كشفت نقابات مركز تحاقن الدم بالرباط، في تصعيد خطير، «تلاعبات» من شأن فتح تحقيق بشأنها إسقاط رؤوس كبيرة بالمؤسسة، إذا ثبتت صحتها. وقالت النقابات، التي حشدت الموظفين للاحتجاج، أمس (الثلاثاء)،
أمام مقر وزارة الصحة بالرباط، في تقرير خطير، إن المؤسسة «تضخم عدد المتبرعين بالدم بطرق ملتوية»، وإن أخطاء قاتلة أدت إلى إفساد 17 ألف كيس من البلازما المجمدة بسبب الإهمال، وإتلاف كميات مهمة من الدم نتيجة تكليف حراس أمن خاص بمهام تقنيين.
وشكك تقرير نقابات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في سلامة الحقن وجودة المواد الدموية، نتيجة ما أسماه «التلاعبات» و»الخروقات» الخطيرة، أخطرها تتعلق بفضيحة مدوية، إذ أكدت النقابات أن مادة اشتقت من البلازما المتلفة بيعت لمرضى مغاربة، وهو ما يدعو إلى فتح تحقيق في الموضوع، وكشف ملابساته والمسؤول الأول عنه، موضحا أن مثل هذه العمليات، تهدد صحة المغاربة.
وفي ما يخص عمليات تضخيم عدد المتبرعين، قال التقرير إنها تتم عبر إجبار ذوي المرضى على إعطاء دمهم، واستقطاب الأشخاص الذين يودون إجراء تحاليل للتأكد من سلامتهم، أو الاستفادة من تأشيرة السفر إلى الخارج، والتحايل على القاصرين البالغين أقل من 18 سنة في المؤسسات التعليمية دون إذن من أولياء أمورهم. وتستغل المؤسسة، كذلك، حسب النقابات التي أبلغت لجنة التقصي الوزارية في اجتماع عقدته معها، أخيرا، بهذه «التلاعبات»، كذلك عناصر القوات المساعدة المتمرنين الذين تحتاج إدارتهم إلى نتائج التحاليل قصد استكمال ملفات التوظيف، أو التشطيب عليهم بسبب إصابتهم بالأمراض المنقولة عبر الدم، كما تجري حملات تبرع بالدم في المساجد خارج الإطار المرجعي المنظم لعمليات التبرع. وهي كلها «تلاعبات» تقول النقابات، تعلم بها لجنة التقصي الوزارية، إضافة إلى «خروقات» أخرى ضمنها تكليف المسؤول عن المختبرات بـ «مهمة خطيرة»، و«غير موثقة»، خارج الضوابط العلمية، وهي إزالة المنع بالتبرع بالدم من البرنامج المعلوماتي، بالنسبة إلى المتبرعين الذين سبق أن ظهرت نتائج تحاليلهم إيجابية في حال الإصابة بالأمراض المنقولة عبر الدم، من قبيل فيروس الالتهاب الكبدي «ب» و«س»، والزهري المعروف بـ «النوار»، قصد إعادة دمجهم في سلسلة المتبرعين من جديد.
وكشف تقرير النقابات الثلاث، «خروقات» أخرى تتعلق بـ «التجميد الممنهج» لوحدة اليقظة عند استعمال الدم، عبر تكليف شخص غير مؤهل بمسؤولية الصيانة والمعدات والآلات البيوطبية على الصعيد الوطني، وذلك لتسهيل تمرير الصفقات التي وصفتها بـ «المشبوهة» للآلات البيوطبية، إضافة إلى كثرة الأعطاب التي تصيب هذه الآلات، ما يرهق العاملين ويؤثر على جودة المواد الدموية.
وقالت النقابات الثلاث إن وزارة الصحة فاجأت العاملين بمركز تحاقن الدم بالرباط، بحملة «شعواء» من العقوبات التأديبية خارج الضوابط القانونية وناتجة عن «ملفات مطبوخة» في حق المناضلين، دون أن تفتح فيها تحقيقات للتأكد من صحتها، متسائلة عن مدى جودة الخدمات المقدمة من قبل المركز وأهمية وقاية صحة المريض بالنسبة إلى وزارة الصحة.
من جهته، اختار محمد بنعجيبة، مدير مركز تحاقن الدم بالرباط، عبارتي «المغالطات» و»تشويه الحقائق»، لوصف ما جاء على لسان النقابات، إذ قال في اتصال هاتفي أجرته معه «الصباح»، إن كل ما ورد في التقرير «كذب»، واستغلال «بعض الوقائع بشكل يشوه الحقيقة»، فمثلا في نقطة إتلاف 17 ألف كيس بلازما، «يمكننا توضيح ما وقع بالضبط، إذ وقع عطب في آلات التحفيظ، وتم تداركه. وقبل استغلال هذه المادة أجرينا لها تحاليل أثبت جودتها، ثم أرسلناها إلى مختبر في فرنسا استخرج منها مادة معينة، ولو كانت فاسدة لما تعامل معنا المختبر الفرنسي أساسا».
وزاد المسؤول نفسه، موضحا، أن المركز تعاقد مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، و»هناك اتفاقية بيننا، وقبل أي عملية تبرع في المساجد ننسق مع المندوبيات الجهوية، كما أن خطباء الجمعة يتناولون الموضوع، أي أن كل شيء يتم وفق مساطر مضبوطة، وليس فيه أي خرق، كما هو شأن الثكنات سواء تعلق الأمر بعناصر القوات المساعدة أو القوات المسلحة أو حتى الأمن الوطني، فإننا نجري عمليات تبرع قانونية، ولا نجبر أحدا عليها، بل يتقدم كل من يرغب في ذلك للتبرعن بشكل تطوعي، غير أنه لا نفهم لماذا أثيرت هذه النقطة بهذا الشكل الاتهامي؟».
وعن حملات التبرع في الثانويات، قال بنعجيبة، إن المؤسسة تنسق مع مندوبيات وزارة التربية الوطنية، وتخبر مديري المؤسسات التعليمية التي ستزورها، كما تكون جمعيات آباء وأولياء التلاميذ على علم بها، «التلاميذ البالغون 18 سنة، يحق لهم التبرع بشكل تطوعي، لكن الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و16 سنة، فإنهم ملزمون بالإدلاء بموافقة آبائهم، وصحيا لا يشكل التبرع بالدم من قبل هذه الفئة أي خطورة عليهم».
وحسب المسؤول نفسه، فإن مثل هذه «الاتهامات الباطلة» ستنعكس على «عمليات التبرع المقبلة، وتعرض أمن وصحة الكثيرين للخطر، لذلك على الجمعيات الحقوقية التدخل لأن مثل هذه الحملات تهدد مخزون المركز من الدم».