بقلم الأستاذ حميد طاولست
تحل اليوم مناسبة يحتفل بها الكثير من الناس في كل أنحاء العالم المتحضر تقريباً بصورة رمزية وغير رسمية ، مناسبة يعبر فيها الناس عن حبهم لبعضهم البعض عن طريق إرسال بطاقات المعايدة أو إهداء الزهور أو الحلوى للأهل والأحباب والأصدقاء ولمن هم على خصام ليعود الصلح وتسود المودة والوفاق ، أنه عيد الحب الطاهر النقي ، والعلامة الفارقة بين الرقي والطهر الإنساني الذي يسمو بأخلاق البشر ، والسلوك الحيواني المتوحش الدموي ، ذلك الحب الذي يذكرنا بأعظم وأكبر وأسمى صفات الله تعالى ، الذي وصف به سبحانه نفسه ، معلنا في الآية 14 من سورة البروج ، بأنه غفور محب ، حيث قال :”وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ “، وفي سورة هود آية 90 قوله تعالى : “وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ” -وودود هنا بمعنى محب – تلك الصفة التي أودعها في قلبي آدم وحواء ليعَمِرا الأرض ، وأمر ذريتهما بالتودد لكل البشر وحبهم ، لأنه بالحب والتسامح والسلام ، تموتُ الأحقادُ وتندثر مفاهيم الكراهية وتحلُّ المحبةُ والأُلفة ، كما فى قوله تعالى الآية 23 من سورة الشورى : “ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ، وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ”.
ومن يقول بغير ذلك فهو من أعوان الشيطان ، ومن أعداء السماء الذين يؤرقهم الحب ويهزم رغباتهم الدموية الإجرامية الدنيئة ، التي تقتل الفرحة في النفوس ، بتحريم كل شيء جميل في الحياة ، من الحب والموسيقى والرقص والرسم والنحت وكره القدم حرام ، والشعر والطب ، والرياضيات والكيمياء حرام ، على أنها فواحش وموبقات ..
جميع دول العالم تحتفل اليوم بهذا التقليد الجميل ، إلا المجتمعات العربية والإسلامية ، التي تعيش غالبيتها واقعاً لا يتطابق مع تعاليم الإسلام الحنيف ، ولا يرتضيه العقل السليم ، واقع القلوب فيه سوداء، والعقول متحجرة ، والإنسانية عن كل فضاءات الحياة فيه غائبة ، والتعصب فيه متفش ، والعنصرية و الظلم والكراهية بين أفراده منتشرة، إلى درجة أصبح معها أمره فاضحا مشاهدا في الشوارع والمؤسسات والمدارس ، تدل عليه ما يعيشه المواطن من فوضى وقذارة وجهل ، وما يكابده من تأثيّراتها السلبية على الذوقيات التي تؤدي إلى سلوكيات تفسد الروح قبل العقل والبدن ، وتستدعي الاستياء العام والاستهجان لدى المتنورين ، وتكرس أسباب الاحتقان ، وتهدد سلامة المواطنين وأمن البلاد ..
ويحضرني هنا رد “نزار قباني” يوما عن سؤال حول موقع الحب في المُجتمعات العربية ؟ والذي أجاب بسؤال بليغ مفحم ومقنع ، من كلمتين: “أفي هذا الخراب؟”..فكم كان صادقا إلى أبعد الحدود ، إذ كيف يمكن أن يكون للحب من موقع في مجتمع ، يجتاز مرحلة من أكثر مراحل الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية إظلاما وترديا ، ومن أين يمكن أن يأتي الحب لمجتمعات ، قلوب من يدعون فيها الدين سوداء ، وعقولهم متحجرة ، والإنسانية عن قواميسهم غائبة
خلاصة القول ، أن الحالة العامة التي يعيشها المجتمع ، أي مجتمع ، هي نتيجة ومحصلة لحالات الأفراد الذين يكونونه ، فحينما يستقيمون على الطريق يسلم المجتمع من النواقص ، ويغدق الله عليه من كرمه وعطاياه ، مصداقا لقوله تعلى: “لو استقاموا على الطريقة لسقيناهم ماءً غدقاً “، لكنه حينما يصاب أفراد هذا المجتمع أو ذاك بالانحراف والأمراض والنواقص ، فإن أحوال المجتمع العامة ، تسوء وتفسد ، لأن أحواله من أحوالهم ، ومنهم يتشكل واقعه العام.