باحنيني و علال الفاسي المهدي بنبركة أحمد الزايدي زعماء سياسيون صدموا المغاربة بموتهم المباغت

لم تكن فاجعة وفاة القيادي الاشتراكي والسياسي والإعلامي البازر، الراحل أحمد الزايدي، المأساوية، غرقاً بسيارته في وادي الشراط قرب بوزنيقة، وحدها التي هزّت المغاربة وأثارت موجة من الحداد العام والأسى الشديد، بل إن تاريخ المغرب السياسي عرف حالات وفيات واغتيالات غامضة ومفاجئة، لرجالات وقادة عُرفوا بنضالهم السياسي وبشهرة شخصياتهم داخل المغرب وخارجه.

وكان الراحل أحمد الزايدي، قد فارق الحياة أول أمس الأحد، بسبب حادث غرق سيارته حين حاول العبور بها إلى بيته ببوزنيقة، كعادته عبر وادي الشراط، إلا أن عدم انتباهه لارتفاع منسوب مياه الوادي، بفعل التساقطات المطرية الأخيرة، أدى إلى حصارها وسط الأوحال والمياه، لم تدَعْ للراحل الفُرصة للنجاة.. لتخلف وفاته صدمة في الوسط المغربي، وإجماعاً على حسن سلوكه السياسي والشخصي..

باحنيني.. واغتيال انقلاب الصخيرات

فيما لا يزال اسم أحمد باحنيني، مُخلّدا اشتهرت به أبرز القاعات التابعة لوزارة الثقافة بالرباط، يرتبط الاسم ذاته بالحادث المأساوي لمحاولة انقلاب الصخيرات على الملك الحسن الثاني، التي قادها الكولونيل أحمد اعباوبو يوم 10 يوليوز 1971، وأودت بحياة أحد أبرز السياسيين المغاربة: أحمد باحنيني، الذي كان يشغل منصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى حينها.
كان باحنيني، وقتذاك، متواجدا داخل القصر الملكي بالصخيرات، ضمن الضيوف الحاضرين للاحتفال بعيد ميلاد الملك الراحل الحسن الثاني، قبل أن تباغتهم مجموعات عسكرية بهجوم مسلح، قاده اعبابو، المسؤول عن مدرسة اهرمومو العسكرية، بمعية عدد من الجنرالات أبرزهم محمد المدبوح، في مدامهة دامية للقصر حاولت استهداف الملك، قبل أن تودي بأرواح مئات الحاضرين.

انتهت القصة الدرامية بمقتل العشرات من الضيوف، منهم أفراد من الحرس الملكي وشخصيات سياسية، بينهم أحمد باحنيني (62 سنة)، الذي فارق الحياة توّاً، برصاص الانقلابيين.

كان أحمد باحنيني، ابن مدينة فاس، من أبرز الشخصيات السياسية التي عرفها تاريخ المغرب إبان فترة الاستقلال، حيث اعتقل عام 1944 لتوقيعه وثيقة المطالبة بالاستقلال الشهيرة، قبل أن تتحول الأحداث ويحصل المغرب على استقلاله ليلتحق باحنيني موظفا بالمحكمة الابتدائية بفاس، ثم كاتبا عاما لوزارة الداخلية، فوزيرا للعدل ثم وزيرا أول، على رأس الحكومة رقم 9 في تاريخ المملكة، ما بين 13 نوفمبر 1963 و08 نوفمبر 1965.

علال الفاسي.. وخطبة الصحراء برومانيا

عرف على الزعيم الوطني والإسلامي الاستقلالي، علال الفاسي، ترحاله المتكرر خارج المغرب، إما مُكرهاً ومنفيا من طرف سلطات الاستعمار الفرنسي، ردا على نضاله السياسي والتحرري، أو مختاراً لدعوة الشرق والغرب إلى عدالة استقلال المغرب عن الاستعمار.

وكانت آخر تلك الرحلات النضالية، حين سافر إلى العاصمة الرومانية بوخاريست، يوم 13 ماي عام 1974، من أجل التعريف بقضية الصحراء، حيث يحكي القيادي الاستقلالي البارز، امحمد بوستة، كيف أن علال، وقبل أن يلتقي بالرئيس الروماني الجديد وقتها، نيكولا تشاوتشيسكو، في مكتبه “أوصانا بأن نعود إلى المغرب ولا نترك الملك الحسن الثاني معزولا لوحده.. وبأن نتقرب منه حتى وإن طردنا.. كما أوصانا بالعودة إلى إخوتنا في الحركة الوطنية..”.

يتابع بوستة حديثه عن آخر لحظات علال الفاسي، الذي كان يبلغ من العمر حينها 64 عاما، قبل وفاته بدقائق، “دخلنا المكتب، وتكلم مع تشاوتشيسكو على الملك وفلسطين، حيث قبل الرئيس الروماني طلب علال في فتح مكتب لفلسطين بلده”.

وتابع الزعيم الوطني حديثه أمام تشاوتشيسكو، عن قضية الصحراء “قال له جملتين: السنوات القادمة سيكون لنا مشكل مع إسبانيا لتواجدها على جزء من ترابنا”، قبل أن يقطع كلامه، يضيف بوستة في حوار تلفزي، قائلا “الهواء غير موجود.. ثم ذهب إلى النافذة ففتحها بقوة”.

وكانت آخر كلمة لعلال الفاسي حين طلب من بوستة إتمام الحديث مع الرئيس الروماني حول قضية الصحراء، قل أن يتكئ على من كان جنبه، وتنتقل الروح إلى خالقها في موقف صدم له الحاضرون وخلف تأثرا بالغا لدى المغاربة وقتها.

بنبركة.. أين الجثة؟؟

لا زالت وفاته تشكل لُغزاً مُحيّرا لدى المغاربة وحتى العالم، حيث تبقى وفاة المهدي بنبركة، أقوى المعارضين في تاريخ المغرب السياسي، واختفاؤه يوم 29 أكتوبر عام 1965 في منطقة “فونتني لو فيكونت” الفرنسية، من بين أشهر ملفات الاغتيال والاختطاف في القرن العشرين، خاصة مع تضارب المعلومات والحقائق، حول طريقة ذلك الاغتيال، وتعدد الأطراف المساهمة في تلك العملية الغامضة لحد الآن.

نضاله من أجل استقلال المغرب والدفاع عن مؤسسة ملكية “تسود ولا تحكم” وتحرير البلاد من الاستعمار، دفع الأخير إلى وضعه ضمن اللائحة السوداء للخصوم الوطنيين الذين يهددون وجوده في المغرب، ما جعله السلطات الفرنسية تسارع إلى إبعاده واعتقاله ونفيه خارج البلاد لأكثر من مرة، إلا أن هذه المضايقات، التي ظلت سياسة استعمارية مألوفة لدى الوطنيين، لم تُثنِ بنبركة عن الاستمرار في نضاله السياسي داخل حزب الاستقلال وبعدها في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

شكلت الاحتجاجات التي انطلقت يوم 23 مارس 1965، التي وُوجهت بقمع شديد من طرف الجنرال محمد أوفقير، محطة فارقة في ملف بنبركة، الذي كان يتواجد وقتها في فرنسا، نتيجة حكم بالإعدام صدر في حقه عام 1963 بسبب نشاطاته الاشتراكية المعارضة، إذ كان المهدي يتعرض خارج المغرب لمحاولات اغتيال، خاصة في فرنسا وسويسرا، إلى أن جاء يوم 29 أكتوبر 65، حين أوهم أفراد من الشرطة الفرنسية المهدي، بلقاءه بشخصيّة مُهمّة، أمام مطعم بالحي اللاتيني بباريس، ليتم اقتياده إلى مكان مجهول واغتياله، وفق الرواية الشهيرة.

هذه الرواية، صاحبتها أخرى مُختلفة تماماً لكنها تحيل دوماً إلى “الاغتيال”، منها قال بتعرض بنبركة للتعذيب من طرف أحمد الدليمي، مساعد وزير الداخلية محمد أوفقير، داخل إحدى الفيلات بفرنسا، لتنقل جثته للمغرب وتذاب بحمض الأسيد، منها أيضا القول بتورط الأمريكيين بتعاون مع جهاز الاستخبارات المغربي “الكاب 1” في اغتيال المهدي في فرنسا ودفن جثته تحت سفارة الرباط بباريس أو إحراقها في مكان مجهول هناك