المغرب يتحول من حولنا بسرعة ، العالم يتجدد بسرعة أكبر على مدار الجزء من الثانية ، ومناطق بالمغرب للأسف ما زالت تركد دون خجل على حافة الطريق تنتظر قطار النماء الذي حل بها مسرعا دون اكتراث ، بينما بقيت تعيش هي تحت ردهات الفقر والتخلف والتهميش والإقصاء .
هل هو إذن إقصاء ممنهج ؟ لا..لا أعتقد ذلك …، إنها عقلية العبث واللآمسؤولية والارتكان والجمود التي ما زلت تحكم كثيرا من مسؤولينا ، وكذا كثير من مواطني هذا البلد السعيد …
اختارت عدسات ” فاس نيوز” إقليم تاونات ، الإقليم الغني بتنوعه الجغرافي والمجالي ، الزاخر بجمال طبيعته التي تأخذ بالألباب ، حملت آلة تصويري أتلمس بارقة أمل في أن أجد ضالتي هناك والتي ضننت أنها قد تكون : مشاريع تنموية ، مخططات تنموية جماعية ، نظرة إستراتيجية تراعي جميع مناحي التنمية القروية… أو أي شيء من هذا القبيل ، لكن للأسف ” الصدمة كانت كبيرة ، وكبيرة بزاف ” ، ما إن بدأت أولى جولاتي الإعلامية حتى اكتشفت أني ربما قد أخطأت الطريق ، أو أنه يتوجب علي الرجوع إلى فاس في أقرب ملتقى للطرق ، وكأن لسان حال الإقليم يهمس لي في صمت حزين :” عد إلى حال سبيلك ، لن تروقك الجولة هنا ، فما تبحث عنه ذهب أدراج أحلام ساكنة سئمت الانتظار فأصابها الخرس المطبق من قوة الصدمة ، عد من حيث أتيت ، إن اقتربت أكثر سيصدك غول التهميش ، إنه يعمر هناك مند أزل …”.
صممت على المضي قدما في طريقي ، رغم أن السيارة التي تقلني أنا وزميلي الصحفي في طاقم فاس نيوز بدأت أحس أنها هي الأخرى لم تعد قادرة على مواصلة السير ، فالطريق التي نسلكها أيها السادة الأفاضل هي طريق غير وطنية وغير إقليمية وغير جهوية وغير وغير وغير وغير ..كفى… ، رباه ما هذا العبث ، إنها لم تعد طريقا تصلح حتى للدواب حتى ، ورغم ذلك ها هي ما زالت مترامية على مسافة عشرات الكيلومترات تفتح لزائر الإقليم شهيته في زيارة لن تكون بالممتعة ، لإقليم بدا يتأكد لي جليا وأنا أشق طرقه الوعرة أن الحظ لم ينصفه كثيرا حتى يحظى بمستويات نماء أفقدته إياها عوامل ومسببات جعلته ضمن المغرب الأعمق وليس بالعميق ، عوامل ومسببات سنأتي على سردها ضمن الأعداد المتسلسلة لهذا الملف والذي سنسرده عليكم تباعا عبر حلقات .
في هذا الملف سنرى كيف غابت إرادة التدبير الناجع لإشكالات التنمية بهذا الإقليم ، كيف غابت كاريزما القيادة والتخطيط عند كثير من رؤساء الجماعات المتواجدة فوق تراب الإقليم ، سنرى كيف تم الإجهاز على أغلفة مالية وميزانيات جماعات كثيرة بدعوى ضعفها وعدم قدرتها على تغطية مصاريف مشاريع تنموية ، بجرة أقلام غير مسؤولة سنرى كيف تم تفويت صفقات تشوبها رائحة الفساد حرمت جماعات الإقليم فرص النماء ، سنرى كيف استغل كثير من رؤساء الجماعات مراكزهم من أجل الاغتناء بدون سبب على حساب انتظارات الساكنة وأحقيتهم في رفع الفقر والحيف عنهم ، سنرى كيف تم التغاضي على جملة من الخدمات الاجتماعية بالإقليم وكيف تحولت العديد من المنشآت الصحية والاجتماعية إلى أوكار تكرس مزيدا من البؤس والمعاناة ، سنكشف طرق الالتواء الذكي على القانون والتي تمكن الكثيرين من الاغتناء على حساب الأرصدة المرصودة لإقامة مشاريع تنموية ، سنكشف عن مسارات ملفات الفساد داخل ردهات المحاكم ، سنستمع في هذا الملف المتسلسل إلى آهات الساكنة واستنجادها بعاهل البلاد عله يرفع عنها الحيف والظلم الذي طالها منذ أزل ، سنصل إلى هناك ، سنكشف المستور بالوقائع والصور والشهادات الصادمة .
في المقابل ، سنكشف عن طبيعة المعركة التي يشنها عامل الإقليم في وجه الفساد هناك ، وعن آلية الوصاية و الرقابة والإفتحاص التي يعملها في وجه المفسدين والإجراءات التي يباشرها في هذا الإطار ، سنرى كذلك كيف استطاع الكثير من رؤساء الجماعات القروية والحضرية المتواجدة فوق تراب الجماعة أن يخلقوا من الضعف قوة ، وأن يجعلوا من المجالس التي يرأسونها خلايا للعمل المتواصل الجاد و المسؤول خدمة لانتظارات الساكنة وآمالها ، سنرى حجم المجهود المبذول من طرفهم في هذا المجال ، وكيف استطاعوا بكاريزماتهم الخاصة أن يفتحوا الإقليم على فرص واعدة للنماء ، سنرى كذلك مآل الحراك المجتمعي بالإقليم ، وكيف استطاع المجتمع المدني أن يبحث لنفسه هناك عن موطئ قدم يمكنه من إيصال صوته والدفاع عن قضاياه وبرامج عمله .
سنرى كل هذا وذاك ، في حياد إعلامي رصين ومسؤول ، سنعرض القضية ، ونترك لقرائنا ومسئولي الإقليم التعليق وإبداء الرأي .
ساكنة ما زالت ترتوي من مياه الوادي غير الصالح للشرب
كيلوميترات نحو المدرسة …خطى ثابة بريئة نحو انقطاع وشيك عن الدراسة
مركز صحي يغيب عنه الطبيب الرئيس …غياب طال أمدا طويلا