يخلد الشعب المغربي قاطبة من طنجة إلى الكويرة اليوم (الثامن عشر من نونبر) الذكرى 59 لعيد الاستقلال المجيد، وهي ذكرى من الذكريات الخالدة، في ذاكرة الأمة المغربية تم تسجيلها في صفحات الفخر والشرف والاعتزاز .
ففي مثل هذا اليوم من كل عام من عمر وطننا المجيد، نقف ونستحضر منعطفا تاريخيا من حياتنا، وملحمة من ملاحم التحدي الكثيرة، التي جاءت بتلاحم بين العرش والشعب، فحينما اتخذ السلطان الشرعي محمد الخامس قدس الله روحه موقفا مساندا لشعبه في اتجاه الحرية والاستقلال، وامتنع عن توقيع الظهائر، واختارعدم المصادقة على قرارات الإقامة العامة، واتجه علانية ضد التوجهات الفرنسية، شعر المستعمر الفرنسي بخطورة هذا التلاحم، فقرر إبعاد ونفي السلطان يوم 20 غشت 1953 على الساعة الثالثة بعد الزوال، حيث تم نقله هو وعائلته في طائرة عسكرية باتجاه كورسيكا، قبل أن ينقل من جديد يوم 2 يناير 1954 إلى مدغشقر، وبدأت السلطات الفرنسية في مساومته للتنازل عن المطالبة بالاستقلال والتننازل عن العرش، مقابل العودة إلى أرض الوطن، والعيش بسلام في حماية الفرنسيين، إلا أن المغفور له محمد الخامس رفض مطلقا المساومات التي تمس استقلال ووحدة المغرب.
وبموازة مع ذلك، اندلعت أعمال المقاومة المسلحة وأحداث دموية، وخرج الشعب المغربي عن بكرة أبيهم في انتفاضات قوية، في العديد من المدن والقرى والبوادي وعدة مناطق من ربوع المملكة، مما أعطى شكلا من أشكال الوفاء والارتباط بالسلطان الشرعي للمغرب.
وأمام مقاومة السلطان، ورفضه المساومات على حساب استقلال وطنه، وأمام شراسة انتفاضة شعبه الوفي، لم يجد المستعمر الفرنسي سوى الرضوخ لمطالب العرش والشعب، فكانت عودة السلطان إلى وطنه يوم 16 نوفمبر 1955، وبدأت حينها المفاوضات مع سلطات الاستعمار من أجل استقلال البلاد، ومن أجل ذلك قام السلطان محمد الخامس، وبجانبه ولي العهد إنذاك مولاي الحسن بمجهودات جبارة ومتواصلة، أثمرت بتوقيع عقد الاستقلال في يوم 2 مارس 1956 ب “الكي دورسي”.
ومباشرة بعد استرجاع المناطق التي كانت تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي، اتجهت مجهودات محمد الخامس وولي عهده مرةأحرى نحو استكمال الوحدة الترابية، بإعادة الجيوب المتبقية تحت الاحتلال الإسباني إلى المغرب، وفي هذا الإطار فتحت مفاوضات مع إسبانيا، أسفرت عن توقيع معاهدة مدريد، التي أفضت إلى استقلال المناطق الشمالية للمغرب يوم 7 أبريل 1956 .
وبذلك تنتهي مرحلة الجهاد الأصغر، وتبدأ مرحلة الجهاد الأكبر مع موحد البلاد، محرر الصحراء المغربية، باني المغرب الحديث، ومبدع المسيرة الخضراء المظفرة الحسن الثاني طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، فتمت إزالة الحدود الوهمية بالمغرب، وتواصلت مرحلة هذا الجهاد الأكبر مع جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في عدة إنجازات تنموية في جميع المجالات: سياسية ، واقتصادية، وعلمية، وثقافية، واجتماعية.. .
فلنا الحق، أن نعتز بمسيرة العطاء والبناء في المملكة، ولنا الحق أن نفتخر بالدوره الريادي الذي يقوم به المغرب، وفي سعيه لبناء جسور العمل الإنساني وبدل الخير في شتى أصقاع الأرض، وهو ما تجسده مواقفه من خلال وقوفه إلى جانب أشقائه في فلسطين على الخصوص، وإلى أشقائه العرب على العموم، ودعم مسيرة التقدم والاستقرار التي تصب في سعادة ورفاهية إخوانه بإقريقيا، وإغاثة الشعوب المتضررة من ويلات الكوارث الطبيعية والبيئية وشرور الحروب، بسب النزاعات في أرجاء المعمورة .
رحم الله فقيد العروبة والإسلام محمد الخامس، وتغمد برحمته جلالة المغفور له الحسن الثاني، ونسأله عز وجل أن يحفظ وطننا من كل مكروه، وأن يديم النعم والأمن عليه تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلاة محمد السادس، سائلين الله أن يطيل في عمره ويلبسه ثياب الصحة والعافية، ويعينه ليكمل بحنكة هذا الجهاد الأكبر وتأدية هذه الأمانة إنه سميع مجيب.