بقلم الأستاذ حميد طولست
على هدي السنة النبوية ، الحريصة على تشريع كل ما مِن شأنه أن يؤلف القلوب، ويصل المقطوع ، ويـُقرِّب البعيد، ويبعث الأُنْس في النفوس، ويبذر المحبة بين الناس ،وعلى رأس تلك السنة التهادي الذي قال عنه خير البرية صلى الله عليه وسلم ” تَهَادُوا تَحَابُّوا” ، ومن هذا المنطلق أبى السيد بنكيران رئيس الحكومة المغربية ، بمناسبة السنة الجديدة ألا أن يتقدم للشعب المغربي بهذية ثمينة لم يكن ليخطر يوما على بال أي عاقل أو حتي مجنون أن يتقدم له بمثلها أبداً..
الهدية الثمينة التي تناقلت أخبارها جل وسائل الإعلام الورقية والالكترونية في اعدادها ليوم الخميس ، والتي تمثلت في قرار رئيس الحكومة ، إعفاء محمد أوزين من منصبه كوزير للشباب والرياضة ، بعد تزايد مؤشرات إعفائه ، وازدياد المطالبة بمحاكمته قضائيا على خلفية تورطه في فضيحة مركب مولاي عبد الله ..
إلى هنا فالأمر عادي جدا ، بل وفيه من المعقولية ما يمكن فهمه وتبريره على اعتبار أنه يندرج ضمن سياسة محاربة الفساد التي وعدت بها الحكومة خلال حملاتها الانتخابية . لكن غير المنطقي وغير الامعقول البتة ، هو أنه في الوقت الذي كان الشعب المغربي ينتظر من الحكومة نشر تفاصيل التحقيق ، واتخاذ القرارات الشافية في حق المخلين بمسؤولياتهم في ما بات يعرف بفضيحة الملعب وما شاب صفقة تعشيبه التي بلغت قيمتها أزيد من 22 مليار سنتيم ، وغيرها من لعنة الاختلالات ، وشوهة الفضائح المدوية التي تلاحق السيد الوزير ، كفضيحة 15 سيارة التي باعتها شركة مدير ديوانه ، لوزارة الشباب ، وفضيحة صفقات موندياليتو 2014 التي فجٌرَها الفريق الإتحادي بمجلس النواب والمتعلقة بالإتفاقية التي وقعها الوزير – دون أي شرط قانوني أو مسطري -مع القناة التلفزية “أورو سبور” والتي تكلف الوزارة مبلغ مليار و100 مليون سنتيم للقناة مقابل إشهارات لبعض الرياضات ؛ الفضائح التي أصبح معها من المؤكد ، أن أوزين سيغادر السفينة الحكومية في غضون الأيام المقبلة بعد أن باتت مسؤولية السيد اوزين فيها تابثة ومؤكدة في جانبها السياسي والاخلاقي على الأقل ، والتي أصبح شق منها محسوما قبل ظهور نتائج التحقيق النهائية ؛ في هذا الوقت تطلع علينا الكثير من الجرائد ، بخبر مستفز مفاده أن مفاوضات جرت بين رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وامحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الذي ينتمي إليها أوزين ، أسفرت عن مقترح يقضي بالإبقاء على محمد أوزين داخل الحكومة في المنصب الذي كان يشغله الراحل عبد الله باها ، أي وزير دولة بدون حقيبة ، وذلك ضدا على إرادة المغاربة قاطبة وما تركته في نفوسنهم من ضرر معنوي والمادي ، ونكاية في “تنسيقية شبكة أطر الحركة الشعبية”، التي عابَت على قيادة حزب “السُنبلة” عدم القيام بالواجب حسبَ الأعراف الديمقراطية وإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حق أوزين ، عوضَ التحجج بإنتظار نتائج التحقيق والتي لا ترفع عنه المسؤولية السياسية والمعنوية الثابتة في حقه ، حسب البيان الذي أصدرته التنسيقية..
لعمري ما كُنت أنتظر أن ينزلق الإسلاميون إلى هذا المُنزلق ، وفي هذا الظرف الذي تأمل فيه غالبية المغاربة منهم أن يعيدوا للمواطن كرامته ، إذ ازلت ما بين مصدق ومكذب ذلكم الخبر لما فيه من استفزاز للمواطن المغربي ، وما يبطن من استخفاف وابتذال لذاته وإهانة لآدميته ، وانتقاص لقدراته على الإدراك والفهم ، وتحقير لعقله ، والتعامل معه على أنه أهبل لا يفهم ولا يحسن استخدام عقوله ولا يميز بين ما هو صائب وما هو خاطئ. الغريب في هذه النازلة الغير مفهومة ، والتي تعطي انطباعا مريبا وغير سليم على الاقل من الناحية الاخلاقية –إذا صدق الخبر- هو أن هذا التحقير والاستهانة بالعقل المغربي اللذان تجاوزا الاعراف والتقاليد السياسية ومقتضيات الدستور الجديد وبلغا هذه المرة حداً لم يألفه المغاربة ولم يمر به المجتمع الغربي من قبل ، ولا أجد له ما يبرره في سلوك أولئك الذين قبلوا أن يعاملوا الناس على هذا النحو من الاستحمار غير المبرر، والذي لا تبرره منفعة أو قضاء مصلحة أو عائد مادي أو معنوي للوطن لا على المدى القريب ولا البعيد ، اللهم تلك النفعية الضيقة المتعلقة بالاغلبية والتماسك الحكومي وغيرها من الحسابات الاخرى التي يحرص السيد رئيس الحكومة على الحفاظ عليها مقابل المشروع الوطني الهادف للبناء والتنمية والتقدم ، الذي هو أخر ما يُفكر فيه ..ويعطي صورة عن طبيعة بعض المسؤولين الذين يضعون انانيتهم قبل المصلحة الاستراتيجية العليا للوطن و الشعب و الدولة ، التي من المفترض ان يجتمع عليه الجميع للحفاظ عليها .
وأختم منبّهاً الأحزاب والساسة بأن الشعب وإن تغاضى عن أمور كثيرة فإنه لن يسكت كثيراً عن التمادي في تحقيره واستحماره ومصادرة آدميته وكرامته من قبل أي طرف، وأن ساعة الحساب لا بد وأن تأتي.