بقلم الأستاذ حميد طولست
لست هذه المقالة المتواضعة ردا على الرسالة التي نشرتها “شبكة القراءة بالمغرب”يوم 20 أبريل, 2015 عبر مواقع الاتصال تعلن فيها نيتها رفع رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية تحت عنوان : “افتحوا وأهلوا المكتبات المدرسية” .. بقدر ما هي تأييد كامل لدوافعها وأسبابها المتمثلة في عدم اهتمام السياسات المتبعة في المغرب بما يعرفه المغرب من أزمة القراءة التي تهدد كيانه الحضاري، والتي لم تجعلها الحكومة قط من أولوياتها الاستراتيجية ولا هدفا من أهدافها أو مكونا من مكونات التنمية البشرية المستدامة، كما هو الحال في البلدان المتقدمة ، الشيء الذي أدى إلى شبه انعدام القراءة لدى عامة المواطنين.
ولذلك ارتأيت أن أنبه إلى أن الاهتمام بالمكتبة المدرسية ، والارتقاء بمجالها ، وتشجيع التلاميذ على ارتيادها والاستفادة من محتوياتها من الكتب وكافة مواد المعرفة وأوعية المعلومات المفيدة ،على اختلاف أنواعها ، لاحتياجات المتعلمين من مختلف النواحي ، الوجدانية ، والعقلية ، والاجتماعية والسلوكية والصحية ، لهو من الأمور الخطيرة التي توليها البلدان المتقدمة بالغة الأهمية ، كمرفق من أهم مرافق المدرسة النموذجية التي تتبع الأساليب والطرق التربوية الحديثة ، ووسيلة من أهم الوسائل التي يستعان بها على تحقق المفهوم الحديث للمناهج الدراسية بمعناها الواسع ، لما ترتكز عليه من العديد من العمليات التعليمية والأنشطة التربوية ، التي تؤدي دورا فاعلا في تحقيق أهداف المدرسة ، وتساهم بفاعلية في انتقال البلدان المهتمة بمكتبات مدارسها ، تنظما وإعدادا ، نحو الرقي والصعود ، بينما تتخلف عن الرقي والصعود ، كل البلدان التي لا مكان ولا أثر للمكتبة المدرسية في اهتمامات مسؤوليها ، ولا محل لها في انشغالاتهم الفردية والجمعية ، والتي يتجاهل أو يتغافل الكثير منهم ، عن حاجة المعلمين والمتعلمين لخدماتها الجليلة في تحقيق المفهوم الحديث للمنهج التعليمي ، والذي ليس باستطاعة أي مؤسسة تعليمية بلوغه بدون مكتبة معدة إعدادا جيدا ، ومزودة بما يناسب تلامذتها من المؤلفات والمراجع والمقررات ، التي تمكنهم من اكتساب العديد من المهارات ، في القراءة ، والبحث ، والحصول على المعلومات، و صدق من قال أن أمةً لا تهتم بمكتبات مدارسها ، لا مكان لها في وجدان البشرية ، ولن يحترمها التاريخ.
ولا شك كذلك أيها الزميل المحترم ، بأن من بين أهم أسباب تخلف المدرسة المغربية ، انعدام الاهتمام بمكتباتها ، أو ذاك الاهتمام السقيم الذي يبديه مسؤولو التعليم في بلادنا مناسباتيا ، ويترك أمر تدبيرها لمن لا يـراعي حـرمتها لا مهنيا ولا مـبدأ ولا ضـميرا ، ما يشكل معضلة خطيرة تتعلق بنوعية ما تزود به -بحسن نية أو سوء نية أو عن جهل وهو الأصح في غالب الأحوال- من كتب ومراجع مشبوهة الانتماءات ، متحيزة التوجهات ، تمس العقيدة الصحيحة وتطعن في الانتماء للوطني وتعاند مسايرة المتغيرات الكثيرة والمتلاحقة التي يعرفها العصر. فإذا أنت دخلت أي مكتبة مدرسية في أي مؤسسة تعليمية ، وفي أي جهة مغربية كانت ، فلن تجد أصنافا من الكتب ذات القوالب الجاهزة ، التي لا تتناسب ومستويات عقول المتلقين الطرية ، ولا تساير ميولاتهم الطفولية الفطرية ، والتي يتوه معها وفيها العقل ، كذخائر كتيبات “عذاب القبر” ، و”الثعبان الأقرع ، أو الأعور” ، و”المسيح الدجال” ، ومؤلفات القتل والجهاد في سبيل الله ، ونفائس كتب الهوس الجنسي المبشرة بالحور العين والولدان المخلدون المعششة في الخيالات المريضة لمؤلفين عاشوا ولازالوا يعيشون في مراحل حضارية جنينية ، تغرق في الخرافة واللاعقلانية ، والتي كانت وراءتأسيس القاعدة ولقيطاتها داعش ، وجبهة النصرة ، وبكوحرام ، وغيرها من المؤلفات التي حولت الكثير من الجهلة وبسطاء العقول – ضحايا آلهة الشر – إلى روبوتات بشرية تنفذ ما يملى عليها ، من قتل للأبرياء وإلى قتل أنفسهم ، وعلى رأس تلك الكتب التراثية مؤلفات ابن تيمية التي لا شك أن آلاف ، بل ملايين التلاميذ عثروا عليها صدفة في مكتبات مدارسهم ، أو بتوجيه من معلميهم ، فقرؤوها وآمنوا بما جاء فيها منذ صغر سنهم ..
ولازلت أذكر جيدا أنني حاولت والكثير من الأساتذة المخلصين لله والوطن -ويكفينا أجر المحاولة- الارتقاء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ،بمكتبات المؤسسات التعليمة التي عملت بها ، وذلك بالارتفاع بمحتوياتها وتنقيتها مما حوته رفوفها من غث الكتب وتوافه المؤلفات ، واستبداله بما هو صالحة بمستويات التلاميذ ومدرسيهم ، من الكتب التي تخاطب عقولهم الصغيرة ، وتحترم مشاعرهم وميولاتهم الطفولية ، وذلك لأنها أول نوع من المكتبات تقابلهم في حياتهم ، وسوف تتوقف علاقتهم بالمكتبات الأخرى الموجودة في المجتمع على مدى تأثرهم بها ، وانطباعهم عنها.
وأختم بقولة المفكر اللبناني ميخائيل نعيمة : ” لكي يستطيع الكاتبُ أن يكتب والناشرُ أن ينشر، فلابد من أمةٍ تقرأ ، ولكي تكون لنا أمةٌ تقرأ لابد من حكاّم يقرؤون “.
فكيف لمن لا يقرأ أن يرعى الإرث الإبداعي لأمّته ، أو يحافظ على أصحاب الفكر كما يحمي المعالمَ الوطنية ، ويحتفي بميلاد كاتب احتفاءَه باكتشاف منجم ، أو ثروة طبيعية؟