجيهية أمام الحضور، وتوجيه المقاولين الشباب نحو الأفاق العلمية والإقتصادية،وعندما أدخل يده في جيب معطفه الداخلي ليخرج الورقة التي تتضمن نص الكلمة ،أخرج معها “حرزا”كبيرا على شكل التمائم وأصداف و”قجاقل” شبيهة بالتي يضعها الهنود الحمر على أعناقهم، أو شامانات الأدغال الإفريقية.
و”ناري على شوها”
وغير بعيد عن هذا الحادث، فقد إشتهر رئيس إحدى الجماعات بجهة مراكش تانسيفت الحوز هو الآخر بتجديد “لحروزة” كل شهر تحت عتبة فيلته الفاخرة، الذي شيدها من “عرق خفة أصابعه”، لذلك لا تتوقف أبدا أشغال الحفر والترميم في مسكنه .
عرافة “الشـويـطر”
مثل عرافات اليمامة وحضرموت زمن الجاهلية، تحولت شوافة الشويطر،على الطريق الرابطة بين أيت أورير ومراكش، إلى أسطورة لعقود متتالية من الزمن، إذ كدست ثروة طائلة لأن جميع زبنائها كانوا من الميسورين، بل أن شهود عيان أكدوا أنهم شاهدوا شخصيات وازنة، من بعض صناع القرار، ورجال المال والأعمال، والأثرياء الكبار، وبعض كبار رجال السلطة، وحتى بعض مشاهير الفنانين المغاربة يقفون أمام بابها، وذلك قبل وفاتها في الأعوام الماضية.
وقد ربط العديد من المهتمين بأسطورة هذه الشوافة، ارتفاع الإقبال عليها بتبعات الهجرة من إقصاء وتهميش. وأشكال التطاحن الإجتماعي الذي عرفته سنوات الثمانينيات،والتسعينيات هذه التبعات شكلت أرضية خصبة لإنتاج واستهلاك المزيد من أنواع “الشعوذة” والأعمال المرتبطة بها كالسحر والعرافة، واستعمال الأدوات المساعدة كالتمائم وأنواع البخور والمواد الغرائبية وغيرها من الطقوس.
أما بمدينة الصويرة فقد ذاع صيت “ولد الشيظمية” المنحدر من مناطق الشياظمة، وهو”شواف” يدعى تصديه القوي لحالات السحر بجميع أنواعه ، وله قدرة على استخراجه من مكانه المدفون فيه ، كما له قدرة على جلبه ولو كان في مكان سحيق من الأرض بفضل استعانته بالعلوم الشرعية، وآخر معجزاته على حد تعبيره إعادته البسمة إلى شفاه وزير سابق، أصيب بمس شيطاني بعدما كان قد تلقى فاجعة خبر وفاة والده، وذلك بصرعه على حد ادعائه للجن يدعى “عبروق” حيث أصيب لأكثر من مرة بحالات إضطراب عقلي، وانهيار عصبي.
الحداثة “المشقلبــة”
الذي يزور مراكش للمرة الأولى سيندهش أمام مظاهر المرأة العصرية، التي أصبحت تمتطي السيارات الفارهة، آخر الصيحات من الفيراري و المرسيدس الفاخرة،وحتى “الهامر” وتسرح شعرها في أفخر الصالونات، وترتدي آخر صيحات دور الأزياء الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، وتسبقها أينما حلت وارتحلت “مواكب” عطر “كازانوفا” و”شانيل” الباريسي الرفيع المستوى،والباهظة الثمن وتضع على وجهها وأطرافها مساحيق تجميل “إيف روشيه” و”أوري فلام”.
ويندهش المرء أكثر عندما يجد أن العديدات من هؤلاء النساء العصريات “الحداثيات” مراكشيات وغير مراكشيات ومنهن بعض الحاصلات على شهادات علمية عالية وثقافة فرانكوفونية مميزة يعترفن “على عينك يابنعدي” وفي وضح النهار بلجوئهن إلى الشعوذة، ويبررن ذلك بالإشارة إلى كون السحر حقيقة، لا يمكن الهروب منها، والشعوذة مسار وحلول وفضاء من شأنها حل الأبواب المستعصية وفتح القلوب المنغلقة.
كما لايوجد أدنى حـرج لهؤلاء النساء “الحداثيات” في القول أنهن يفضلن قبل الإقدام على زيارة الطبيب، أو محامي العائلة، أو الخروج في إحدى السفريات بالداخل أو االخارج، أو الذهاب إلى أية حفلة زفاف أو عشاء عمل، أن تتشاور الواحدة منهن مع “شوافها” أو “شوافتها” الخاصة .
وعوض الإستشارة مع طبيب نفساني حول إحساس غامض بالكآبة، أو كابوس مزعج و دائم، أو شعور بالعزلة أوإنغماس في متاهات الإرهاق ومتاعب الدونية وتفاقمات الغيرة المرضية، أو نكوص في الجمال والإثارة الذي ينتاب هؤلاء النساء “المودرن”، فإنهن لا يترددن في حجز موعد مع “شواف” أو عرافة، وبالثمن المعروف لدى كلا الطرفين، أي السحار و”اللي باغية تشوف” وفق أجندات مسبقة، وطلبيات “تجهيزية”.
السحر وشعوذة فـــي ” لمدينة ”
ويبقى “ورق الكارطا” وقراءة الكف في المدن، وخط الرمل في مراكش وباقي المدن المغربية الكبرى، أحد وسائل الشعوذة التي تستغلها الفتيات العانسات، وكذا “الآنسات المحترمات” والخادمات ونساء الأحياء الهامشية الفقيرات،وصولا للأسف إلى بعض المحاميات والطبيبات والأستاذات الجامعيات وغير الجامعيات لتوظيف المعلومات التي حصلن عليها بالتلصص والتصنت على الرجل المستهدف، والإدعاء بأن الورق أو قراءة الكف أو”خط الرمل” هو الذي زودهن بها، وبالتالي يقترحن حلولا مختلفة، والكثيرات منهن متواطئات مع “شوافيين وشوافات” غالبا ما ينصحن زبوناتهم باللجوء إليهم، بعد أن يكن قد زودن هؤلاء العرافين والعرافات بكافة المعلومات عن الضحية وقدرتها على تحمل الإبتزاز.
وفي رأي العديد من المغربيات أن كل ما سبق وارد في قاموس الموروث الشعبي، ومع أن أغلبه يندرج في سياق الخرافات والشعوذة القديمة، فإن مساحة تطبيقه اتسعت نظرا لتعاطي العرافين والعرافات الوسائل التقنية في عرض خدماتهم، حيث أصبحت لهم مواقع على الأنترنيت، وتنازلت صحف عديدة عن رزانتها أمام إغراء مدخول الإعلانات، وأفردت مساحات لنشر معلومات تزكي خوارق هؤلاء المشعوذين وقدراتهم المثيرة للدهشة، حتى صار بعضهم يقدم خدماته عبر الهاتف المحمول، حيث يقوم من خلاله بنصب شباكه لإغراء ضحاياه.
تقول ليلى المستخدمة بإحدى شركات التجميل والتدليك التابعة لفندق لــ “مراكش بريس” ، إن النساء التقليديات والعصريات مازلن يحرصن على العمل بهذه الوصايا، لكون أن البعض يواجهن إشكالية تعذر الوفاء بكل ما تطلبه “الشوافات” ـ أي العرافات اللائي صرن يطلبن أتباعهن بالدولار، نظرا لصيتهن الذي عم الآفاق وتدافع السياح والسائحات عرب وأعاجم طلبا لخدماتهن الخارقة، مما يجعلهن مجبرات على تنفيذ وصايا الجدات
فـلكـيـون “بالسنـطيـحة”
وقد بلغت زمرة من أصحابها حد التطاول على علم دقيق كعلم الفلك ، وذلك بهدف تضليل المواطنين والإحتيال عليهم لتحقيق الإغتناء السريع.
وما يكرس لخرافات هؤلاء هو الأرضية الهشة المتمثلة في طغيان ثقافة الإيمان بمعتقدات متوارثة عند بعض السذج أو اليائسين، نتيجة استفحال الجهل والتخلف والمشاكل الإجتماعية والإقتصادية ، كما أنهم لعبوا بديهيا إن أمن المغرب، وسلامة المواطن المغربي يهددها مرض الشعوذة الذي تفشى في أيامنا مستترا خلف قناع مجموعة من الممارسات كالعلاج بالأعشاب والجداول وغيرها، وقد أثارت هذه الممارسات الرأي العام الوطني على المتناقضات وحالات الضعف النفسي لدى الأفراد، إضافة إلى مساهمة عدد من الجرائد الصفراء في إشهار ادعاءاتهم، مما يفتح المجال الأوسع أمامهم لعرض مزاعمهم.
لكن اللافت للنظر والذي يستوجب التفاتة – ثورة- هو تطاول بعض الدجالين بالمغرب على القرآن الكريم بزعمهم معالجة – مرضاهم- بالإعتماد عليه.
لقد انتشرت ظاهرة اللجوء إلى السحرة والدجالين خلال السنوات الأخيرة، مما يدل بشكل لا يقبل الشك على مدى تدهور مستوى التفكير الموضوعي والعلمي في أوساط المجتمع المغربي، وانحداره إلى درجة الجهل، والتشبت بأطياف الوهم والدجل والكذب الممنهج، ولذلك فقد ازداد عدد المشعوذين والدجالين المتطاولين على علم الفلك مع ذلك الإقبال، وصار أصحاب الشهادات والمناصب العليا وبعض المثقفين أيضا زبائن هذا الدجال أو ذاك، وقد عرفت الشعوذة بأنها خفة في اليد، وترتكز على عنصري الخفة والخداع، كما أن سياسة المشعوذين ذكية ومشجعة إذ يكتفون خلال الزيارة الأولى بمبلغ رمزي ثم ترتفع “الفاتورة” في الزيارات الموالية تحت ذريعة ارتفاع ثمن البخور والعقاقير التي يستعملونها، إذ تتجاوز أحيانا خمسين ألف درهم، وعلى العموم فإن نتائج أعمالهم تكون مدمرة وفاشلة، فالإحصائيات وكذا المتابعات الميدانية تؤكد أن النساء بشكل عام يثقن بالدجالين أكثر من الرجال، وكثيرا ما تقف هذه الثقة العمياء وراء خراب البيوت وحالات الطلاق، وربما القتل أحيانا .
صحافة “تشوافت”
وعلى الرغم من ذلك فإن الصحف تمتلئ بإعلانات عن هؤلاء المشعوذين الذين يفضلون تسمية وتلقيب أنفسهم بالفلكيين، بلا حشمة وبلا حياء، ودون علم وكالات الفضاء الدولية مثل “ناسا” حيث يؤكدون من خلال هذه الإعلانات أنهم قادرون على قراءة الطالع وفك النحس وجلب الغائب وما إلى ذلك، لكن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اختلاط في المفاهيم، إذ أن أصحابها لا دراية لهم بعلم الغيب ولا بحقوله، بل وكثير منهم يكون عاجزا عن قراءة السطور فبالأحرى قراءة المستقبل، وقد تناسى هؤلاء أن الفلكي الحقيقي –راه فـ “لانازا” متسلح بالمعرفة المستفيضة من الفيزياء وعلوم الذرة والرياضيات العليا، ومصقول التجربة عن طريق الإحتكاك بتجارب غيره من العلماء ذوي الخبرة في المجال، إضافة إلى الإنفتاح على واقع مستجدات العلم الوضعي،وأفاق حاجيات الناس والمجتمع للتكنولوجيا.
وللوقوف على هذا العالم الغريب لهؤلاء الدجالين الذي يختلط فيه الصدق الناقص بالكذب المكشوف، والواقع المتردي بالخيال العقيم، وتكتنفه العديد من الأسرار ولتقريب القارئ من الموضوع حاولنا أن نقوم بجولة على بعض البؤر المعروفة التي يتردد الناس عليها.
وهكذا زرنا نحن في ”مراكش بريس” بحي “باب أيلان “المسمى ولد رشيدة ، وهو دجال اعتبر نفسه أول منجم مغربي، وأنه رئيس الإتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين مع العلم أنه لا يفقه حتى كيفية كتابة إسمه، ورث عن والده حرفة مداواة الناس بالأعشاب، كما أكد قدرته الكبيرة في صرع الجن بواسطة العشوب والبخور والقرآن بعد المعاينة، يقول متحدثا عن كيفية صرعه للجن .”…أنا لا أتكلم معه ولا أضرب بالعصا، بل أداوي بالبخور والقرآن فقط ، ومن كانت حالته مستعصية نرسله إلى “بويا عمر”، وغير المصاب بالجن نرشده بالذهاب إلى طبيب نفساني…” إضافة إلى تأكيده على قدرته الخارقة على قراءة الطالع ، “…نأخذ إسم الإنسان وبرجه ونقرأ له الطالع، وتستغرق مدة قراءة الطالع ساعة أو نصف ساعة لأن برج الإنسان يتغير عبر الحقب…” مضيفا أن المقبلون على الإستفادة من مؤهلاته وقدراته ليسوا فقط من الدول العربية بل من أوربا أيضا، حيث أنه دائع الصيت على حد تعبيره في مجالي علم التنجيم والعلاج بالأعشاب حيث استطاع بقدرته الخارقة وإلمامه الواسع بأسرارهما، أن يعالج العديد من الأمراض كالعقم، الضعف الجنسي، الضيقة، الحساسية، الروماتيزم، بوزلوم، البواسير، التابعة “وأولادها سبعة” وبوصفير، وبوحمرون، والعواية، وحتى “السيدا”…وهي مرض استعصى على الطب الحديث على علاجها في بعض الحالات فكيف لهذا الشواف الشفاء منها ؟ أوما يسمونه بالأمراض الروحانية كالسحر والعين، ثقاف النفس، وتعسر الزواج وإزالة العكس والتابعة…، وهو يعتمد في ذلك كما زعم في إطار حديثتا معه على أساليب علمية بعيدة عن كل أنواع الشعوذة والدجل والسحر الشيطاني مدعيا أنه صاحب خبرة وتجربة في المجال مدتها 27 سنة، وأنه دارس للتنجيم الفلكي، وله شواهد عليا منحها له “الألوسي” الذي يلقب أو يتوج نفسه “ملك الفلك والسحر” على رأس أمثاله من المشعوذين والدجالين، والأغرب من ذلك أنه تسلل إلى عقل الإعلام العربي ليروج لادعاءاته ، ليبيع أوهامه بالدولار متاجرا في ذلك بآلام اليائسين والمتعبين من ضربات القدر، فهو لا يتورع عن طلب ثمن الوهم الذي يبيعه لهم وبالعملة الصعبة من خلال أمور الشعوذة والدجل التي يمارسها، ادعاء معرفة الماضي والحاضر والمستقبل، ليتطور الدجل على يديه تطورا يتناسب وتقنيات العصر.
“كسكس بيد الميت”
أما في جماعة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، فقد حط الرحال من قلب سوس وبالضبط منطقة إنزكان رشيد ، وهو دجال يدعي كغيره جمعه بين علم الفلك والدراية الكبيرة بعلم الأعشاب في حين أن كلا منهما علم قائم بذاته مع تأكيده لنا أنه يعالج الصدفية مائة بالمائة إلى جانب أمراض أخرى وله تجربة في المجال فاقت 30 سنة، وآخر معجزاته تخليصه لفتاة إيطالية تدعى “فكتوريا” من جن مغربي كان يسكنها واعتناقها بعد ذلك الإسلام، مضيفا ومدعيا أنه يعالج بالقرآن الكريم والأعشاب جميع الحالات العضوية أو غير العضوية .
أما على تراب بلدية بن ﯖـرير فقد اشتهر مشعوذ كبير، يدعى “الحاج” روج لكونه أول من يقرأ خط الرمل في المغرب، وذلك قبل أن يعفو عنه الله”ويصبح صحفيا، يحمل في جيبه بطاقة “وزارة خالد الناصري، ويتكلم “بحال شي واحد واعر” على هفوات حكومة “العباس الفاسي” ومشاكل الهيئات الحزبية والنقابية.
نفس المنطقة بن ﯖـرير عرفت في بداية التسعينيات، حكاية زوجة الحاج التي “تكسكس بيد الميت” دائما قبيل الإنتخابات البرلمانية. وهي الحكايات التي مرت بعض فصولها ببرنامج وقائع الذي كانت تبثه القناة الثانية “دوزيم”.