اكذب اكذب حتى يصدقوك” هذه هي السياسة التي يحاول حزب الاستقلال من خلال هياكله المختلفة وأقلامه الملونة، تفعيلها بخصوص ما بات يعرف في تطوان بقضية ” اللوحات المهربة وشباط “، حيث اختفت لوحتان قيمتان من داخل حزب الاستقلال بتطوان دون سابق إعلام، إلى أن شوهدتا حسب أخبار متطابقة داخل مكتب شباط بالعاصمة، تلتها احتجاجات جمعوية ومتابعة إعلامية مكثفة للموضوع، توجت بتقديم دعوى قضائية ضد شباط وأحد مسؤولي الحزب بتطوان من طرف المحامي بهيئة الرباط إسحاق شارية، نيابة عن الجمعية الوطنية لمحاربة الفساد، تمت المطالبة من خلالها، بالتحقيق الدقيق في القضية، مع تقديم المتهمين في حالة اعتقال، نظرا لخطورة الأفعال المنسوبة إليهما.
الكذبة تقول أن تيارا اسمه ” بلا هوادة ” يقوده عبد الواحد الفاسي، الخصم اللذوذ لشباط داخل حزب الاستقلال، هو من يقف وراء تفجير قضية اللوحات التاريخية التي تتجاوز القيمة المالية لإحداها أكثر من 700 مليون سنتيم.. وحيث أن الحزب يحتوي على ما يبدو على “مخرجين من الطراز الفاشل”، فقد ذهبوا بعيدا في تأثيث فيلم “المؤامرة”، لدرجة اقحام اسم السياسي عزيز اللبار في الأمر، كونه الواقف وراء تمويل ندوة صحفية عقدت بتطوان مؤخرا، نظمتها ذات الجمعية المذكورة للتعريف بآخر مستجدات قضية اللوحتين .. فقط اسم بنكيران الغائب الأبرز عن هذه المهزلة السينمائية التي تريد تغطية حقيقة تهريب لوحتين، تعتبران تراثا وطنيا لجميع المغاربة نحو مقر الحزب بالرباط، عوض إيداعهما بالمتحف العمومي، وصدق أحد المتدخلين بندوة الجمعية المناهضة للفساد حين نسب لقيادي كبير في حزب الاستقلال قوله إن ” تطوان ريشوها “، أي نتفوها ونهبوها، مشهد يعبر بالفعل على لسان حال المدينة، بشهادة شاهد من أهلها.
في الحقيقة ليس غريبا أن نستمع لمثل قصص التفاهات والخزعبلات هاته، والمسماة ” الحرب بلا هوادة ، واللبار المنتقم “، من ممتهني السياسة غير النظيفة. فالمواطن، ما فتئ يعاني من أكاذيب جل الأحزاب التي تقدم وقت الانتخابات برامج وردية اللون، وتصورات مشجعة، بها أرقام يخال معها المتتبع أن المغرب قاب قوسين من بلوغ القمر، لكن سرعان ما يظهر نقيض ذلك تماما، فمباشرة بعد تقلد هذا الحزب أو ذاك للمسؤولية، حتى يصبح معارضا بشدة لما كان ينادي به وقت استجداء أصوات الناخبين، ناهيك عن ممارسات بعيدة كل البعد عن الأدوار الحقيقية للأحزاب السياسية، التي عهد إليها تأطير وتكوين المواطن ليصبح فاعلا داخل مجتمعه، ممارسات عملت فقط على تمييع العمل السياسي ببلادنا، وما يعنيه ذلك من مخاطر اتساع نسبة النافرين سياسيا، كتلك الواقعة السخيفة مثلا، حينما تحول المسؤول الأول لحزب الميزان، لملاكم بارع ذات يوم داخل أسوار البرلمان، في مواجهة أحد خصومه السياسيين الذي وبالمناسبة هو نفسه بطل قصة ” اللبار المنتقم ” السالفة الذكر، لمخرجيها أتباع شباط الذين تفتقت عبقريتهم لاستغلال اسمه بسبب واقعة الملاكمة تلك، لضرب مصداقية جمعية محاربة الفساد التي تبنت قضية اللوحتين، وطالبت باعتقال شباط وآخر، قصد التحقيق معهم في قضية اللوحتين المهربتين.
وعلى ذكر “الرياضة” ووزن هذا الشبل من ذاك الملاكم، فالمتتبع بتطوان لاحظ على ما يبدو كيف تحولت قاعة حزب الاستقلال بالمدينة، لقاعة رياضية بامتياز، تجرى فيها مباريات شبه يومية في لعبة ” البارشي ” الشهيرة بالمنطقة، الأمر الذي سيجعل ربما العديد من أصحاب المقاهي المعروفة “بالبارشي” لا يرون بعين الرضى لهذا المنافس الشرس، الممارس للمهنة دون ترخيص، لكن والحق يقال “فالميزان” بتطوان له حس وطني كبير، وقد أظهر ذلك وبالملموس إبان مقابلة الرجاء البيضاوي التي جمعته بفريق بايرن ميونخ الألماني في نهائي مونديال الأندية 2013، آنذاك، حين تم تثبيت ” رقعة ” خضراء اللون بجدران المقر كتب عليها ما مفاده أن الدعوة عامة لمن أراد متابعة المباراة داخل الحزب، كما وحملت اللافتة شعار ” الواليدة صيفطيلي العاقة الرجا بقا “.. فلتحيا الروح الوطنية على مقاس الحزب العتيد تحت قيادة الملاكم” الرشيق”.
بعيدا عن هاته الروح الوطنية الخاصة، وعودة لموضوع اللوحتين المهربتين من تطوان للمجهول، فقد أصدرت كل من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وشبيبته في تطوان، بلاغات وبيانات في الشأن، قاسمها المشترك العزف على وتر ” المؤامرة ” و ” تصفية الحسابات ” وتسخير المأجورين ” وغيرها من مصطلحات تافهة أكل عليها الدهر وشرب . وقد برعت بيانات الحزب في مهاجمة كل من لم يردد قصص الحزب المملة ” الحرب بلا هوادة ، واللبار المنتقم ” ، وعمد بكل تجرد لنشر أو مجرد تعبيره عن موقف مغاير لرواية الحزب حيال اللوحتين المختفيتين في ظروف غامضة ومشبوهة، فبيان ما يسمى باللجنة التنفيذية تحدث عن حملة مغرضة ومسعورة يتعرض لها الحزب لتصفية الحسابات، فيما ذهب بيان الأشبال بتطوان أبعد من ذلك، وكان شجاعا لحد الحماقة، حين عمد لترهيب المواقع والمنابر الإعلامية وكذا الجمعيات المدنية التي تطرقت للموضوع، فوصف الأولى، بالمنابر المحسوبة على المفسدين..فيما اعتبر الثانية، راعية للفساد والاسترزاق، دون أن تكون للأشبال جرأة ذكر اسم تلك الجمعيات التي تقوم بجرائم فساد مفترضة، مما يعتبر تسترا منها على جرائم ترتكب في حق المواطن!!
ومن زاوية تحليل أخرى كذلك، فبيانات الحزب رمت بكرة المسؤولية لبعض من مسؤولي الحزب في تطوان والنواحي، حيال ما وصفته بالسطو الذي تعرضت له آثار الحزب ووثائقه التاريخية بالإقليم، اللجنة التنفيذية للميزان قدمت رواية في القضية ذكرت أن ” جزء كبيرا ومهما من التراث التاريخي للحزب بالإقليم قد اختفى، كما تعرضت العديد من منشورات الحركة الوطنية ورموزها للسطو والضياع “، فيما بيان الأشبال تحدث عن سعي ” لحماية اللوحتين من تربص لوبيات الفساد التي حاولت تهريب وبيع هاتين اللوحتين عبر سبتة المحتلة، على غرار العديد من منشورات الحركة الوطنية والوثائق التاريخية “، وإن كانت الموضوعية تقتضي منا تسجيل هاته الخلاصات الخطيرة وأخذها على محمل الجد، مع وقف تصديقها إلى حين التحقيق حولها، فإنه بالمقابل سيكون من باب الأخلاق على المسؤولين السابقين الذين انخرط بعضهم في حملة الحمامة البيضاء للمطالبة بإرجاع اللوحتين المهربتين وإيداعهما بمتحف المدينة، تقديم توضيحات بخصوص هذه الاتهامات المبطنة الموجهة إليهم، أما بالنسبة لأبناء المدينة، فما يهمهم هو معرفة الحقيقة التي هي واحدة من اثنتين، فإذا كان هناك سطو على الآثار والتاريخ إبان تقلد البعض للمسؤولية في الحزب داخل الإقليم، فيجب التحقيق معهم ومعرفة المسؤول عن ذلك وتقديمه للمحاكمة، أما إن اتضح أن مشهد كيل الاتهامات يندرج في سلسلة القصص أعلاه، فالأمر عندئذ سيسمى “إثارة للبلبلة وإشهار معطيات عن جرائم يعلم أصحابها أنها غير صحيحة”، وبالتالي يستوجب محاكمة من يقف وراءها، وإلى ذلك، و كما عبرت العديد من الفعاليات المدنية، فالمنتظر الآن هو عودة اللوحتين التاريخيتين – بيرتوتشي ، والسرغيني – من مكانهما المجهول، وإيداعهما بمتحف الفن الحديث بتطوان بما يتلاءم وسعي البلاد لتفعيل الجهوية الموسعة.
عدنان المناصرة