بقلم الأستاذ حميد طولست
لم أحتر في أمرٍ بقدر ما أمرت في أمر اليوم العالمي للمرأة لهذه السنة ، وتشتت أفكاري حول ماذا يجب أن أقوم به فيه كمناسبة تاريخية يخلدها العالم باسم المرأة مند عشرات السنين ، وتقدم خلاله التهاني والتبريكات وباقات المتمنيات المتنوعة تنوع أزهار هذا الفصل الربيعي المشرق .
لم يستقر فكري على شيء ، وأخذتني دوامة من الأسئلةٌ المحيرة ، وداهمت ذهني الشكوك والتساؤلات حول مصداقية هذه الاحتفالية وجدوا ذاك الاحتفاء بكائن يعيش أوضاعا قاتمة تغلب عليها الممارسات الهمجية ، التي هي أكثر من أن تعد أو تحصى.
كيف يمكن لي الاحتفال بيوم للمرأة ولم تتحرر من عبودية القيود الجهل ، والعنف ، والتحرش ، الانتهازية المجتمعية المنسوبة للدين و الشرع .
كيف يمكن الاحتفاء بالمرأة وتهنئتها بعيد لا يعدو مجرد تظاهرات إعلامية لم يتحقق من ورائها أي تحرر أو إنعتاق .
كيف يمكن ذلك وقد أصبحت المرأة في زمننا هذا سلعة يتم سبيها واختطافها واستحلالها وتشريدها واغتصابها بشكل لم يسبق له مثيل .
أي تهنئة يمكن أن تقدم لإمرةٍ تسبى وتُهان وتباع في سوق النخاسة على مرأى من حماة ورعاة قضيتها ، وعلى مسمع واضعي نصوص حقوقها وبنود حريتها .
وأيُّ عيد ٍ يمكن أن يُحتفى به مادامت هناك امرأة مسبّية جسدا وكيانا ، ومادام هناك رجل دين يغرد عبر الفضائيات العربية بجواز نكاح الصغيرات ومفاخذة الرضيعات ، ويدعون لجهاد النكاح باسم الإسلام .
كم وودت أن أهنئ كل نساء العالم في يومهن العالمي هذا ، وأتقدم لهن بباقة ورد من حدائق هذا الشهر المشرق ، لكني وجدت أنهن لسن في حاجة للتهاني ، بقدر ما هن في حاجة للتعازي والمواساة على ما يواجهنه من أقسى أنواع العنف والروحي والعاطفي ، وأمر أشكال الاستلاب العقلي والجسدي ، في سوريا والعراق ومصر وعموم البلاد العربية والمسلمة ، واللواتي أرفع لهن بالمناسبة كل تحايا التقدير والإجلال على وقوفهن في وجه الغزو الدين/السياسي الذي أذاقهن متطرفوه ، كل أنواعا الفتنة والغدر والطعن في هويتهن وتاريخهن البشري .
ومع كل هذا وذاك ، آمل وأتمنى لهن في يومهن العالمي هذا ، أن تتوحد صفوفهن وتتكاتف جهود تنظيماتهن وحركاتهن النسوية من أجل اقتلاع الظلم والاضطهاد بصفة جذرية لا تسمح له بالعودة مرة أخرى تحت أي مسمى وأية أيديولوجية ، اشتراكية أو ليبرالية أو دينية ؛ ساعتها فقط يمكن أن نتقدم لهن بالتهاني الصادقة بالعيد ..