وبينما المتقاعدون منغمسون في أحلامهم ؟؟

بقلم الأستاذ حميد طولست

التقاعد مفهوم اجتماعي مثالي لحماية الشغيلة مما كانت تتعرض له من حيف واستغلال، وهو من أحدث الأنظمة التي يتم بموجبها الحد من التعسف الذي كان يعرفه العمال إثر الاستغناء عنهم بدون حقوق لمجرد تقدمهم في العمر أو تدهور أوضاعهم الصحية، يستفيد منه ، وبإجماع القوانين الدولية ، كل عامل أو موظف بعد أن يحال على التقاعد ، عند بلوغه الستين من العمر. وبهذا يكون صندوق التقاعد مؤسسة مالية تعنى بجمع رسوم إلزامية أو اختيارية بهدف توزيعها ، لاحقًا على المتقاعدين والمصابين بشكل دائم ، الذين شطب عليهم من لوائح النشيطين المشتغلين ..
وقد كانت ألمانيا من بين الدول التي حظيت بفضل السبق في تبني نظام التقاعد مند سنة 1880 ، بمفهومه الاجتماعي/الاقتصادي الذي انتشر بعد ذلك في معظم البلدان المتقدمة ، لتوفير معاشات المتقاعدين ، سواء تحت رعاية الدول ، أو أرباب العمل كما هو الحال في العديد من الدول الغربية التي تعمد أغلبها إلى استثمار الكم الهائل من الأموال التي تجمعها صناديق التقاعد ، في أنواعٍ عديدة من الاستثمارات في مجالاتٍ شتى ، كالشركات المدرجة في البورصة ، حيث تقدر ثروة الصناديق الستمائة الأهم في العالم بِ 6000 مليار دولار ، أمّا جميعها فتملك 20000 مليار دولار ما يجعلها في صدارة شركات الاستثمار في العالم.
وإذا كانت الدول المتقدمة ، تمنح متقاعديها امتيازات من قبيل ركوب الحافلات العمومية بالمجان ، وتخفيض أثمنة تذاكر القطارات ، وتنظيم سفريات داخل وخارج البلاد ، وتكفل لهم علاج بعض الأمراض اعترافا منها بالجميل ، فإن الكثير من الدول المتخلفة ، لا تراعي مشاع متقاعديها ، عبر مجموعة من الممارسات ، أبسطها عدم احترام إنسانية المتقاعدين حيث أن أغلبيتهم يحالون على التقاعد دون حتى إقامة حفل تكريم ووداع ، وأفظعها ، هو أنه بينما ينغمس السواد الأعظم من المتقاعدين والموظفين في أحلامهم الوهمية ، ويمني النفس العديد ممن أفنوا منهم ريعان شبابهم في الكدح ونكران الذات خدمة للوطن، بأن تسلط الحكومة الضوء على أوضاعهم المزرية ، ويتطلع المقهورون منهم -الذين لا تمتعهم الدولة بعد نهاية مهامهم بمعاشات تقاعدية مريحة – إلى التفاتة إنسانية تحررهم من قيود الغبن ، وتعيد لهم أدميتهم وتحسن أوضاعهم المادية والاجتماعية ، على غرار ما يحظى به المحظوظون من كبار المسؤولين والموظفين السامين: وزراء، برلمانيون ، رؤساء مجالس، سفراء، مندوبون، مدراء عامون .. الذين فضلا عما يستفيدون به من امتيازات خاصة -حتى وإن كانوا في غنى عنها – وما تتيحه لهم مراكزهم الاعتبارية المرموقة من فرص وإمكانات هائلة تمتعهم بها الدولة في نهاية مهامهم ، من معاشات تقاعدية مريحة -حتى وإن لم يدفعوا لصناديق التقاعد واجب الاشتراكات ، التي يدفعها متقوبو الجيوب من أجور لا تكفيهم لمواجهة تكاليف الحياة وحماية دويهم من بطش تقلبات الزمن- فإن الحكومة الموقرة وبرلمانها الأوقر ، قد كافأت الطبقة العاملة وموظفي القطاع العام ، بقرار تأخير سن التقاعد خمس سنوات، ومعاودة النظر في احتساب سنوات الخدمة العملية، وزيادة نسب الاقتطاعات الشهرية للعاملين، لمواجهة العجز المرتقب في صندوق التقاعد ، بدل محاسبة المتسببين عن ضياع مدخرات المتقاعدين وإفلاس الأداء الوظيفي لصناديق التقاعد نتيجة غياب المساءلة وانتشار المحسوبية وإهمال المساطر القانونية المنظمة ، والأدهى من ذلك أنه في الوقت الذي ينتظر فيه المتقاعدون من الحكومة الموقرة أخد الدعوة المطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين بعين الاعتبار ، -التي وجدت صداها في قبة البرلمان وطالب النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي جميع البرلمانيين والوزراء بالتخلي عن تقاعدهم «الذي يكلف الدولة أموالا طائلة – تقوم الحكومة بإقرار تقاعد الوزراء في 39 الف درهم في حالة استكمال الوزير خمس سنوات في منصبه، الشيء الذي اعتبره أفتاتي مبلغ كبير، لذلك وجب التخلي عنه. بينما انبرى مستشارون وبرلمانيون من الحركة الشعبية المشاركة في الائتلاف الحكومي للدفاع بشراسة عن توريث معاشاتهم لذويه -إدريس مرون- الذي ورد اسمه ضمن المرشحين لخلافة محمد أوزين على رأس وزارة الشباب والرياضة بعد إعفاء الملك له على خلفية فضيحة “الكراطة”، أن المقترح ينبغي أن يجد طريقه للتنفيذ، مضيفا أن السياسة أصبحت احترافا ومهنة تحتاج لتعويضات ومعاش يستفيذ منه ذوي محترف السياسة .