نستأنف جولتنا بإقليم تاونات ، الإقليم الذي تقول عنه كتب التاريخ أنه يحضن في تربته الشريفة أحفاد الخلفاء الراشدين الأربعة ، إلا أن أيدي الإهمال قست عليه كثيرا لترمي به في سلة مهملات التاريخ ، بعدما كان تاريخه مليئا بصور رجال دين عظام ودولة أشاوس رفعوا اسمه ، فباركتهم التربة والسماء بفضل عطاءاتهم في الدين والتصوف والعلم والسياسة وجميع صنوف العلوم الاجتماعية والإنسانية.
التاريخ الحافل لهذا الإقليم ، لم يشفع له كي يحضا بمستقبل مشرق تتطلع إليه ساكنته ، أو أن الذين وكلوا أمر تدبير شؤونه لا يهمهم التاريخ في شيء ، بقدر اهتمامهم بما ستجود به عليهم مراكزهم ومسؤولياتهم من غنى وارتزاق وترف .
الجولة التي تقوم بها “فاس نيوز” بهذا الإقليم ، تكشف حجم التخاذل الذي ابتليت به الساكنة هناك ، مناطق تنعدم فيها شروط الحياة الأولية ، فلا حديث إلا عن ” الغيس اللي طالع للركبة ” و ” الماء اللي تانسقيواه من الواد ” ، و “الضو اللي ما عندناش ” و” الطريق اللي محفرة ” و ” السبيطار اللي ما فيه طبيب ” . لتنتهي كل هذه العبارات والمطالب التي تصدح بها الحناجر هناك بالهتاف ” والله ينصار سيدنا ، عاش الملك ” ، وكأن لسان حالهم يقول : ” أنقذنا يا صاحب الجلالة ، أنقذنا فلم نعد نحتمل ، هل تركنا الجميع هنا ورحلوا عنا ، هل من منقذ …”
ونحن نلج إحدى القرى بالإقليم ، صدمنا من هول ما رأيناه ، طرق تعجز الدواب على المرور منها ، ليتهم محوها من خريطة الطرق المصنفة وجعلوها “تفنة ” من الحجارة و “الكياص” فلكان الأمر أهون ، فبكثرة الحفر بجميع أحجامها وألوانها أصبح سلوكها مستحيلا حتى ممن خلق الله من الأنعام والوحيش .
ولجنا سوقا أسبوعيا هناك ، علنا نتلمس طبيعة الحركة التجارية والانتعاش الاقتصادي بهذه القرية ، باعتبار أن الأسواق الأسبوعية تعتبر المورد الأساس لكثير من ميزانيات الجماعات القروية هناك ، إلا أن بعض التجار والمتبضعين و من هول فرحتهم بمقدمنا اختلط عليهم الأمر فصاحوا :” وعباد الله وا التلفزة جات تصاوارنا وتصاوار الحالة اللي حنا فيها …مرحبا بيكوم فين هاد الغيوب .. الله ينصار سيدنا ، راحنا تانموتو هنا نهار باعد نهار… شوفو هاد الحالة اللي حنا فيها …، آجيو آ الجماعة تهدرو ف التلفزة …” .
أحاطوا بنا من كل جانب مهرولين مقبلين مرحبين ، طلبوا منا مرافقتهم إلى داخل السوق ، لنصدم بمشهد مروع ، سوق عائم فوق المياه وبضاعة مشرملة بالطين ، و ” غيس …”يصل حد الركب ، وصرخات إنسانية واستغاثات من هنا وهناك ” وافايناهوما هاد المسؤولين …الله ينصار سيدنا … آجيو طلوا علينا مرة مرة ، راحنا ضايعين هنا
حركة تبضع بالسوق الأسبوعي ( الولجة ) شبه مشلولة بفعل الوضع
الواد ورائكم والغيس أمامكم … فلا سوق هذا الأسبوع
سوق أسبوعي من جيل جديد … عائم فوق الماء
بالولجة ، مسالك قروية نموذجية …رطبة ليست بالصلبة
الطريق الجهوية رقم 506 المؤدية للولجة