يشكل احتضان المغرب للدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان التي تنعقد ما بين 27 و 30 نونبر الجاري بمراكش، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، اعترافا دوليا بتجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية وبالجهود التي بذلتها المملكة للنهوض بحقوق الإنسان.
ويمثل انعقاد هذه التظاهرة بالمغرب، كأول بلد عربي وإفريقي يحظى بشرف تنظيم الدورة الثانية لهذا المنتدى بعد البرازيل، تقديرا للمسار السياسي المتميز الذي نهجه المغرب في سياق إقليمي مضطرب والذي تجسد، على الخصوص، باستباق اعتماد إصلاحات دستورية وسياسية عميقة وبمنهجية تشاورية واسعة أثمرت عبر استفتاء شعبي في 2011 اعتماد دستور متقدم في مجالات أساسية وخاصة في ما يهم تعزيز حقوق الإنسان.
كما يمثل احتضان المملكة للمنتدى اعترافا بحيوية المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في المجال والسمعة الدولية التي أضحت تحظى به لاسيما التقارير الجريئة الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وفي هذا الاطار يأتي هذا اللقاء الدولي ليعزز توجه وطموح المملكة التي تعرف دينامية إصلاحات عميقة للنهوض بحقوق الانسان كخيار إرادي لا رجعة فيه، وليتيح الفرصة للمملكة لكي تساهم في النقاش العالمي حول حقوق الإنسان سواء كفاعل أو شريك نشيط ومؤهل. كما يأتي المنتدى في سياق تعزيز المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والجهود المبذولة لتطويرها وتعزيزها على المستوى الدستوري والتشريعي والمؤسساتي.
فقد خاض المغرب تجربته المتميزة في مجال العدالة الانتقالية لتدبير مرحلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، كما صادق على الاتفاقيات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، ويواصل متابعة ملاءمة تشريعاته الوطنية مع هذه الاتفاقيات، بالإضافة إلى تفاعله الإيجابي مع مختلف الآليات الدولية والإجراءات الخاصة لحقوق الإنسان وانخراطه في الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
كما تميزت هذه الدينامية الوطنية على المستوى الدستوري والمؤسساتي والتشريعي بالمصادقة على دستور 2011 الذي كرس منظومة متكاملة من الحريات والحقوق الأساسية وأضفى الطابع الدستوري على مجموعة من هيئات الحكامة وحقوق الإنسان، وأرسى الانتقال من آلية استشارية في مجال حقوق الإنسان إلى آلية وطنية تعددية ومستقلة، من خلال إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان عوض مجلس استشاري إلى جانب خلق مجالس جهوية تغطي كافة التراب الوطني، فضلا عن تنظيم حوارات عمومية عميقة حول إصلاح منظومة العدالة وحول المجتمع المدني والمناصفة بين المرأة والرجل ومكافحة جميع أشكال التمييز وإعداد خطة عمل وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويتوخى المغرب من خلال هذا المنتدى تعزيز مشاركة بلدان الجنوب في النقاش العالمي حول كونية حقوق الإنسان والمساهمة بتقاسم وتعميم خبراتهم وتجاربهم في مجال العدالة الانتقالية وطي ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فضلا عن تكريس حضور بلدان الجنوب في صياغة التوجهات المستقبلية في مجال التعامل مع القضايا الحقوقية الصاعدة وكذا في الانخراط النشيط في الآليات والهيئات والمساطر الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
فتجربة العدالة الانتقالية التي عرفها المغرب من خلال هيأة الإنصاف والمصالحة وكذا تجربة بعض بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا في هذا المجال يمكن أن تشكل نموذجا لتستفيد وتحتذي به باقي بلدان الجنوب التي لا تزال تعاني من ثقل ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي يحدوها الطموح لطي صفحة الماضي والدخول في مسار انتقال سياسي جديد.
وتروم المملكة من خلال احتضانها للنسخة الثانية من المنتدى العالمي لحقوق الانسان، الذي ستتواصل أشغاله على مدى أربعة أيام بمدينة مراكش، خلق فضاء حر للنقاش العمومي حول مختلف القضايا والانشغالات الحقوقية الكونية، وإتاحة الفرصة للحكومات وللمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، وللمجتمع المدني، وللمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان، وللفاعلين الاجتماعيين وللأكاديميين والباحثين للتداول حول تسريع الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان ولتقاسم التجارب والحوار بين المشاركين في المنتدى على تنوعهم واختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومجالات اهتمامهم بما يخدم قضايا حقوق الإنسان والتأثير على مستقبلها في العالم.
ويجمع هذا اللقاء أزيد من 5000 مشارك من 94 دولة تشمل مختلف الفاعلين في مجال حقوق الإنسان من حكومات ومنظمات غير حكومية وخبراء ومؤسسات وطنية لحقوق الإنسان وهيئات دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة وحاصلين على جائزة نوبل و سياسيين بارزين.