بقلم الأستاذ حميد طولست
كثرت الكتابات عن قضية المرأة وحقوقها المسلوبة ، وعن ضرورة مساواتها بالرجل في كافة مجالات الحياة ، وانهالت المقالات والدراسات في الآونة الأخيرة ، مركزة في غالبيتها على تحميل الرجل ما آل إليه وضع المرأة من سوء وتأخر ، وما عرفته وتعرفه من ظلم واحتقار في المجتمعات العربية والإسلامية ، دون الانتباه الى ما فعلت المرأة وتفعله بنفسها ، حيث أنها كانت أول من أسهم بقوة في تهميش دورها والانتقاص من مكانتها وقيمتها ، ولازالت تدني من قدرها ومقدارها ، وتفرط في حقها طواعية ، راضية مرضية بما تسميه نصيبها ..
وحتى وإن لم تكن هي السبب المباشر في كل ما أصبح عليه وضعها من ظلم وتعد على حقوقها ، فإنها تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية أسبابه الكثيرة التي -اجمع الجميع- على أنها في مجملها ذاتية ، ترجع إلى عوامل عديدة ومتنوعة ، لها التأثير الأكبر والخطير على عقليتها ، وثقافتها الخاصة والعامة التي تشربتها والمبنية على ان الرجل هو “الصح” ، وأنها دونه مهما كانت أعلى مركزا منه ، ومهما فاقته خبرة وثقافة ومستوى علمي ومعرفي .. لا لشيء لأنه ذكر بلحة و”موسطاش” وهي أنثى بثديين ، في الوقت الذي كانت فيه المرأة التي تحملت مسؤولية ادارة أمورها بنفسها في بعض الحضارات ، قوية قادرة ، تمنع الظلم عن نفسها وتحررها من كل المبررات التي تسوغها المجتمعات الذكورية لتبقيها كائنا خاضعا ومستعبدا ، تتقبل كل ما يكبلها من معتقدات خرافية متخلفة ، حيث كانت النساء ، ملكات اعتلين عروش بلادهن .. وقائدات وجهن الجيوش وقدن الحروب والغزوات ، مثل كيلوباترا لدى الفراعنة ، وعشتار في العراق ، وبلقيس ، وسميرايس ، وزنوبيا ، وديهيا ، وحتشبسوت ، وشجرة الدر، ووصلت بعضهن الى درجة الآلهة مثل فينوس الهة الجمال .. لكن لم يلبث ذلك التميز الذي عرفته المرأة قديما ، وتلك المنزلة الخاصة والمكانة الرفيعة التي حظيت بها في كثير من المجتمعات التي تحترم نساءها-والذي وصل في بعضها إلى درجات خيالية ، كما هو الحال مع إخناتون الذي كان أغلى قسم عنده هو أن يقسم بنفرتيتي زوجته ، رغم انها لم تنجب له سوى البنات ، أو كما كان رمسيس الثالث يتباهى بالمرأة في مملكته ، ما دفع بــ”ماكس ميللر” أن يعلق على ذلك قائلا : ” ليس ثمة شعب قديم أو حديث رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل “- أن تراجعت ، وتغير حال المرأة وأصبحت عبارة عن جارية تتمسح بأهداب السي السيد (الرجل)، وتتقبل ، وبرحابة صدر ، ما ليس عليها تقبله منه ، لإرضاء غروره وشبقيته ..
وأنا هنا إن كنت لا ادافع عن أي سلوك عدواني تحقيري للمرأة ، لا يقبله العقل السليم لا شكلا ولا مضمونا ، ولا ألتمس العذر لمرتكبي التصرفات الجاهلية المشوّهة لطبيعة المرأة بما يصمونها به من عيب وعار يلزمانها المكوث خلف قضبان شرف الحجاب المسوّر لرأسها وعقلها ، وختان يمنعها متعة من الله عليها بها ، بغية تحويلها الى مشروع جنسي ووعاء لذة مشرعن بحجة المشرع والدين مند نعومة أظافرها ، فإنني أرى –ودون محاباة لأحد ، وبعيدا عن أي منطلق عاطفية أو ايديولوجي – أن الرأي الاقرب للمنطق والعقل هو أن على المرأة أن تنتج نمطا نضاليا خاصا بها ، والنمط الخاص هنا ، ليس بالضرورة قطيعة مع ما عرفته نضالات المرأة تاريخيا وفكريا وثقافيا عبر العالم ، بل هو نمط يستند إلى كافة الإنجازات النسائية في كل مكان مع لمسة خاصة تتيح إنتاج ذلك النمط الخاص الذي لا يوطن إلى الاتكال على الآخرين (الرجال)، ويحفزها على إصلاح امرها بنفسها وذاتها ، كما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك بقوله “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” صدق الله العظيم ، بدل ان تندب حظها ، وتنتظر الرجل الشهم الكريم الذي يخلصها من عقدتها التي توارثتها من التاريخ والجغرافيا والثقافة المجتمعية والعقائد والمبادئ التي تتمسك بها دون ان تعلم ان مضارها عليها اكثر من منفعتها ..
وبما أن واقع المرأة ليس بحاجة إلى معجزات ، وأن الحقوق لا تستجدى بل تؤخذ غصبا وعنوة ، وبعيدا عن المبالغة والتهويل والابتزاز وكيل الاتهامات بغير وجه حق ، فقد آن الأوان للمرأة أن تغير من نظرتها للصورة النمطيّة لقضيتها وللأحكام المسبقة التى تحاصرها ، وأن تستلم زمام دورها في المجتمع بفعالية وإصرار ، رافضة كل ما من شأنه أن ينتقص من قدرها وقيمتها كإنسان ، معتمدة في دفاعها عن نفسها وحقوقها على جهودها ، وبعد ذلك فقط ، لا بأس من البحث عن دعم لقضيتها عند المتحررين والمثقفين الذين يؤمنون بمشروعها التحرري وحقها الطبيعي في حياة راقية في مجتمع يحترمها ويجلها..